شبكة تراثيات الثقافية

المساعد الشخصي الرقمي

Advertisements

مشاهدة النسخة كاملة : ضرورة التقيد بالألفاظ الشرعية وعدم استبدالها بغيرها وتربية النشء عليها


جمانة كتبي
02-28-2013, 08:57 PM
ضرورة التقيد بالألفاظ الشرعية وعدم
استبدالها بغيرها وتربية النشء عليها




الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله صلى الله عليه وسلم وبعد .


فإن من أعظم ما يشد أمر هذه الأمة الإسلامية ربط ماضيها بحاضرها، ومن أهم معالم هذا الربط المحافظة على لغة العلم والمصطلحات الشرعية وعدم تغييرها،واستبدالها بألفاظ لا تدل على الحق،ولا تفي بالمقصود الشرعي، وقد يكون الاستبدال والتغير مدخلا للباطل وأهله وللخلط بين الباطل والحق،والتلبيس على من لا يعرف الحق على وجهه الصحيح من العامة ونحوهم ،وقد كان السلف والأئمة أشد الناس مراعاة للمعاني الصحيحة المعلومة بالشرع والعقل،وأشد الناس تمسكا بالألفاظ الشرعية فيعبرون بها ما وجدوا إلى ذلك سبيلا ،ومن تكلم بما فيه معنى باطل يخالف الكتاب والسنة ردوا عليه ،ومن تكلم بلفظ مبتدع يحتمل حقا وباطلا نسبوه إلى البدعة،وقالوا إنما قابل بدعة ببدعة ورد باطلا بباطل (1).

وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لا تغلبنكم الأعراب على اسم صلاتكم ألا وإنها العشاء وإنهم يسمونها العتمة ) قال العلامة ابن القيم رحمه الله : وهذا محافظة منه على الأسماء التي سمى الله بها العبادات فلا تهجر ويؤثر عليها غيرها كما فعله المتأخرون في هجران ألفاظ النصوص وإيثار المصطلحات الحادثة عليها ،ونشأ بسبب هذا من الجهل والفساد ما الله به عليم ) (2).

وقد نص العلماء : إن الألفاظ الشرعية لا يقوم غيرها مقامها نعم قد يعبر عنها بما يقرب من معناها ولفظها لكن أن يدل على كل المعنى المقصود الذي يؤديه اللفظ الشرعي فهذا صعب تحقيقه ، ،فالألفاظ الشرعية كما يقول ابن القيم رحمه الله مصونة العصمة مضمونة في ألفاظ النصوص ومعانيها في أتم بيان وأحسن تفسير، ومن رام إدراك الهدى ودين الحق من غير مشكاتها فهو عليه عسير غير يسير .

ثم إن اللفظ إذا كان واف في التعبير عن المقصود وإيضاحه لا يستبدل بلفظ يجرده من بعض معانيه ،ويجرده من بعض الأحكام المرتبة عليه يقول ابن القيم رحمه الله : (وقد كان الصحابة والتابعون والأئمة الذين سلكوا على مناهجهم يتحرون ذلك غاية التحري حتى خلفت من بعدهم خلوف، رغبوا عن النصوص، واشتقوا لهم ألفاظا غير ألفاظ النصوص، فأوجب ذلك هجر النصوص، ومعلوم أن تلك الألفاظ لا تفي بما تفي به النصوص من الحكم والدليل،وحسن البيان، فتولد من هجران ألفاظ النصوص، والإقبال على الألفاظ الحادثة، وتعليق الأحكام بها على الأمة من الفساد مالا يعلمه إلا الله، فألفاظ النصوص عصمة، وحجة بريئة من الخطأ والتناقض والتعقيد والاضطراب، ولما كانت هي عصمة عهدة الصحابة وأصولهم التي إليها يرجعون؛ كانت علومهم أصح من علوم من بعدهم، وخطؤهم فيما اختلفوا فيه أقل من خطأ من بعدهم، ثم التابعون بالنسبة إلى من بعدهم كذلك وهلم جرا.

