شبكة تراثيات الثقافية

المساعد الشخصي الرقمي

Advertisements

مشاهدة النسخة كاملة : خالد بن الوليد


ريمة مطهر
02-10-2011, 09:56 PM
خالد بن الوليد رضي الله عنه
( سيف الله المسلول )

نسبه
هو أبو سليمان خالد بن الوليد بن المغيرة ، ينتهي نسبه إلى ( مرة بن كعب بن لؤي ) الجد السابع للنبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الصديق رضي الله عنه .

وأمه هي لبابة بنت الحارث بن حزن الهلالية أخت أم المؤمنين ميمونة بنت الحارث ، كان مظفراً خطيباً فصيحاً يشبه عمر بن الخطاب رضي الله عنه في خلقه وصفته .

وينتمي خالد رضي الله عنه إلى قبيلة بني مخزوم أحد بطون قريش التي كانت إليها ( القبة والأعنة ) ، أما ( القبة ) فكانوا يضربونها يجمعون فيها ما يجهزون به الجيش ، وأما ( الأعنة ) فإنه كان المقدم على خيل قريش في الحرب أي أنه كان قائد فرسانهم. وكان لها شرف عظيم ومكانة كبيرة في الجاهلية ، وكانت على قدر كبير من الجاه والثراء ، وكانت بينهم وبين قريش مصاهرة متبادلة .

وكان منهم الكثير من السابقين للإسلام ؛ منهم : ( أبو سلمة بن عبد الأسد ) ، وكان في طليعة المهاجرين إلى الحبشة ، و ( الأرقم بن أبي الأرقم ) الذي كانت داره أول مسجد للإسلام ، وأول مدرسة للدعوة الإسلامية .

وكانت أسرة خالد ذات منزلة متميزة في بني مخزوم ؛ فعمه ( أبو أمية بن المغيرة ) كان معروفاً بالحكمة والفضل ، وكان مشهوراً بالجود والكرم ، وهو الذي أشار على قبائل قريش بتحكيم أول من يدخل عليهم حينما اختلفوا على وضع الحجر الأسود وكادوا يقتتلون ، وقد مات قبل الإسلام .

وعمه (هشام بن المغيرة ) كان من سادات قريش وأشرافها ، وهو الذي قاد بني مخزوم في حرب الفجار .

وكان لخالد رضي الله عنه إخوة كثيرون بلغ عددهم ستة من الذكور هم : ( العاص وأبو قيس وعبد شمس وعمارة وهشام والوليد ) ، اثنتين من الإناث هما : ( فاطمة و فاضنة ) .

أما أبوه فهو (عبد شمس الوليد بن المغيرة المخزومي ) ، وكان ذا جاه عريض وشرف رفيع في قريش ، وكان معروفاً بالحكمة والعقل ؛ فكان أحدَ حكام قريش في الجاهلية ، وكان ثَرياً صاحب ضياع وبساتين لا ينقطع ثمرها طوال العام . وكان الوليد خصماً عنيداً للإسلام والمسلمين ، وكان شديد النكاية بالرسول صلى الله عليه وسلم ، حتى إذا مضى عن الدنيا خلف وراءه الحقد في نفوس أبنائه .

وكان الوليد براً بأبنائه محباً لهم فخوراً بهم ، حرص على تنشئتهم حياة البداوة حيث الفروسية والحرب ، وحيث المهارة في استخدام الأسلحة المختلفة وركوب الخيل وقيادة الرجال .

وفي هذا الجو المترف المحفوف بالنعيم نشأ خالد بن الوليد رضي الله عنه ، وتعلم الفروسية كغيره من أبناء الأشراف ، ولكنه أبدى نبوغاً ومهارة في الفروسية منذ وقت مبكر ، وتميز على جميع أقرانه ، كما عُرف بالشجاعة والجَلَد والإقدام ، والمهارة وخفة الحركة في الكرّ والفرّ .

واستطاع خالد رضي الله عنه أن يثبت وجوده في ميادين القتال ، وأظهر من فنون الفروسية والبراعة في القتال ما جعله فارس عصره بلا منازع .

خالد رضي الله عنه قبل الإسلام
كان خالد رضي الله عنه كغيره من أبناء قريش معادياً للإسلام ناقماً على النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين الذين آمنوا به وناصروه ، بل كان شديد العداوة لهم شديد التحامل عليهم ، ومن ثَم فقد كان حريصاً على محاربة الإسلام والمسلمين .

وتابع خالد بن الوليد رضي الله عنه منذ حداثة عهده ما يلحق بالمسلمين من اضطهاد وتعذيب ورغم ذلك فلم يؤثر ذلك على المسلمين إلا زيادة في الصمود ، وإلا زيادة في التمسك بالدين الجديد ، ورأى خالد رضي الله عنه أن معظم رفاقه قد ابتعدوا عنه ، فها هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه وسواه من سادة قريش وعبيدهم قد التفوا كلهم حول الرسول صلى الله عليه وسلم ، وكان في طليعة المحاربين لهم في كل المعارك التي خاضها الكفار والمشركون ضد المسلمين .

وكان له دور بارز في إحراز النصر للمشركين على المسلمين في غزوة أحد ، حينما وجد غِرَّة من المسلمين بعد أن خالف الرماة أوامر النبي صلى الله عليه وسلم ، وتركوا مواقعهم في أعلى الجبل ، ونزلوا ليشاركوا إخوانهم جمع غنائم وأسلاب المشركين المنهزمين ، فدار خالد رضي الله عنه بفلول المشركين وباغَتَ المسلمين من خلفهم ، فسادت الفوضى والاضطراب في صفوفهم ، واستطاع أن يحقق النصر للمشركين بعد أن كانت هزيمتهم محققة .

كذلك فإن خالداً رضي الله عنه كان أحد صناديد قريش يوم الخندق الذين كانوا يتناوبون الطواف حول الخندق علهم يجدون ثغرة منه ؛ فيأخذوا المسلمين على غرة ، ولما فشلت الأحزاب في اقتحام الخندق ، وولوا منهزمين ، كان خالد بن الوليد رضي الله عنه أحد الذين يحمون ظهورهم حتى لا يُباغتهم المسلمون .

وفي الحديبية خرج خالد رضي الله عنه على رأس مائتي فارس دفعت بهم قريش لملاقاة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، ومنعهم من دخول مكة ، وقد أسفر الأمر عن عقد معاهدة بين المسلمين والمشركين عرفت باسم ( صلح الحديبية ) .

وقد تجلت كراهية خالد رضي الله عنه للإسلام والمسلمين حينما أراد المسلمون دخول مكة في عمرة القضاء ؛ فلم يطِق خالد رضي الله عنه أن يراهم يدخلون مكة رغم ما بينهم من صلح ومعاهدة وقرر الخروج من مكة حتى لا يُبصر أحداً منهم فيها .

إسلامه
أسلم خالد رضي الله عنه في ( صفر 8 هـ = يونيو 629م ) ؛ أي قبل فتح مكة بستة أشهر فقط ، وقبل غزوة مؤتة بنحو شهرين .

