ريمة مطهر
12-24-2012, 07:17 PM
التمهيد: جهود النساء في خدمة السنة النبوية
يُعد علم الحديث من أهم أنواع العلوم وأشرفها، فهو المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي، يقول تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)([1] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn1))، ويقول تعالى: (آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا)([2] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn2)). ولقد كان الاهتمام بالحديث النبوي منذ فجر الإسلام، ومطلع الرسالة، فكان الصحابة y يتلقون الحديث عن رسول الله r تارة بطريق السماع منه والمشافهة له، وتارة بطريق المشاهدة والرؤية له عندما يشير ويفعل([3] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn3)).
ولم يكن كل الصحابة يحضرون مجلس رسول الله r يوميًا؛ وذلك لانشغالهم بأمور الحياة والكسب من زراعة، وتجارة، ورعي، فيتحمل من لم يحضر مجلسه الرواية ممن حضر. فيروي من لم يسمع من رسول الله الهدى r عمن سمع([4] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn4)).
يقول البراء بن عازب t : (( ما كل الحديث سمعناه من رسول الله r كان يحدثنا أصحابنا، وكنا مشتغلين في رعاية الإبل، وأصحاب رسول الله r كانوا يطلبون ما يفوتهم سماعه من رسول الله r فيسمعونه من أقرانهم، وممن هو أحفظ منهم، وكانوا يشددون على من يسمعون منه )) ([5] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn5)).
وكان الصحابة y يتذاكرون دائمًا ما يسمعون من رسول الله r ، قال أنس بن مالك t : (( كنا نكون عند النبي r فنسمع منه الحديث، فإذا قمنا تذاكرناه فيما بيننا حتى نحفظه ))([6] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn6)).
ولم يكن هذا الاهتمام من الرجال فقط، بل أيضًا من النساء وفي مقدمتهن أزواج النبي r ، فكانت السيدة عائشة رضي الله عنها من المكثرات في رواية أحاديث النبي r ، وقد بلغ عدد أحاديثها ألفين ومائتين وعشرة([7] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn7)). وكان لها قدرة على الفهم، والغوص في غوامض العلم مما جعلها تتميز على سائر أزواج النبي r ، بل وعلى سائر النساء([8] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn8))، يقول رسول الله r : (( فضل عائشة على النساء كفصل الثريد على سائر الطعام )) ([9] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn9)). فكان يسألها الأكابر من أصحاب رسول الله r ، يقول مسروق: « رأيت مشيخة محمد الأكابر يسألونها عن الفرائض »([10] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn10)).
وكانت رضي الله عنها ذات فصاحة، وبلاغة، يقول موسى بن طلحة: « ما رأيت أحدًا قط كان أفصح من عائشة »([11] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn11)). وكانت تفتي في خلافة الشيخين([12] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn12))، وتجيد القراءة هي وأم سلمة من أزواج النبي r ، وشاركتهما حفصة في القراءة، وفاقت عليهما بتعلم الكتابة ([13] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn13)).
ويلي السيدة عائشة رضي الله عنها باقي أمهات المؤمنين -رضي الله عنهنّ- فقد ذكرهنَّ الإمام مسلم([14] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn14)) بعد الصحابة مباشرة فقال: « أولهنّ أزواجه التسع، أمهات المؤمنين اللاتي بقين بعده ».
وقد بلغ عدد مرويات أم سلمة رضي الله عنها عن رسول الله r ثمانية وسبعين وثلاثمائة حديث، وعدد ما روته أم حبيبة([15] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn15))رضي الله عنها خمسة وستون، وحفصة رضي الله عنها ستون حديثًا([16] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn16)).
ولقد اهتمت أمهات المؤمنين -رضي الله عنهنّ- برواية الأحاديث، ونشر ما تعلمنه من السنة اهتمامًا بالغًا، وحرصن على التعلم منه r ، ومن ذلك أنهنَّ كنَّ يتابعن مجلس رسول الله r ، ويشاركنه في الحديث أحيانًا ومثال ذلك: ما روي عن ابن عمر قال: (( كان ناس من أصحاب النبي r فيهم سعد، فذهبوا يأكلون من لحم فنادتهم امرأة من بعض أزواج النبي r إنه لحم ضب، فأمسكوا ))، فقال رسول الله r : (( كلوا أو اطعموا فإنه حلال أو قال: لا بأس به، ولكنه ليس طعامي ))([17] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn17)).
