شبكة تراثيات الثقافية

المساعد الشخصي الرقمي

Advertisements

مشاهدة النسخة كاملة : أقسام العلم والعمل


جمانة كتبي
02-08-2014, 10:32 PM
أقسام العلم والعمل



العلم: نقلُ صورة المعلوم من الخارج، وإثباتها في النفس. والعمل: نقل صورة علمية من النفس وإثباتها في الخارج. فإن كان الثابت في النفس مطابقًا للحقيقة في نفسها فهو علم صحيح. وكثيرًا ما يثبت ويتراءى في النفس صور ليس لها وجود حقيقي، فيظنها الذي قد أثبتها في نفسه علمًا، وإنما هي مقدرة لا حقيقة لها.

وأكثر علوم الناس من هذا الباب. وما كان منها مطابقًا للحقيقة في الخارج فهو نوعان: نوع تكمل النفس بإدراكه والعلم به، وهو كالعلم بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله وكتبه وأمره ونهيه. ونوع لا يحصل لنفس به كمال، وهو كل علم لا يضرُّ الجهل به فإنه لا ينفع العلم به، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من علم لا ينفع* . وهذا حال أكثر العلوم الصحيحة المطابقة التي لا يضرُّ الجهل بها شيئًا، كالعلم بالفلك ودقائقه ودرجاته، وعدد الكواكب ومقاديرها. والعلم بعدد الجبال وألوانها ومساحاتها ونحو ذلك. فشرف العلم بحسب شرف معلومه وشدة الحاجة إليه. وليس ذلك إلا العلم بالله وتوابع ذلك.

وأما العمل فآفته عدم مطابقته لمراد الله الديني الذي يحبه الله ويرضاه، وذلك يكون من فساد العلم تارة ومن فساد الإرادة تارة. ففساده من جهة العلم أن يعتقد أن هذا مشروع محبوب لله وليس كذلك، أو يعتقد أنه يقربه إلى الله وإن لم يكن مشروعًا؛ فيظن أنه يتقرب إلى الله بهذا العمل، وإن لم يعلم أنه مشروع. وأما فساده من جهة القصد، فأن لا يُقصد به وجه الله والدار الآخرة، بل يُقصد به الدنيا والخَلق.

وهاتان الآفتان في العلم والعمل، لا سبيل إلى السلامة منهما إلا بمعرفة ما جاء به الرسول – صلى الله عليه وسلم – في باب العلم والمعرفة، وإرادة وجه الله والدار الآخرة في باب القصد والإرادة. فمتى خلا من هذه المعرفة وهذه الإرادة فسدَ علمُه وعملُه.

والإيمان واليقين يورثان صحة المعرفة وصحة الإرادة، وهما يورثان الإيمان ويمدّانه. ومن هنا يتبين انحراف أكثر الناس عن الإيمان لانحرافهم عن صحة المعرفة وصحة الإرادة، ولا يتمُّ الإيمان إلا بتلقِّي المعرفة من مشكاة النبوة، وتجريد الإرادة عن شوائب الهوى وإرادة الخلق؛ فيكون علمُه مقتبسًا من مشكاة الوحي، وإرادتُه لله والدار الآخرة؛ فهذا أصحّ الناس علمًا وعملًا، وهو من الأئمة الذين يهدون بأمر الله، ومن خلفاء رسوله – صلى الله عليه وسلم – في أمته.


كتاب: الفوائد، لابن قيّم الجوزية.



* مسلم: ذكر 73، أبو داود: وتر 32، الترمذي: دعوات 68.