ويروى في سبب إسلامه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للوليد بن الوليد ( أخيه ) ، وهو في عمرة القضاء : " لو جاء خالد لقدّمناه " ، وقال : " ما مثل خالد من جهل الإسلام ، ولو كان جعل نكايته وجده مع المسلمين على المشركين " ، فكتب الوليد إلى خالد يُرغبه في الإسلام ، ويُخبره بما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه ، فكان ذلك سبب إسلامه وهجرته .

وقد سُرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بإسلام خالد رضي الله عنه ، وقال له حينما أقبل عليه : " الحمد لله الذي هداك ، قد كنت أرى لك عقلاً رجوت ألا يُسلمك إلا إلى خير " .

يروي خالد بن الوليد رضي الله عنه فيقول : لما أراد الله بي ما أراد من الخير قذف في قلبي حب الإسلام وحضرني رشدي وقلت : قد شهدت هذه المواطن كلها على محمد فليس موطن أشهده إلا انصرفت وأنا أرى في نفسي أني موضع في غير شيء وأن محمداً سيظهر ودافعته قريش بالراح يوم الحديبية ، فقلت : أين المذهب ؟ وقلت : أخرج إلى هرقل ، ثم قلت : أخرج من ديني إلى نصرانية أو يهودية فأقيم مع عجم تابعاً لها مع عيب ذلك عليّ ، ودخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عام القضية فتغيبت فكتب إليّ أخي : لم أر أعجب ذهاب رأيك عن الإسلام وعقلك عقلك وما مثل الإسلام جهله أحد ، وقد سألني رسول الله صلى الله عليه وسلم عنك فقال : أين خالد ؟ فقلت : يأتي الله به ، فقال : " ما مثل خالد جهل الإسلام " ، فاستدرك يا أخي ما فاتك .

فلما أتاني كتابه نشطت للخروج وزادني رغبة في الإسلام وسرتني مقالة النبي صلى الله عليه وسلم فأرى في المنام كأني في بلاد ضيقة جدبة فخرجت إلى بلد أخضر واسع فقلت : إن هذه لرؤيا ، فذكرتها بعد لأبي بكر فقال : هو مخرجك الذي هداك الله فيه للإسلام والضيق الشرك ، فأجمعت الخروج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وطلبت من أُصاحب فلقيت عثمان بن طلحة ، فذكرت له الذي أريد فأسرع الإجابة وخرجنا جميعاً فأدلجنا سحراً فلما كنا بالهدة إذا عمرو بن العاص فقال : مرحباً بالقوم . فقلنا : وبك . فقال : أين مسيركم ؟ فأخبرناه وأخبرنا أنه يريد أيضاً النبي صلى الله عليه وسلم فاصطحبنا حتى قدمنا المدينة على رسول الله صلى الله عليه وسلم أول يوم من صفر سنة ثمان .

فلما طلعت على رسول الله صلى الله عليه وسلم سلّمت عليه بالنبوة فرد عليّ السلام بوجه طلق فأسلمت ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قد كنت أرى لك عقلاً رجوت أن لا يُسلمك إلا إلى خير " ، وبايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلت : استغفر لي كل ما أوضعت فيه من صد عن سبيل الله . فقال صلى الله عليه وسلم : " إن الإسلام يجب ما قبله " ثم استغفر لي ، وتقدم عمرو وعثمان بن طلحة فأسلما ، فو الله ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من يوم أسلمت يعدل بي أحداً من أصحابه فيما يحزبه .

وفرح المسلمون بانضمام خالد رضي الله عنه إليهم ، فقد أعزه الله بالإسلام كما أعز الإسلام به ، وتحول عداء خالد رضي الله عنه للإسلام والمسلمين إلى حب وتراحم ، وانقلبت موالاته للكافرين إلى عداء سافر ، وكراهية متأججة ، وجولات متلاحقة من الصراع والقتال .

سيف الله في مؤتة
وكانت أولى حلقات الصراع بين خالد رضي الله عنه والمشركين بعد التحول العظيم الذي طرأ على حياة خالد وفكره وعقيدته في ( جمادى الأولى 8هـ = سبتمبر 629م ) حينما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم سرية الأمراء إلى مؤتة للقصاص من قتلة الحارث بن عمير رسوله إلى صاحب بصرى .

وجعل النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الجيش : زيد بن حارثة ومن بعده جعفر بن أبي طالب ، ثم عبد الله بن رواحة ، فلما التقى المسلمون بجموع الروم ، استشهد القادة الثلاثة الذين عينهم النبي صلى الله عليه وسلم ، وأصبح المسلمون بلا قائد ، وكاد عقدهم ينفرط وهم في أوج المعركة ، وأصبح موقفهم حرجاً ، فاختاروا خالداً رضي الله عنه قائداً عليهم .

واستطاع خالد رضي الله عنه بحنكته ومهارته أن يُعيد الثقة إلى نفوس المسلمين بعد أن أعاد تنظيم صفوفهم ، وقد أبلى خالد رضي الله عنه في تلك المعركة بلاءاً حسناً ، فقد اندفع إلى صفوف العدو يعمل فيهم سيفه قتلاً وجرحاً حتى تكسرت في يده تسعة أسياف ، حتى إذا ما أظلم الليل غير خالد رضي الله عنه نظام جيشه ، فجعل مقدمته مؤخرته ، ووضع من بالمؤخرة في المقدمة ، وكذلك فعل بالميمنة والميسرة ، أي أنه سحب جيشه من ساحة المعركة ، وأبقى ساقة تحمي الانسحاب ، ونشر هذه الساقة ليحتل فرسانها مساحة شاسعة من الأرض ، وأمرهم أن يحدثوا جلبةً وضجيجً ، ويثيروا الغبار حتى يتوهم جيش الروم أن المدد قد جائهم بليل ، ولهذا لما طلع النهار لم يقدم الروم على مطاردة المسلمين ، مما سهل على خالد رضي الله عنه مهمة الانسحاب بأمان . وقد اعتبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك فتحاً من الله على يد خالد رضي الله عنه .

فقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه باستشهاد الأمراء الثلاثة ، وأخبرهم أن خالداً رضي الله عنه أخذ اللواء من بعدهم ، وقال عنه : " اللهم إنه سيف من سيوفك ، فأنت تنصره " . فسُمي خالد رضي الله عنه ( سيف الله ) منذ ذلك اليوم .

خالد رضي الله عنه والدفاع عن الإسلام
وحينما خرج النبي صلى الله عليه وسلم في نحو عشرة آلاف من المهاجرين والأنصار ؛ لفتح مكة في (10 من رمضان 8هـ = 3 من يناير 630م ) ، جعل النبي صلى الله عليه وسلم خالداً رضي الله عنه على أحد جيوش المسلمين الأربعة ، وأمره بالدخول من الليط في أسفل مكة ، فكان خالد رضي الله عنه هو أول من دخل من أمراء النبي صلى الله عليه وسلم ، بعد أن اشتبك مع المشركين الذين تصدوا له وحاولوا منعه من دخول البيت الحرام ، فقتل منهم ثلاثة عشر مشركاً ، واستشهد ثلاثة من المسلمين ، ودخل المسلمون مكة بعد ذلك دون قتال .

وبعد فتح مكة أرسل النبي صلى الله عليه وسلم خالداً رضي الله عنه في ثلاثين فارساً من المسلمين إلى بطن نخلة لهدم العزى أكبر أصنام قريش وأعظمها لديها .