وربما عرض r على بعضهنَّ شيئًا من أمر العامة، يقول المسور بن مخرمة، ومروان يصدق كل منهما حديث صاحبه قالا: (( خرج رسول الله r زمن الحديبية … فجاء سهيل بن عمرو فقال: هات اكتب بيننا وبينكم كتابًا فدعا النبي r الكاتب فقال: اكتب … فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله r لأصحابه قوموا فانحروا ثم احلقوا، قال: فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة: يا نبي الله أتحب ذلك؟ اخرج ثم لا تكلم أحدًا منهم كلمة حتى تنحر بدنك وتدعوا حالقك فيحلقك، فخرج فلم يكلم أحدًا منهم حتى فعل ذلك، نحر بُدْنة ودعا حالقه فحلقه. فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضًا ))([18] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn18)).
بالإضافة إلى ما سبق فقد كان نساء النبي r يُسألنَ عن كثير من أمور رسول الله r في الصلاة، والصيام، وغيرها من أمور العبادة ومثال ذلك: عندما سُئلت عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما عن الرجل يصبح جنبًا أيصوم؟ فقالتا:
(( إن رسول الله r كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله ثم يغتسل ويصوم ))([19] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn19)).
وكان أمهات المؤمنين المرجع العلمي لعامة النساء، خاصة فيما يتعلق بأمور الطهارة، ومن ذلك أنهنَّ كنَّ يبعثنَ إلى عائشة رضي الله عنها بالدُرْجَة([20] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn20)) فيها الكرْسُفُ([21] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn21)) فيه الصفرة فتقول: (( لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء ))([22] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn22)).
ومن هذا العرض يتبين لنا مدى حرص أمهات المؤمنين على تعلم وتعليم السنة النبوية، ولقد سار كثير من الصحابيات -رضي الله عنهنّ- سيرة أمهات المؤمنين -رضي الله عنهنّ- من الاهتمام بحديث رسول الله r سماعًا ورواية. فقد بلغ عدد الراويات منهنَّ في الصحيحين ثمان وعشرين صحابية([23] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn23)). وكنَّ يسألنَ رسول الله r عمَّا يجهلنه من أحكام ومن ذلك: ما روته عائشة رضي الله عنها أن هند بنت عتبة قالت: يا رسول الله: إنّ أبا سفيان رجل شحيح، وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم، فقال: (( خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف ))([24] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn24)).
بل وكنَّ يسألنَ عن أدق من هذا، ومن ذلك ما روته أم سلمة رضي الله عنها قالت: (( جاءت أم سُليم إلى رسول الله r فقالت: يا رسول الله إنَّ الله لا يستحي من الحق فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت، فقال رسول الله r : (( إذا رأت الماء )) ، فغطت أم سلمة تعني وجهها، وقالت: وتحتلم المرأة؟ فقال: (( نعم، تربت يمينك ففيمَ يشبهها ولدها ))([25] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn25)).
وبلغ من حرص الصحابيات في عهد رسول الله r على العلم والعبادة حضورهنَّ مسجد رسول الله r والصلاة خلف الرجال([26] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn26)). وكنَّ -رضي الله عنهنّ- يشهدنَ صلاة الجمعة، ويحضرن المناسبات الدينية كصلاة العيدين، حيث كان النبي r يتخطى صفوف الرجال إلى صفوف النساء ليسمعهن الموعظة([27] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn27)).
بل لقد طالبت النساء رسول الله r أن يجعل لهن يومًا يخصهنَّ فيه بالوعظ والتعليم فوعظهن وأمرهن([28] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn28)).
ومن خلال ما سبق تظهر مكانة أمهات المؤمنين وكثير من الصحابيات -رضي الله عنهنّ- في العلم والعبادة مما جعلهنَّ مرجعًا علميًا لكثير من كبار الصحابة y ، ومن أمثلة ذلك:
ما جاء عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب t أنه دخل على أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها فقال: (( إني سائلك عن أمر قد أهمني فافرجيه عني، كم تشتاق المرأة إلى زوجها؟ فخفضت رأسها، فاستحيت، فقال فإن الله لا يستحي من الحق، فأشارت ثلاثة أشهر، وإلا فأربعة، فكتب عمر t ألا تحبس الجيوش فوق أربعة أشهر ))([29] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn29)). وقضى عثمان t في المعتدة بحديث الفريعة([30] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn30)).
وكما جاء عن مسلم القُرِّي([31] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn31))، قال: (( سألت ابن عباس عن متعة الحج، فرخص فيها، وكان ابن الزبير ينهى عنها، فقال: هذه أم الزبير تحدث أن رسول الله r رخَّص فيها فادخلوا عليها فاسألوها، قال: فدخلنا عليها فإذا هي ضخمة عمياء، فقالت: قد رخص رسول الله r فيها ))([32] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn32)).