ولما استحكم هجران النصوص عند أكثر أهل الأهواء والبدع؛ كانت علومهم في مسائلهم وأدلتهم في غاية الفساد والاضطراب والتناقض ، وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سئلوا عن مسألة؛ يقولون قال الله كذا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا، أو فعل رسول الله كذا، ولا يعدلون عن ذلك ما وجدوا إليه سبيلا قط، فمن تأمل أجوبتهم؛ وجدها شفاء لما في الصدور ،فلما طال العهد وبعد الناس من نور النبوة صار هذا عيبا عند المتأخرين أن يذكروا في أصول دينهم وفروعه قال الله ،وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم) (3)

وتغير الألفاظ والمصطلحات الشرعية يفتح الباب أمام المفسدين وأهل البدع والضلالة لتمرير كثير من الباطل تحت مضلة هذه الاصطلاحات المولدة ،ومن أعظم ما يدل على هذه المفسدة الأثر الذي ترتب على الألفاظ المجملة التي زج بها المتكلمون والفلاسفة في أبواب التوحيد والمعتقد واستبدلوا واعرضوا عن الألفاظ الشرعية المحكمة الواردة في الكتاب والسنة يقول ابن تيمية رحمه الله في طريقة أهل البدعة: ( وإذا كان ألفاظ النصوص لها حرمة لا يمكن المظهر للإسلام أن يعارضها فهم يعبرون عن المعاني التي تنافيها بعبارات أخرى ابتدعوها ،ويكون فيها اشتباه وإجمال كما قال الإمام أحمد :فهم مختلفون في الكتاب مخالفون للكتاب مجمعون على مخالفة الكتاب يقولون على الله وفي الله وفي كتاب الله بغير علم يتكلمون بالمتشابه ويخدعون جهال الناس بما يشبهون عليهم . (4)

وإذا ربي النشء على هذه المصطلحات الجديدة التي حلت محل الألفاظ الشرعية سيوجد جيل لا يعرف التعامل مع لغة العلم والعلماء فلا يعرف لغة الفقهاء،ولا لغة الأئمة فضلا على أن يعرف لغة الشرع ،ويترتب على هذا عزوفه عن كتب الأوائل من أهل العلم بحجة عدم القدرة على فهم لغتها ،ويقبل على الكتب العصرية التي تفقد كثيرا من الدقة في التعبير والتقيد بالألفاظ الشرعية،ولا شك أن في هذا قطع الصلة العلمية بين الحاضر والماضي،وتقبل ما يمرره المبطلون من ترتيب بعض الأحكام على هذه المصطلحات بحجة أنها تختلف عن تلك الألفاظ الشرعية التي رتب عليها الشرع أحكاما.


واستبدال المصطلحات يكون على وجهين :

الوجه الأول : قلب لغة العلم من جهة المباني والألفاظ .
وهذا الصنيع اليوم منتشر كثيرا فكثير من المصطلحات الشرعية عبر عنها بألفاظ بديلة ،وقد ذكر الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد رحمه الله نماذج من هذا الصنيع اليوم مثل التعبير عن الدعوة إلى الله ،والجهاد والنفير وتنصيب الولاة بمصطلحات جديدة كالانقلاب الروحي ،والانقلاب السياسي ،وكالتعبير عن الدعوة والإنذار والبلاغ بلفظ الحركة أو الأصولية، والفرقة بالجماعة ،وكذلك تسمية الشرك توسلا ،وتسمية الكافر الآخر ،والإلحاد حرية ونحو ذلك.

الوجه الثاني : قلب لغة العلم من جهة المعاني .
ومثال ذلك التعبير عن الأهواء والبدع بالعبارات الإسلامية والمصطلحات الشرعية كالتعبير عن نفي الصفات بالتوحيد،ونفي القدر بالعدل،والخروج على الأئمة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والانفلات والتحلل من الأوامر والتعليمات الشرعية حرية وحقا ،والقائمة تطول وتكثر لا سيما في مراحل الفتن والضعف .
وفي المقابل يطلقون على المعاني والمصطلحات الشرعية المعاني المنفرة مثل تسميتهم إثبات الصفات تشبيها وتجسيما ،والجهاد المستوفي للشروط الشرعية عنفا وإرهابا ،والتسليم للنصوص والتقيد بها رجعية وتخلفا وجمودا ونحو ذلك .

وفي كلا الوجهين كما يقول الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد رحمه الله جناية على الشريعة فالأولى لباس ضال ،والثانية تضليل إذ أخذوا مخ الباطل وكسوه لحاء الشريعة (5).



وكتب : د. بدر بن مقبل الظفيري.
الأستاذ المساعد بقسم العقيدة بالجامعة الإسلامية .



الحواشي :
1- درء التعارض ابن تيمية (1/145)
2- زاد المعاد (2/319).
3- إعلام الموقعين( 4/185).
4- بيان تلبيس الجهمية (2/12).
5- حكم الانتماء إلى الفرق والأحزاب (ص/ 14-16).




موقع الجمعية العلمية السعودية لعلوم العقيدة والأديان والفرق والمذاهب