ثم أرسله بعد ذلك في نحو ثلاثمائة وخمسين رجلاً إلى بني جذيمة يدعوهم إلى الإسلام ، ولكن خالداً رضي الله عنه بما عُرف عنه من البأس والحماس قتل منهم عدداً كبيراً برغم إعلانهم الدخول في الإسلام ؛ ظناً منه أنهم إنما أعلنوا إسلامهم لدرء القتل عن أنفسهم ، وقد غضب النبي صلى الله عليه وسلم لما فعله خالد رضي الله عنه وقال : " اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد " ، وأرسل علياً بن أبي طالب رضي الله عنه لدفع دية قتلى بني جذيمة .

وقد اعتبر كثير من المؤرخين تلك الحادثة إحدى مثالب ( خالد ) رضي الله عنه ، وإن كانوا جميعاً يتفقون على أنه أخطأ متأولاً ، وليس عن قصد أو تعمد . وليس أدل على ذلك من أنه ظل يحظى بثقة النبي صلى الله عليه وسلم ، بل إنه ولاه بعد ذلك إمارة عدد كبير من السرايا ، وجعله على مقدمة جيش المسلمين في العديد من جولاتهم ضد الكفار والمشركين .

ففي غزوة حنين كان خالد رضي الله عنه على مقدمة خيل بني سليم في نحو مائة فارس ، خرجوا لقتال قبيلة هوازن في ( شوال 8هـ = فبراير 630م ) ، وقد أبلى فيها خالد رضي الله عنه بلاءاً حسناً ، وقاتل بشجاعة ، وثبت في المعركة بعد أن فرَّ من كان معه من بني سليم ، وظل يُقاتل ببسالة وبطولة حتى أثخنته الجراح البليغة ، فلما علم النبي صلى الله عليه وسلم بما أصابه سأل عن رحله ليعوده .

سيف على أعداء الله
ولكن هذه الجراح البليغة لم تمنع خالداً رضي الله عنه أن يكون على رأس جيش المسلمين حينما خرج إلى الطائف لحرب ثقيف وهوازن .

ثم بعثه النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك إلى بني المصطلق سنة ( 9هـ = 630م ) ، ليقف على حقيقة أمرهم ، بعدما بلغه أنهم ارتدوا عن الإسلام ، فأتاهم خالد رضي الله عنه ليلاً ، وبعث عيونه إليهم ، فعلم أنهم على إسلامهم ، فعاد إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بخبرهم .

وفي ( رجب 9هـ = أكتوبر 630م ) أرسل النبي صلى الله عليه وسلم خالداً رضي الله عنه في أربعمائة وعشرين فارساً إلى أكيدر بن عبد الملك صاحب دومة الجندل ، فاستطاع خالد رضي الله عنه أسر أكيدر ، وغنم المسلمون مغانم كثيرة ، وساقه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فصالحه على فتح دومة الجندل ، وأن يدفع الجزية للمسلمين ، وكتب له النبي صلى الله عليه وسلم كتاباً بذلك .

وفي ( جمادى الأولى 1هـ = أغسطس 631م ) بعث النبي صلى الله عليه وسلم خالداً رضي الله عنه إلى بني الحارث بن كعب بنجران في نحو أربعمائة من المسلمين ، ليُخيرهم بين الإسلام أو القتال ، فأسلم كثير منهم ، وأقام خالد رضي الله عنه فيهم ستة أشهر يعلمهم الإسلام وكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، ثم أرسل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يخبره بإسلامهم ، فكتب إليه النبي صلى الله عليه وسلم يستقدمه مع وفد منهم .

وبذلك أنجز خالد رضي الله عنه في حياة النبي صلى الله عليه وسلم أعمالاً باهرة ، في الحرب والسلام على حدٍ سواء ، والذي يمحص أعماله الجليلة منذ إسلامه حتى التحق رسول الله صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى ، وهي فترة قصيرة من عمر الزمان ، ليتساءل ، كيف استطاع خالد رضي الله عنه أن يحقق كل هذه المنجزات خلال هذا الوقت القصير؟

والحق أن هذا التساؤل وارد ، إذ أن فترة إسلامه التي قضاها إلى جانب رسول الله صلى الله عيه وسلم لا تتجاوز الأربع سنوات ، بينما قاتل شمالاً على حدود أرض الشام ، وجنوباً في اليمن ، وشهد على أحد عشر مشهداً ، قاتل في ثلاثة منها تحت لواء الرسول القائد صلى الله عليه وسلم ، وقاتل في ثلاثة مشاهد منها قائداً مستقلاً ، ولم يقاتل في خمسة مشاهد منه بل أنجز واجبه .

لقد كان لخالد بن الوليد رضي الله عنه أثره البالغ في نصرة دين الله ، على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وفي نشر رايات الإسلام شمالاً وجنوباً ، فلا عجب أن يقول الرسول القائد صلى الله عليه وسلم عن خالد : " نعم عبد الله وأخو العشيرة وسيف من سيوف الله سله الله على الكفار والمنافقين " رواه الطبراني .

يقاتل المرتدين ومانعي الزكاة
وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم شارك خالد رضي الله عنه في قتال المرتدين في عهد أبي بكر الصديق رضي الله عنه فقد ظن بعض المنافقين وضِعاف الإيمان أن الفرصة قد أصبحت سانحة لهم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم للانقضاض على هذا الدين ، فمنهم من أدّّعى النبوية ، ومنهم من تمرّد على الإسلام ومنع الزكاة ، ومنهم من ارتد عن الإسلام . وقد وقع اضطراب كبير ، واشتعلت الفتنة التي أحمى أوارها وزكّى نيرانها كثير من أعداء الإسلام .

وقد واجه الخليفة الأول تلك الفتنة بشجاعة وحزم ، وشارك خالد بن الوليد رضي الله عنه بنصيب وافر في التصدي لهذه الفتنة والقضاء عليها ، حينما وجّهه أبو بكر رضي الله عنه لقتال طليحة بن خويلد الأسدي وكان قد تنبأ في حياة النبي صلى الله عليه وسلم حينما علم بمرضه بعد حجة الوداع ، ولكن خطره تفاقم وازدادت فتنته بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم والتفاف كثير من القبائل حوله ، واستطاع خالد رضي الله عنه أن يلحق بطليحة وجيشه هزيمة منكرة فرّ طليحة على إثرها إلى الشام ، ثم أسلم بعد ذلك وحسن إسلامه ، وكان له دور بارز في حروب الفرس ، وقد استشهد في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنهما .

وبعد فرار طليحة راح خالد رضي الله عنه يتتبع فلول المرتدين ، فأعمل فيهم سيفه حتى عاد كثير منهم إلى الإسلام .