ولم يقتصر حمل حديث رسول الله r على الصحابة، والصحابيات، بل لقد ساهم التابعون والتابعيات في نقل أخبار رسول الله r بكل أمانة وصدق، فهذا سعيد بن المسيب من كبار التابعين، كان من أعلم أهل الأرض، يقول مكحول: « طفت الأرض كلها في طلب العلم، فما لقيت أعلم منه » ([33] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn33)). وقال عنه ابن حِبَّان([34] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn34)): « كان من سادات التابعين فقهًا، ودينًا، وورعًا، وعبادة وفضلًا، وكان أفقه أهل الحجاز، وأعبر الناس للرؤيا، ما نودي بالصلاة من أربعين سنة، إلا وسعيد في المسجد »([35] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn35)). ومنهم مسروق بن الأجدع، كان من كبار تلاميذ عائشة وعبدالله بن مسعود t يقول عنه الشعبي: « ما رأيت أطلب للعلم منه »([36] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn36)).
ولم تكن هذه الجهود مقصورة على الرجال من جيل التابعين، فقد كان للنساء من ذلك الجيل جهود مشكورة في تلقي الحديث عن جيل الصحابة، وأدائه بحرصٍ، وأمانة.
ومن ذلك ما جاء عن ابن جريج قال: (( أخبرتني ليلى بنت سعد: أنها رأت عائشة تصلي في درع، وخمار وإزار مؤتزرة به ))([37] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn37)). وعن ريطة الحنفية قالت: (( أمتنا عائشة في الصلاة فقامت في وسطنا ))([38] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn38)). وعن أميمة بنت النجار قالت: (( كنَّ أزواج النبي r يتخذنَ عصائب فيه الورس، والزعفران فيعصبن بها رؤوسهن أسافل أشعارهنَّ على جباههن قبل أن يحرمنَ، ثم يحرمنَ كذلك فيعرقن فيه ))([39] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn39)). وعن صفية بنت زياد قالت: (( رأتني ميمونة، وأنا أغسل ثوبي من الحيضة. قالت: ما كنا نفعل هذا إنما كُنَّا نحتُهُ حتًّا ))([40] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn40))، وقالت: (( وسمعت ميمونة تقول: لا بأس بعرق الحائض ))([41] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn41)). وعن تملك -إحدى التابعيات- أنها سألت أم سلمة فقالت: (( إذا وضعت السكين في الخبز فاذكري اسم الله وكلي ))([42] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn42)). وقالت ظُبيَّة بنت المعلِّل: (( دخلت على عائشة، فجاء سائل فأعطته حبة من عنب، ثم نظرت إلينا وقالت: إني أراكن تعجبن من هذا، إن في هذا مثاقيل ذرٍّ كثيرة ))([43] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn43)).
ولم يقتصر دور التابعيات فقط على الرواية، بل كن يراجعن العلماء من الصحابة، ويناقشن فيما يرتبن فيه، ومن ذلك مجادلة أم يعقوب([44] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn44)) لعبدالله بن مسعود t عندما قال: (( لعن الله الواشمات([45] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn45)) والمستوشمات، والمتنمصات([46] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn46)) والمتفلجات([47] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn47)) للحسن، المغيرات لخلق الله ))([48] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn48)).
بل لقد بلغ بعضهنَّ منزلة رفيعة في العلم، وكانت لها شهرة وتلاميذ، منهنَّ:
عَمَرة بنت عبدالرحمن وكانت من تلميذات السيدة عائشة رضي الله عنها وأكثرهنَّ ملازمة لها، يقول عمر بن عبدالعزيز: « ما بقي أحدٌ أعلم بحديث عائشة من عمرة » ، وكان شديد الاهتمام بروايتها فكتب إلى ابن حزم أن يكتب له أحاديث عمرة([49] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn49)). وقال ابن شهاب للقاسم بن محمد: « يا غلام أراك تحرص على طلب العلم، أفلا أدلك على وعائه؟ قال: بلى. قال: عليك بعمرة فإنها كانت في حِجْرِ عائشة. قال: فأتيتها فوجدتها بحرًا لا يَنْزَف »([50] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn50)).
وهذه أم الدرداء الصغرى زوج أبي الدرداء، ذكرها الذهبي في تذكرة الحفاظ([51] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn51))، ولم يذكر سوى ترجمتها، وترجمة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها مما يدلّ على عظم قدرها ومكانتها العلمية، فقد كانت شديدة الحرص على تلقي العلم وحضور مجالسه منذ صغرها([52] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn52)).
وهذه حفصة بنت سيرين يقول عنها إياس بن معاوية: « ما أدركت أحدًا أفضله عليها » . ويقول ميمون: « مكثت حفصة بنتُ سيرين ثلاثين سنة، لا تخرج من مصلّاها إلا لقائلة أو قضاء حاجة »([53] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn53)).
