شبكة تراثيات الثقافية

المساعد الشخصي الرقمي

Advertisements

مشاهدة النسخة كاملة : عبد الرحمن بن عوف


ريمة مطهر
02-11-2011, 12:22 AM
عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه
( تاجر الرحمن )

نسبه
هو عبد الرحمن بن عوف بن عبد عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي الزهري ، يكنى أبا محمد ، وكان اسمه في الجاهلية (عبد عمرو) ، وقيل : ( عبد الكعبة ) ؛ فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم ( عبد الرحمن ) . وأمه الشفاء بنت عوف بن عبد بن الحارث بن زهرة ، وكان مولده بعد عام الفيل بعشر سنوات .

وهو أحد العشرة الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة ، وأحد الستة الذين جعل عمر رضي الله عنه الشورى فيهم وأخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي وهو عنهم راض .

إسلامه
أسلم قبل أن يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم دار الأرقم ، وكان إسلامه على يد الصديق أبا بكر رضي الله عنه ، فبعد أن أسلم الصديق ، دعا إلى الله عز وجل وكان رجلاً مألفاً لقومه محباً سهلاً ، وكان أنسب قريش لقريش ، وأعلم قريش بما كان فيها من خير وشر ، وكان رجلاً تاجراً ذا خلق معروف ، وكان رجال قومه يأتونه ويألفونه لغير واحد من الأمر لعلمه وتجارته وحسن مجالسته ، فجعل يدعو إلى الإسلام من وثق به من قومه ممن يغشاه ويجلس إليه ، فأسلم على يديه : ( الزبير بن العوام ، وعثمان بن عفان ، وطلحة بن عبيد الله ، وسعد بن أبي وقاص ، وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم ) ، فانطلقوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعهم أبو بكر رضي الله عنه فعرض عليهم الإسلام وقرأ عليهم القرآن وأنبأهم بحق الإسلام فآمنوا ، وكان هؤلاء النفر الثمانية الذين سبقوا في الإسلام صدقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وآمنوا بما جاء من عند الله . وكان عمره عند إسلامه ثلاثين عاماً .

وكان عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه من المهاجرين الأولين ، جمع الهجرتين جميعاً : هاجر إلى أرض الحبشة ثم قدم قبل الهجرة وهاجر إلى المدينة .

أثر الرسول صلى الله عليه وسلم في تربيته
أسلم عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قبل أن يدخل النبي صلى الله عليه وسلم دار الأرقم التي ربى فيها الجماعة المؤمنة التي حملت دعوة الإسلام حتى علا شأنها ، وبلغت ما بلغ الليل والنهار ، وكان أثر الرسول صلى الله عليه وسلم واضحاً في تربية عبد الرحمن بن عوف ، وفي معاملاته مع المسلمين وغيرهم ، فقد ظهرت أثر تربية النبي صلى الله عليه وسلم عندما آخى بينه وبين سعد بن الربيع وأراد الآخر أن يؤثره بنصف ماله إلا أنه قابل هذا الكرم بعفة شديدة مع أنه كان فقيراً معدماً ترك أمواله ودياره بمكة ، والمتتبع لحياة عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه يجد أثر تربية الرسول صلى الله عليه وسلم واضحاً في حياته .

ومن المواقف التي تظهر أثر الرسول صلى الله عليه وسلم في تربيته ، لمّا بعثه إلى دومة الجندل ووصاه قائلاً : " أغز بسم الله وفي سبيل الله ، فقاتل من كفر بالله ، لا تغل ولا تغدر ولا تقتل وليداً " ، وقال : " إن استجابوا لك فتزوج ابنة ملكهم " ، فسار عبد الرحمن حتى قدم دومة الجندل ، فمكث ثلاثة أيام يدعوهم إلى الإسلام فأسلم ( الأصبغ بن عمرو الكلبي ) وكان نصرانياً ، وكان رأسهم وأسلم معه ناس كثير من قومه وأقام من أقام على إعطاء الجزية ، وتزوج عبد الرحمن ( تماضر بنت الأصبغ ) وقدم بها إلى المدينة وهي أم أبي سلمة بن عبد الرحمن .