مقتل مالك بن نويرة وزواج خالد من امرأته
ثم سار خالد رضي الله عنه ومن معه إلى مالك بن نويرة الذي منع الزكاة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، في منطقة البطاح ، فلما علم مالك بقدومه أمر قومه بالتفرق حتى لا يظفر بهم خالد ، ولكن خالداً رضي الله عنه تمكّن من أسره في نفر من قومه ، وكانت ليلة شديدة البرودة ، فأمر خالد رضي الله عنه منادياً أن أدفئوا أسراكم ، وظن الحرس وكانوا من كنانة أنه أراد قتل الأسرى – على لغتهم - فشرعوا فيهم سيوفهم بالقتل ، حتى إذا ما انتبه خالد رضي الله عنه كانوا قد فرغوا منهم وأراد خالد رضي الله عنه أن يكفّر عن ذلك الخطأ الذي لم يعمده فتزوج من امرأة مالك ؛ مواساة لها ، وتخفيفاً عن مصيبتها في فقد زوجها الفارس الشاعر .

القضاء على فتنة مسيلمة الكذاب
كان أبو بكر رضي الله عنه قد أرسل عكرمة بن أبي جهل رضي الله عنه لقتال مسيلمة ، ولكنه هُزم ، فأرسل له أبو بكر رضي الله عنه شرحبيل بن حسنة وزادت المصيبة ثقلاً على المسلمين عندما هزموا ثانياً ، مما رفع من الروح المعنوية لأتباع مسيلمة الكذاب وتعاظمت ثقتهم بالنصر ، فلم ير أبا بكرٍ رضي الله عنه بُداً من إرسال سيف الله المسلول ( خالد بن الوليد ) إليهم ، ومن البطاح إلى اليمامة خرج خالد رضي الله عنه لقتال مسيلمة الكذاب الذي كان من أشد أولئك المتنبئين خطراً ، ومن أكثرهم أعواناً وجنداً ، والتقى الجمعان بـعقرباء ودارت معركة عنيفة بين الجانبين ، قاد مسيلمة قواته التي تزيد عن الأربعين ألف مقاتل لمجابهة خالد رضي الله عنه الذي لم تكن قواته تزيد عن ثلاثة عشر ألف مجاهد في سبيل الله ، ودارت رحى معركة عنيفة ، وازدادت أعداد القتلى ، وثبت مسيلمة رغم كثرة أعداد القتلى من جيشه ، وأدرك خالد رضي الله عنه أنها لا تركد إلا بقتله ، فبرز خالد رضي الله عنه حتى إذا كان أمام الصفوف دعا إلى المبارزة ، فجعل لا يُبارز أحداً إلا أرداه قتيل ، حتى دنا من مسيلمة فأرهقه وأدبر ، ونادى مسيلمة في قومه : الحديقة الحديقة ، فدخلوا حديقة الموت وأغلقوها عليهم ، وأحاط المسلمون بهم ، فصرخ البراء بن مالك رضي الله عنه قائلاً : يا معشر المسلمين : احملوني على الجدار اقتحم عليهم ، فحملوه ، وقاتلهم على الباب حتى تمكّن من فتحه للمسلمين ، فدخلوا ، واقتتلوا قتالاً شديداً ، وأتى وحشي بن حرب رضي الله عنه فهجم على مسيلمة بحربته ، وضربه رجل من الأنصار بسيفه ، فقتل . وهكذا انتهت المعركة بهزيمة بني حنيفة ومقتل مسيلمة ، وقد استشهد في تلك الحرب عدد كبير من المسلمين بلغ أكثر من ثلاثمائة وستين من المهاجرين والأنصار ، و بث خالد رضي الله عنه بعد المعركة مباشرةً خيوله تطارد فلول المشركين ، وتلتقط من ليس في الحصون .

فتوحات خالد رضي الله عنه في العراق
ومع بدايات عام (12هـ = 633م ) بعد أن قضى أبو بكر رضي الله عنه على فتنة الردة التي كادت تمزق الأمة وتقضي على الإسلام ، توجه الصديق رضي الله عنه ببصره إلى العراق يريد تأمين حدود الدولة الإسلامية ، وكسر شوكة الفرس المتربصين بالإسلام .

كان المثنى بن حارثة رضي الله عنه يُقاتل في العراق عندما كانت جيوش المسلمين تحارب المرتدين ، وما إن انتهت حروب المرتدين بقيادة خالد رضي الله عنه ، حتى أصدر الصديق رضي الله عنه أوامره لخالد بن الوليد وعياض بن غنم رضي الله عنهما بالتوجه إلى العراق ، فتوجه خالد رضي الله عنه إلى العراق ، واستطاع أن يحقق عدداً من الانتصارات على الفرس في الأبلة والمذار و الولجة و أليس ، وواصل خالد رضي الله عنه تقدمه نحو الحيرة ففتحها بعد أن صالحه أهلها على الجزية ، واستمر خالد رضي الله عنه في تقدمه وفتوحاته حتى فتح جانباً كبيراً من العراق ، ثم اتجه إلى الأنبار ليفتحها ، ولكن أهلها تحصنوا بها ، وكان حولها خندق عظيم يصعب اجتيازه ، ولكن خالداً رضي الله عنه لم تعجزه الحيلة ، فأمر جنوده برمي الجنود المتحصنين بالسهام في عيونهم ، حتى أصابوا نحو ألف عين منهم ، ثم عمد إلى الإبل الضعاف والهزيلة ، فنحرها وألقى بها في أضيق جانب من الخندق ، حتى صنع جسراً استطاع العبور عليه هو وفرسان المسلمين تحت وابل من السهام أطلقه رماته لحمايتهم من الأعداء المتربصين بهم من فوق أسوار الحصن العالية المنيعة . فلما رأى قائد الفرس ما صنع خالد وجنوده ، طلب الصلح ، وأصبحت الأنبار في قبضة المسلمين .

حين ذاك كانت الأمور على مسرح عمليات الشام تتطور بصورة خطيرة ، فقد جمع الروم قوات ضخمة لمحاربة الفاتحين المسلمين ، ولم يكن من بدٍ من إرسال سيف الله المسلول إلى هناك .

الطريق إلى الشام
رأى أبو بكر رضي الله عنه أن يتجه بفتوحاته إلى الشام ، إذ كان خالد رضي الله عنه قائده الذي يرمي به الأعداء في أي موضع ، حتى قال عنه : والله لأنسين الروم وساوس الشيطان بخالد بن الوليد . ولم يخيب خالد رضي الله عنه ظن أبي بكر رضي الله عنه فيه ، فقد استطاع أن يصل إلى الشام بسرعة بعد أن سلك طريقاً مختصراً ، مجتازاً المفاوز المهلكة غير المطروقة ، متخذاً رافع بن عمير الطائي دليلاً له ، ليكون في نجدة أمراء أبي بكر رضي الله عنه في الشام : ( أبي عبيدة عامر الجراح ، وشرحبيل بن حسنة وعمرو بن العاص ) - رضي الله عنهم - ، فيفاجئ الروم قبل أن يستعدوا له . وما إن وصل خالد رضي الله عنه إلى الشام حتى عمد إلى تجميع جيوش المسلمين تحت راية واحدة ، ليتمكنوا من مواجهة عدوهم والتصدي له . وكانت أول مهمة تتطلب الحل هي تقسيم القوات ، فقد كان خالد رضي الله عنه يؤمن بنوعية المقاتل ، وقدرة هذه النوعية على تحقيق التعادل ضد التفوق الكمي الذي ينفرد به أعداء المسلمين ، وكان خالد رضي الله عنه يعرف أيضاً أن أمامه في الشام معارك حاسمة ، فسار إليهم حتى وصل إلى قوات أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه في بصرى ، وبدأ بخطبة جيش المسلمين قائلاً : إن هذا يوم من أيام الله لا ينبغي فيه الفخر ولا البغي ، أخلصوا جهادكم ، وأريدوا الله بعملكم ، فإن هذا يوم له ما بعده ، ولا تقاتلوا قوماً على نظام وتعبية على تساند وانتشار فإن ذلك لا يحل ولا ينبغي ، وإن من وراءكم لو يعلم علمكم حال بينكم وبين هذا ، فاعملوا فيما لم تؤمروا به بالذي ترون أنه الرأي من واليكم ومحبته . قالوا : فهات فما الرأي ؟ قال : إن أبا بكر لم يبعثنا إلا وهو يرى أنا سنتياسر ولو علم بالذي كان ويكون لقد جمعكم إن الذي أنتم فيه أشد على المسلمين مما قد غشيهم وأنفع للمشركين من أمدادهم ، ولقد علمت أن الدنيا فرقت بينكم فالله الله فقد أفرد كل رجل منكم ببلد من البلدان لا ينتقصه منه أن دان لأحد من أمراء الجنود ولا يزيده عليه أن دانوا له ، إن تأمير بعضكم لا ينقصكم عند الله ولا عند خليفة رسول لله صلى الله عليه وسلم ، هلموا فإن هؤلاء تهيؤوا وهذا يوم له ما بعده إن رددناهم إلى خندقهم اليوم لم نزل نردهم وإن هزمونا لم نفلح بعدها ، فهلموا فلنتعاور الإمارة فليكن عليها بعضنا اليوم والآخر غداً والآخر بعد غد حتى يتأمر كلكم ودعوني إليكم اليوم .

لقد كانت هذه المقولة التي حفظها التاريخ لخالد رضي الله عنه أساس التنظيم الجديد الذي أمكن بواسطته مجابهة قوات الروم المتفوقة وإلحاق الهزيمة به ، ولم يكن الوصول إلى هذه المقولة التي تمثل ( قرارالقتال ) والتنظيم للمعركة إلا نتيجة الخبرات التي اكتسبها خالد رضي الله عنه في حروبه السابقة ، ونتيجة الموقف الذي شعر به خالد رضي الله عنه ، وأن خطورة هذا الموقف على المسلمين أكبر من خطر أعدائهم عليهم . نزل خالد رضي الله عنه إلى بصرى ، وشارك في بعض المعارك ، ورأى أن كل قتال المسلمين يتم على تساند كل جندِ وأميره ، لا يجمعهم أحد ، أي : أن جيش المسلمين كان يفتقر لوحدة القيادة ، التي تسمح للقائد بحرية العمل ، مما يُساعد على مجابهة المواقف المختلفة ، ولا تترك مصير المعركة لقواد مختلفين ، وعلاوة على ذلك فقد كانت وحدة القيادة عاملاً أساسياً في تنظيم المعركة ، وفي تنسيق التعاون بين القوات ، وعلى هذا فعندما طرح خالد رضي الله عنه الموقف أمام القادة وافقوا على وجهة نظره ، فبدأ خالد رضي الله عنه على الفور بإعادة تنظيم الجيش ، فقسمه إلى كراديس ( كتاتيب ) ، ليكثروا في عين عدوهم فيُهابهم ، وجعل كل واحد من قادة المسلمين على رأس عدد من الكراديس ، فجعل أبا عبيدة رضي الله عنه في القلب على (18) كردساً ، ومعه عكرمة بن أبي جهل والقعقاع بن عمرو رضي الله عنهما ، وجعل عمرو بن العاص رضي الله عنه في الميمنة على (10 ) كراديس ومعه شرحبيل بن حسنة رضي الله عنه ، وجعل يزيد بن أبي سفيان رضي الله عنه في الميسرة على (10 ) كراديس ، ولكن قبل الوصول إلى اليرموك قاد خالد رضي الله عنه مجموعة من الأعمال القتالية التي استهدفت استنزاف قوة الروم ، وملاحظة قدراتهم . ثم التقى المسلمون والروم في وادي اليرموك وحمل المسلمون على الروم حملة شديدة ، أبلوا فيها بلاءاً حسناً حتى كُتب لهم النصر في النهاية . وقد استشهد من المسلمين في هذه الموقعة نحو ثلاثة آلاف ، فيهم كثير من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وتجلت حكمة خالد رضي الله عنه وقيادته الواعية حينما جاءه رسول برسالة من عمر بن الخطاب رضي الله عنه تحمل نبأ وفاة أبي بكر الصديق رضي الله عنه وتخبره بعزله عن إمارة الجيش وتولية أبي عبيدة رضي الله عنه بدلاً منه ، وكانت المعركة لا تزال على أشدها بين المسلمين والروم ، فكتم خالد رضي الله عنه النبأ حتى تم النصر للمسلمين ، فسلّم الرسالة لأبي عبيدة رضي الله عنه ونزل له عن قيادة الجيش .

خالد بين القيادة والجندية
ولم ينته دور خالد رضي الله عنه في الفتوحات الإسلامية بعزل عمر رضي الله عنه له وتولية أبي عبيدة أميراً للجيش ، وإنما ظل خالد رضي الله عنه يُقاتل في صفوف المسلمين ، فارساً من فرسان الحرب وبطلاً من أبطال المعارك الأفذاذ المعدودين .
وكان له دور بارز في فتح دمشق وحمص وقنسرين ، ولم يفت في عضده أن يكون واحداً من جنود المسلمين ، ولم يوهن في عزمه أن يصير جندياً بعد أن كان قائداً وأميراً ؛ فقد كانت غايته الكبرى الجهاد في سبيل الله ، ينشده من أي موقع وفي أي مكان .

وهكذا كانت حياة هذا الصحابي العظيم ، وهذا الفارس المغوار، كلها في سبيل الله ، بين أسنة الرماح وصليل السيوف ، حتى إنه يقول : وما ليلةُ يُهدى إليّ فيها عروس أنا لها محب ، أو أُبشر فيها بغلام ، أحب إليّ من ليلة شديدة الجليد ، في سرية من المهاجرين ، أصبح بهم العدو ، فعليكم بالجهاد .