أهم ملامح شخصيته
عفته
من أهم ما يميز ملامح شخصية عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه عفته ، وظهر ذلك جلياً عندما آخى الرسول صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع ، فقال له سعد : إن لي مالاً فهو بيني وبينك شطران ، ولي امرأتان فانظر أيهما أحب إليك فأنا أطلقها فإذا حلت فتزوجها ، فقال عبد الرحمن بن عوف : بارك الله لك في أهلك ومالك .

مهارته في التجارة
استطاع عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أن يكوّن ثروة واسعة ، بعد أن ترك دياره وأرضه وأمواله ، فبمجرد وصوله للمدينة وبعد أن آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع ، قال له عبد الرحمن بن عوف بعد أن عرض عليه سعد اقتسام أمواله : دلوني على السوق ، فلم يرجع حتى رجع بسمن وأقط قد أفضله ، وكان يقول : لو رفعتن حجراً لوجدت تحته ذهباً ، وقال عنه بعض المؤرخين : كان تاجراً مجدوداً في التجارة وكسب مالاً كثيراً وخلف ألف بعير وثلاثة آلاف شاة ومائة فرس ترعى بالبقيع ، وكان يزرع بالجرف على عشرين ناضحاً فكان يدخل منه قوت أهله سنة .

شجاعته
ومن مواقف بطولته ما كان في يوم أحد ، فقد كان من النفر القليل الذي ثبت مع النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يفرّ كما فرّ غيره ، ويحكي الحارث بن الصمة فيقول : سألني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وهو في الشعب فقال : " هل رأيت عبد الرحمن بن عوف ؟ " فقلت : نعم ، رأيته إلى جنب الجبيل وعليه عسكر من المشركين فهويت إليه لأمنعه فرأيتك فعدلت إليك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الملائكة تمنعه " . قال الحارث : فرجعت إلى عبد الرحمن فأجد بين يديه سبعة صرعى ، فقلت : ظفرت يمينك ؛ أكل هؤلاء قتلت ؟ فقال : أما هذا لأرطاة بن شرحبيل ، وهذان فأنا قتلتهم ، وأما هؤلاء فقتلهم من لم أره . قلت : صدق الله ورسوله .

بعض مواقفه مع النبي صلى الله عليه وسلم
بعد أن أسلم عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه ، ووجد تعذيب المشركين للمسلمين ، وكانوا قبل الإسلام أعزة فجاء عبد الرحمن بن عوف في نفر من الصحابة إلى النبي صلى الله عليه وسلم يقولون له : يا رسول الله ، إنا كنا في عز ونحن مشركون فلما آمنا صرنا أذلة ، فقال : إني أُمرت بالعفو فلا تقاتلوا ، فلما حولنا الله إلى المدينة أمرنا بالقتال فكفوا فأنزل الله عز وجل : " أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ " .

ولقد صلى وراءه النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك يقول المغيرة بن شعبة : عدل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا معه في غزوة تبوك قبل الفجر فعدلت معه ، فأناخ النبي صلى الله عليه وسلم فتبرز ثم جاء فسكبت على يده من الإداوة ، فغسل كفيه ثم غسل وجهه ثم حسر عن ذراعيه ، فضاق كما جبته فأدخل يديه فأخرجهما من تحت الجبة فغسلهما إلى المرفق ومسح برأسه ثم توضأ على خفيه ثم ركب ، فأقبلنا نسير حتى نجد الناس في الصلاة قد قدّموا عبد الرحمن بن عوف فصلى بهم حين كان وقت الصلاة ، ووجدنا عبد الرحمن وقد ركع بهم ركعة من صلاة الفجر ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصف مع المسلمين فصلى وراء عبد الرحمن بن عوف الركعة الثانية ، ثم سلّم عبد الرحمن فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاته ففزع المسلمون ، فأكثروا التسبيح لأنهم سبقوا النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة ، فلما سلّم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم : " قد أصبتم " أو " قد أحسنتم " .