صفات خالد بن الوليد رضي الله عنه القـائد
لعل فن الحرب لم يعرف قائداً تتمثل في أعماله كل مواصفات القيادي الناجح مثل خالد بن الوليد ، فقد برع رضي الله عنه في خوض المعارك ، وتصميم الانتصارات ، ووضع الاستراتيجيات العسكرية التي تجلب له النصر بأيسر الطرق ، فمنذ جاهليته وفي عملياته الأولى ، برز تفوقه في إستراتيجية الهجوم غير المباشر ، وذلك في موقعة أحد ، عندما هجم على مؤخرة جيش المسلمين ، بعد أن استغل غياب الرماة ، ويمكن بعد ذلك استعراض كل أعمال خالد بن الوليد رضي الله عنه حيث تظهر عمليات خالد على شكل مسيرات طويلة للوصول إلى مؤخرات قوات العدو أو مجنباته ، وقد عّبر خالد رضي الله عنه عن هذه الاستراتيجية عند حديثه مع دليله رافع بن عميرة إذ قال له : كيف لي بطريق أخرج فيه من وراء جموع الروم ، فإني إن استقبلتها حبستني عن غياث المسلمين ، وقد اضطر خالد رضي الله عنه في موقعتين حاسمتين مجابهة أعدائه ، كانت الأولى في حروب الردة في موقعة اليمامة ، والأخرى في موقعة اليرموك ، ولكن رغم ذلك فقد بقي هدف خالد رضي الله عنه الدائم البحث عن وسيلة لضرب مؤخرة العدو ، كما امتاز بحرصه على الانطلاق من قاعدة قوية ، ومأمونة ، كذلك كان حرص خالد رضي الله عنه على بناء المجتمع الجديد بارزاً في فتوحاته ، فهو لا يتعامل من منطلق كونه قائداً عسكرياً فحسب ، وإنما هو ينشر دعوة الله ، ويبلغ رسالة الإسلام إلى شعوب الأرض التي يفتحه ، فلما وقف في الحيرة في مجتمع النصارى العرب ، كان حريصاً على اجتذابهم والإحسان إليهم وتأليف قلوبهم ، وكان يقول لهم : ( لكم ما لنا وعليكم ما علينا ) . كما كان حريصاً على منح عمال الأراضي حريتهم ، وضمان الأمن لهم ، وعدم التعرض لأحد منهم بأذى . ربما كان ذلك ، بل وأكثر منه لمـا امتاز به خالد بن الوليد رضي الله عنه من وضوح الهدف ، فهو كفارس عربي ، لا يختلف كثيراً عن فرسان العرب ـ كعنترة العبسي مثلاً ـ ولكنه تحول بعد إسلامه إلى سيف من سيوف الله ، يهدف إلى إعلاء كلمة الله في الأرض ، ويعمل على نشر الإسلام بكل ما أوتي من قوة ، مؤيداً بنصر الله عز وجل .

أهم ملامح شخصيته
عسكري ممتـاز
وهب للعسكرية كل حياته ، وأعز ما يملك من روح ومال وجهد ووقت ، لذلك أصبح جندياً بارعاً ، وقائداً عظيماً في آن معاً ، فحقق بطبعه الموهوب الذي فطره الله عليه وبعلمه المكتسب وخبرته الطويلة إنجازات عسكرية كانت ولا تزال أمثلةً رائعـة خالدة ، لما يمكن أن يقدمه أعاظم قادة التاريخ في كل زمان ومكان ، ذلك القائد العظيم امتاز بعقيدة راسخة ، ساعدته وهو حديث عهد بالإسلام أن يذهب ليهدم الأصنام التي أمضى عمراً من حياته ينظر إليها على أنها آلهة تعبد !، ويقول : ( يا عزى كفرانك ، لا سبحانك .. إني رأيت الله قد أهانك ) ، تجلت تلك العقيدة في أكثر من موقف في حياته رضي الله عنه ، تلك العقيدة التي جعلته واثقاً من نصر الله عز وجل له مهما ادلهمت الخطوب ، كذلك تميز رضي الله عنه بعقلية متزنة ، وذلك منذ كان في الجاهلية حيث صارت له الأعنة واقبة من بين كل رجال مخزوم ، وهذا ما شهد له به رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما قال له : " قد كنت أرى لك عقلاً رجوت ألا يسلمك إلا إلى خير " .

والذي يدرس رسائله إلى قادة الفرس والروم ، ومناقشاته المنطقية لهم ، وأوامره التي أصدرها لرجاله ، وأعماله الحربية والسلمية ، يلمس بوضوح عقلية خالد رضي الله عنه المبدعة الخلاقة ، كذلك تميز بشجاعة شخصية في كل معاركه ، مما جعل كل من يُقاتل تحت لواءه يحذو حذوه ، فيصنع ويصنعون في ميدان القتال خوارق ومعجزات في الشجاعة والإقدام ، كما منحه الله عز وجل لياقة بدنية عالية إذ ولد متكامل الخلقة قوياً ، كان طويلاً ضخماً ، عريض المنكبين ، واسع الهيكل ، كما تفرغ للتدريب العسكري ، مما قوى قابليته البدنية لتحمل المشاق العسكرية ، وقد كان في حياته العسكرية ، و في معاركه أكبر دليل على لياقته البدنية ، وإذا كانت الشجاعة ، والعقل ، واللياقة ، والعقيدة من مميزات خالد رضي الله عنه العسكرية ، فإن ذلك لم يمنعه من أن يكون ذا معنويات عالية ، لا يحل في مكان إلا رفع معنويات رجاله ، وحطم معنويات خصومه ، وكان خالد رضي الله عنه يعتمد على إثارة نوازع الإيمان في نفوس رجاله فيتعهد جيشه بالعظات وبقراءة سورة الجهاد قبل القتال وفي أثناءه وبعده ، بل كان من جملة الأسباب التي سوغ بها عمر رضي الله عنه عزل خالد رضي الله عنه أن الناس قد فتنوا به .

هكذا كان ابن الوليد رضي الله عنه جندياً متميزاً ، ويضاف إلى ذلك تميزه في الجانب القيادي ، فمـاذا عن خـالد رضي الله عنه الإنسان ؟

كان غيوراً على دين الله ، وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعن أبي سعيد الخدري قال : بعث علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من اليمن بذهيبة في أديم مقروظ لم تحصل من ترابها قال : فقسمها بين أربعة نفر بين : (عيينة بن بدر ، وأقرع بن حابس ، وزيد الخيل ، والرابع إما : علقمة ، وإما : عامر بن الطفيل ) ، فقال رجل من أصحابه : كنا نحن أحق بهذا من هؤلاء ؟ قال : فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ألا تأمنونني وأنا أمين من في السماء يأتيني خبر السماء صباحاً ومساءاً . قال : فقام رجل غائر العينين ، مشرف الوجنتين ، ناشز الجبهة ، كث اللحية ، محلوق الرأس ، مشمر الإزار ، فقال : يا رسول الله اتق الله . قال : ويلك أو لست أحق أهل الأرض أن يتقي الله ؟ قال : ثم ولى الرجل . قال خالد بن الوليد رضي الله عنه : يا رسول الله ألا أضرب عنقه . قال : لا لعله أن يكون يصلي . فقال خالد : وكم من مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني لم أومر أن أنقب قلوب الناس ولا أشق بطونهم ، قال ثم نظر إليه وهو مقف فقال : إنه يخرج من ضئضئ هذا قوم يتلون كتاب الله رطباً لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، وأظنه قال : لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل ثمود .

وكان رضي الله عنه عزيز النفس ، يغضب لكرامته ، فيه حدة ، وكانت قسوته على اللذين يستحقونها من المقاتلين فقط ، أما غير المقاتلين ، فلا خوف عليهم منه .

فضله
قال الرسول صلى الله عليه وسلم : " نِعْمَ عبد الله خالد بن الوليد ، سيْفٌ من سيوف الله " .

وأمَّ خالد رضي الله عنه الناس بالحيرة ، فقرأ من سُوَرٍ شتى ، ثم التفت إلى الناس حين انصرف فقال : شغلني عن تعلّم القرآن الجهادُ .

نزل خالد بن الوليد رضي الله عنه الحيرة على أمير بني المرازبة ، فقالوا له : احذَرِ السُّمَّ لا يسقيكهُ الأعاجم . فقال : إئتوني به . فأتِيَ به فأخذه بيده ثم اقتحمه وقال : بسم الله ، فلم يُضرَّه شيئ .

وأخبِرَ خالد رضي اللـه عنه أنّ في عسكره من يشرب الخمر ، فركب فرسـه ، فإذا رجل على مَنْسَـجِ فرسِـهِ زِقّ فيه خمر ، فقال له خالد : ما هذا ؟ قال : خل . قال : اللهم اجعله خلاّ . فلمّا رجع إلى أصحابه قال : قد جئتكم بخمر لم يشرب العربُ مثلها . ففتحوها فإذا هي خلّ . قال : هذه والله دعوة خالد بن الوليد .

وفاته
وحينما حضرته الوفاة ، انسابت الدموع من عينيه حارة حزينة ضارعة ، ولم تكن دموعه رهبة من الموت ، فلطالما واجه الموت بحد سيفه في المعارك ، يحمل روحه على سن رمحه ، وإنما كان حزنه وبكاؤه لشوقه إلى الشهادة ، فقد عزّ عليه – وهو الذي طالما ارتاد ساحات الوغى فترتجف منه قلوب أعدائه وتتزلزل الأرض من تحت أقدامهم - أن يموت على فراشه ، وقد جاءت كلماته الأخيرة تعبر عن ذلك الحزن والأسى في تأثر شديد : ( لقد حضرت كذا وكذا زحفاً وما في جسدي موضع شبر إلا وفيه ضربة بسيف ، أو رمية بسهم ، أو طعنة برمح ، وها أنا ذا أموت على فراشي حتف أنفي ، كما يموت البعير ، فلا نامت أعين الجبناء ) .

وعن أبي وائل قال : لما حضرت خالد بن الوليد الوفاة قال : ( لقد طلبت القتل فلم يُقدّر لي إلا أن أموت على فراشي ، وما من عمل أرجى من لا إله إلا الله وأنا متترس بها ، ثم قال : إذا أنا مت فانظروا سلاحي وفرسي فاجعلوه عدة في سبيل الله ) .

وقالت جويرية عن نافع قال : لما مات خالد لم يوجد له إلا فرسه وغلامه وسلاحه .

وقال عنه عمر رضي الله عنه : ( يرحم الله أبا سليمان ، لم يترك فرسه وسلاحه في سبيل الله ، وكان باستطاعته أن يجمع الموال الطائلة من فتوحاته الكثيرة ، ولكنه أنفقها كله فمات فقيراً ، دعوا نساء بني مخزوم يبكين على أبي سليمان ، فإنهن لا يكذبن ، فعلى مثل أبي سليمان تبكي البواكي ) .

مات من قال عنه الصحابة : ( الرجل الذي لا ينام ، ولا يترك أحداً ينام ) .

وودعته أمه قائلة :

أنت خير من ألف ألف من القوم ... إذا ما كبت وجوه الرجال
أشجاع ؟ .. فأنت أشجع من ليث ..... غضنفر يذود عن أشبال
أجواد ؟ .. فأنت أجود من سيل ..... غامر يسيل بين الجبال

وتوفي خالد رضي الله عنه بحمص في (18 من رمضان 21هـ = 20 من أغسطس 642م ) .

وكانت وفاته بحمص وقبره مشهور يُزار إلى الآن في ضمن مسجد واقع خارج السور إلى الجهة الشمالية من حمص ، وقد اتصل به العمران وصار حوله لهذا العهد حي يُسمى ( حي سيدي خالد ) كما يسمى المسجد أيضاً ( مسجد سيدي خالد ) .

المصدر
موقع نصرة سيدنا محمد رسول الله

ريمة مطهر
04-19-2011, 07:42 PM
خالد بن الوليد بن المغيرة

خالد بن الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم ، أبو سليمان ، وقيل ‏:‏ أبو الوليد ، القرشي المخزومي ، أمه لبابة الصغرى ، وقيل ‏:‏ الكبرى ، والأول أصح ، وهي بنت الحارث بن حزن الهلالية ، وهي أخت ميمونة بنت الحارث زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، وأخت لبابة الكبرى زوج العباس بن عبد المطلب عم النبي صلى الله عليه وسلم ، هو ابن خالة أولاد العباس الذين من لبابة‏ .‏

وكان أحد الأشراف قريش في الجاهلية ، وكان إليه القبة وأعنه الخيل في الجاهلية ، أما القبة فكانوا يضربونها يجمعون فيها ما يجهزون به الجيش ، وأما الأعنة فإنه كان يكون المقدم على خيول قريش في الحرب ، قاله الزبير بن بكار ‏.‏

ولما أراد الإسلام قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم هو وعمرو بن العاص ، وعثمان بن طلحة بن أبي طلحة العبدري ، فلما رآهم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه‏ :‏ ‏" ‏رمتكم مكة بأفلاذ كبدها ‏" ‏‏.‏

وقد اختلف في وقت إسلامه وهجرته ، فقيل ‏:‏ هاجر بعد الحديبية وقبل خيبر ، وكانت الحديبية في ذي القعدة سنة ست ، وخيبر بعدها في المحرم سنة سبع ، وقيل ‏:‏ بل كان إسلامه سنة خمس بعد فراغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني قريظة ، وليس بشيء ‏.‏ وقيل ‏:‏ كان إسلامه سنة ثمان ، وقال بعضهم‏ :‏ كان على خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية ، وكانت سنة ست ، وهذا القول مردود ، فإن الصحيح أن خالد بن الوليد كان على خيل المشركين يوم الحديبية‏ .‏

أخبرنا أبو جعفر عبيد الله بن أحمد بن علي البغدادي بإسناده إلى يونس بن بكير ، عن ابن إسحاق ، قال‏ :‏ حدثني الزهري ، عن عروة ، عن مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة حدثاه جميعاً‏ :‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يريد زيارة البيت لا يريد حرباً ، وساق معه الهدي سبعين بدنة ، فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا انتهى إلى عسفان لقيه بسر بن سفيان الكعبي ، كعب خزاعة ، قال‏ :‏ يا رسول الله ، هذه قريش قد سمعوا بمسيرك فخرجوا بالعوذ المطافيل ، قد لبسوا جلود النمور ، يعاهدون الله أن لا تدخل عليهم مكة عنوة أبداً ، وهذا هو خالد بن الوليد في خيل قريش قد قدموه إلى كراع الغميم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏ :‏ ‏" ‏يا ويح قريش ، قد أكلتها الحرب ‏" ‏‏.‏ وذكر الحديث فهذا صحيح ، يقول فيه‏ :‏ أنه على خيل قريش ‏.‏