بعض المواقف من حياته مع الصحابة
ومن مواقفه مع الصحابة ما حدث بينه وبين خالد بن الوليد رضي الله عنهما ، فقد اشتكى عبد الرحمن بن عوف خالد بن الوليد للنبي صلى الله عليه وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : يا خالد لم تؤذي رجلاً من أهل بدر، لو أنفقت مثل أحد ذهباً لم تدرك عمله . فقال : يا رسول الله إنهم يقعون في فأرد عليهم . فقال: لا تؤذوا خالداً فإنه سيف من سيوف الله صبّه الله على الكفار .

ومن مواقفه أيضاً ما كان بينه وبين بقية أصحاب الشورى ، والذين استخلفهم عمر رضي الله عنه لاختيار من بينهم خليفة المسلمين ، فقد روي أن عبد الرحمن بن عوف قال لأصحاب الشورى : هل لكم أن أختار لكم وأنتقي منها ، قال علي رضي الله عنه : أنا أول من رضي فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : أنت أمين في أهل السماء وأمين في أهل الأرض .

بعض المواقف من حياته مع التابعين
ومن مواقفه مع التابعين ما كان بينه وبين نوفل بن إياس الهذلي فقد قال : كان عبد الرحمن بن عوف لنا جليساً ، وكان نعم الجليس وإنه انقلب بنا ذات ويوم حتى دخلنا منزله ودخل فاغتسل ثم خرج فجلس معنا ، فأتينا بقصعة فيها خبز ولحم ، ولما وضعتْ بكى عبد الرحمن ابن عوف فقلنا له : ما يبكيك يا أبا محمد ؟ قال : مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يشبع هو وأهل بيته من خبز الشعير ، ولا أرانا أخرنا لهذا لما هو خير لنا .

بعض ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم
عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه قال : كاتبتُ أمية بن خلف كتاباً بأن يحفظني في صاغيتي بمكة وأحفظه في صاغيته بالمدينة ، فلما ذكرت ( الرحمن ) قال : لا أعرف الرحمن ، كاتبني باسمك الذي كان في الجاهلية ؛ فكاتبته (عبد عمرو) ، فلما كان في يوم بدر خرجت إلى جبل لأحرزه حين نام الناس ، فأبصره بلال فخرج حتى وقف على مجلس من الأنصار فقال : أمية بن خلف لا نجوت إن نجا أمية ، فخرج معه فريق من الأنصار في آثارنا فلما خشيت أن يلحقونا خلفت لهم ابنه لأشغلهم فقتلوه ، ثم أبوا حتى يتبعونا وكان رجلاً ثقيلاً ، فلما أدركونا قلت له : ابرك ، فبرك فألقيت عليه نفسي لأمنعه فتخللوه بالسيوف من تحتي حتى قتلوه ، وأصاب أحدهم رجلي بسيفه وكان عبد الرحمن بن عوف يرينا ذلك الأثر في ظهر قدمه .

عن عبد الرحمن بن عوف عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : شهدت حلف المطيبين مع عمومتي ، وأنا غلام فما أحب أن لي حمر النعم وأني أنكثه ، قال الزهري : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لم يصب الإسلام حلفاً إلا زاده شدة ولا حلف في الإسلام ، وقد ألف رسول الله صلى الله عليه وسلم بين قريش والأنصار .

بعض كلماته
ابتلينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالضراء فصبرنا ثم ابتلينا بالسراء بعده فلم نصبر .

موقف الوفاة
لما حضرته الوفاة بكى بكاء شديداً فسُئل عن بكائه فقال : إن مصعب بن عمير كان خيراً مني توفي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولم يكن له ما يُكفّن فيه ، وإن حمزة بن عبد المطلب كان خيراً مني لم نجد له كفناً ، وإني أخشى أن أكون ممن عجلت له طيباته في حياة الدنيا وأخشى أن أحتبس عن أصحابي بكثرة مالي .

الوفاة
وكانت وفاته سنة إحدى وثلاثين ، وقيل : سنة اثنتين وثلاثين وهو ابن خمس وسبعين سنة بالمدينة . ودفن بالبقيع وصلى عليه عثمان رضي الله عنه وكان قد أوصى بذلك .

المراجع
الاستيعاب في معرفة الأصحاب – سير أعلام النبلاء - أسد الغابة - البداية والنهاية – الطبقات الكبرى - سنن النسائي - سنن الترمذي – صحيح البخاري