أخبرنا إسماعيل بن عبد الله بن علي وغيره ، قالوا بإسنادهم إلى أبي عيسى محمد بن عيسى ، أخبرنا قتيبة ، حدثنا الليث ، عن هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم ، عن أبي هريرة ، قال‏ :‏ نزلنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلاًفجعل الناس يمرون ، فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏:‏ ‏"‏ من هذا يا أبا هريرة‏ " ‏‏؟‏ فأقول ‏:‏ فلان ، فيقول‏ :‏ ‏" ‏نعم عبد الله هذا‏ " ‏‏.‏ حتى مر خالد بن الوليد ، فقال‏ :‏ ‏" ‏من هذا‏ " ‏‏؟‏ قلت‏ :‏ خالد بن الوليد ، فقال ‏:‏ ‏" ‏نعم عبد الله خالد بن والوليد ، سيف من سيوف الله‏ " ‏‏.‏ ولعل هذا القول كان بعد غزوة مؤتة ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم إنما سمى خالداً سيفاً من سيوف الله فيها ، فإنه خطب الناس وأعلكهم بقتل زيد وجعفر وابن رواحة ، وقال‏ :‏ ثم أخذ الراية سيف من سيوف الله خالد بن الوليد ، ففتح الله عليه ، وقال خالد‏ :‏ لقد اندق يومئذ في يدي سبعة أسياف فما ثبت في يدي إلا صفيحة يمانية ، ولم يزل من حين أسلم يوليه رسول الله صلى الله عليه وسلم أعنة الخيل فيكون في مقدمتها في محاربة العرب ، وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فتح مكة فأبلى فيها ، وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى العزى وكان بيتاً عظيماً لمضر تبجله فهدمها ، وقال ‏:‏ الرجز ‏:‏

يا عز كفرانك لا سبحانك ** إني رأيت الله قد أهانك

ولا يصح لخالد مشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل فتح مكة ، ولما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة بعثه إلى بني جذيمة من بني عامر بن لؤي ، فقتل منهم من لم يجز له قتله ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏ :‏ ‏"‏ اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد ‏" ‏‏.‏

فأرسل مالاً مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه فوردى القتلى ، وأعطاهم ثمن ما أخذ منهم ، حتى ثمن ميغلة الكلب ، وفضل معه فضلة من المال فقسمها فيهم ، فلما أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك استحسنه ، ولما رجع خالد بن الوليد من بني جذيمة أنكر عليه عبد الرحمن ابن عوف ذلك ، وجرى بينهما كلام، فسب خالد عبد الرحمن بن عوف ، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقال لخالد ‏:‏ ‏" ‏لا تسبوا أصحابي ، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهباً ما أدرك أحدهم ولا نصيفه‏ "‏‏ .‏

وكان على مقدمة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين في بني سليم ، فجرح خالد ، فعاده رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونفث في جرحه فبرأ ، وأرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أكيدر بن عبد الملك، صاحب دومة الجندل ، فأسره ، وأحضره عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فصالحه على الجزية ، ورده إلى بلده ، وأرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة عشر إلى بني الحارث بن كعب بن مذحج ، فقدم معه رجال منهم فأسلموا ، ورجعوا إلى قومهم بنجران ، ثم إن أبا بكر أمره بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم على قتال المرتدين ، منهم‏ :‏ مسيلمة الحنفي في اليمامة ، وله في قتالهم الأثر العظيم ، ومنهم مالك بن نويرة ، في بني يربوع من تميم وغيرهم ، إلا أن الناس اختلفوا في قتل مالك بن نويرة ، فقيل‏ :‏ إنه قتل مسلماً لظن ظنه خالد به ، وكلام سمعه منه ، وأنكر عليه أبو قتادة وأقسم أنه لا يقاتل تحت رايته ، وأنكر عليه ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه ‏.‏

وله الأثر المشهور في قتال الفرس والروم ، وافتتح دمشق ، وكان في قلنسوته التي يقاتل بها شعر من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم يستنصره به وببركته ، فلا يزال منصوراً‏ .‏

أخبرنا أبو الفضل بن أبي الحسن بن أبي عبد الله المخزومي ، بإسناده إلى أحمد بن علي بن المثنى ، قال ‏:‏ حدثنا سريج بن يونس ، أخبرنا هشيم ، عن عبد الحميد بن جعفر ، عن أبيه ، قال‏ :‏ قال خالد بن الوليد ‏:‏ اعتمرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في عمرة اعتمرها ، فحلق شعره ، فاستبق الناس إلى شعره ، فسبقت إلى الناصية فأخذتها ، فاتخذت قلنسوة ، فجعلتها في مقدم القلنسوة ، فما وجهته في وجه إلا وفتح له ‏.‏

وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم، روى عنه ابن عباس ، وجابر بن عبد الله ، والمقدام بن معد يكرب وأبو أمامة بن سهل بن حنيف ، وغيرهم ، وروى معمر ، عن الزهري ، عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف ، عن عبد الله بن عباس ، عن خالد بن الوليد‏ :‏ أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيت ميمونة ، فأتى بضب محنوذ ، فأهوى إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يأكل منه ، فقالوا‏ :‏ يا رسول الله ، هو ضب ‏.‏ فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده ، فقلت‏ :‏ أحرام هو ‏؟‏ قال‏ :‏ ‏" ‏لا ، ولكنه لم يكن بأرض قومي ، فأجدني أعافه‏ " ‏‏.‏ قال خالد‏ :‏ فاجتزرته فأكلته ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر ‏.‏

ولما حضرت خالد بن الوليد الوفاة قال‏ :‏ لقد شهدت مائة زحف أو زهاءها ، وما في بدني موضع شبر إلا وفيه ضربة أو طعنة أو رمية ، وها أنا أموت على فراشي كما يموت العير ، فلا نامت أعين الجبناء ، وما من عمل أرجى من ‏"‏ لا إله إلا الله‏ "‏ وأنا متترس بها ‏.‏

وتوفي بحمص من الشام ، وقيل ‏:‏ بلى توفي بالمدينة سنة إحدى وعشرين ، في خلافة عمر بن الخطاب ، وأوصى إلى عمرو رضي الله عنه ، ولما بلغ عمر أن نساء بني المغيرة اجتمعن في دار يبكين على خالد ، قال عمر‏ :‏ ما عليهن أن يبكين أبا سليمان ما لم يكن نقع أو لقلقة ، قيل‏ :‏ لم تبق امرأة من بني المغيرة إلا وضعت لمتها على قبر خالد ، يعني حلقت رأسها ‏.‏ ولما حضرته الوفاة حبس فرسه وسلاحه في سبيل الله ‏.‏

قال الزبير بن أبي بكر‏ :‏ وقد انقرض ولد خالد بن الوليد ، فلم يبق منهم أحد ، وورث أيوب بن سلمة دورهم بالمدينة ‏.‏ أخرجه الثلاثة ‏.‏

سريج بن يونس ‏:‏ بالسين المهملة والجيم ‏.‏

والعوذ المطافيل‏ :‏ يريد النساء والصبيان ، والعوذ في الأصل‏ :‏ جمع عائذ، وهي الناقة إذا وضعت وبعد ما تضع أياماً ‏.‏ والمطفل ‏:‏ الناقة معها فصيلها ‏.‏

قوله‏ :‏ نقع ولقلقة ، فالنقع‏ :‏ رفع الصوت ، وقيل ‏:‏ أراد شق الجيوب ، واللقلقة‏ :‏ الجلبة ، كأنه حكاية الأصوات إذا كثرت ، واللقلق‏ :‏ اللسان ‏.‏

المرجع
أسد الغابة في معرفة الصحابة - لابن الأثير