وهذه معاذة رحمها الله وحديثها محتج به في الصِّحاح، كانت تقول: « عجبت لعين تنام، وقد علمت طول الرقاد في ظلم القبور »([54] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn54)). وكانت تحدِّث النساء وتعلمهنَّ. يقول جعفر بن كيسان: « رأيت معاذة محتبية والنساء حولها »([55] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn55)).
([1]) سورة الأحزاب، آية رقم 21 .
([2]) سورة الحشر، آية رقم 7 .
([3]) الحديث والمحدثون، محمد محمد أبو زهرة، ص55.
([4]) السنة قبل التدوين، محمد عجاج الخطيب، ص58، 59.
([5]) معرفة علوم الحديث، الحاكم النيسابوري، ص14 .
([6]) الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، البغدادي، 1/236 .
([7]) تدريب الراوي، 2/217 .
([8]) المواهب اللدنية بالمنح المحمدية، القسطلاني، 1/368 .
([9]) خ، كتاب فضائل أصحاب النبي r ، باب فضل عائشة 3/1375، رقم (3559).
م، كتاب الفضائل، باب فضل خديجة 4/1886، رقم (70).
، كتاب الفضائل، باب فضل عائشة 4/1895، رقم (89).
([10]) تهذيب الكمال، 35/234، الطبقات الكبرى، 2/375 .
([11]) فضائل الصحابة، أحمد بن حنبل، 2/876 رقم (1646).
([12]) الطبقات الكبرى، 2/375 .
([13]) فتوح البلدان، ص661، 662 .
([14]) الطبقات، 1/211 .
([15]) عدد ما لكل واحد من الصحابة من حديث، بقي بن مخلد القرطبي، ص81 .
([16]) المصدر السابق، ص83 .
([17]) خ، كتاب التمني، باب خبر المرأة الواحدة 6/652 رقم (6839).
م، كتاب الصيد والذبائح، باب إباحة الضب 3/1542 رقم (1944).
([18]) خ، كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب 2/974 رقم (2581)، (2582).
([19]) خ، كتاب الصيام، باب الصائم يصبح جنبًا 2/679 رقم (1825).
([20]) القطنة أو الخرقة التي تحتشي بها الحائض. انظر: النهاية، 4/71 .
([21]) الكُرْسُف: القطن. انظر: النهاية، مادة (كرسف)، 4/163.
([22]) خ، كتاب الحيض، باب إقبال المحيث وإدباره 1/121. والقصة البيضاء: « شيء كالخيط الأبيض يخرج بعد انقطاع الدّم كله ». النهاية، مادة (قصص)، 4/71.
([23]) الرياض المستطابة في جملة من روى في الصحيحين من الصحابة، ص310-331.
([24]) خ، كتاب النفقة، باب إذا لم ينفق الرجل فللمرأة أن تأخذ بغير علمه 5/2052 رقم (5049).
([25]) خ، كتاب العلم، باب الحياء في العلم 1/60 رقم (130).
([26]) انظر: خ، كتاب الصلاة، باب وقت صلاة الفجر 1/210 رقم (553).
([27]) انظر: خ، كتاب العلم، باب عظة الإمام النساء وتعليمهنَّ 1/49 رقم (98).
([28]) انظر: خ، كتاب العلم، باب هل يُجعل للنساء يوم على حدة في العلم 1/50 رقم (101).
([29]) عب، كتاب الطلاق، باب حق المرأة على زوجها وفي كم تشتاق 7/152 رقم (12593).
([30]) انظر: ح(84) من هذا البحث.
([31]) مسلم بن مِخْراق العبدي القري: صدوق من الرابعة، أخرج له (م د س). التقريب، 530 ر(6643).
([32]) م، كتاب الحج، باب متعة الحج 2/909 رقم (194).
([33]) التهذيب، 4/75 .
([34]) الثقات، 4/273، 274 .
([35]) التهذيب، 4/77 .
([36]) التهذيب، 10/100، 101 .
([37]) الطبقات الكبرى 8/489 ترجمة ليلى بنت سعد.
([38]) المصدر السابق 8/483 ترجمة ريطة الحنفية.
([39]) المصدر السابق 8/482 ترجمة أميمة بنت النجار.
([40]) الحتّ: أي الحك. انظر: النهاية، مادة (حت)، 1/337 .
([41]) الطبقات الكبرى 8/493 ترجمة صفية بنت زياد.
([42]) المصدر السابق 8/493 ترجمة تملك.
([43]) الطبقات الكبرى 8/490 ترجمة ظُبيَّة.
([44]) انظر ح(323).
([45]) الواشمات: الوشْمُ: غرز الجلد بإبرة، ثم يحش كحلًا أو نيلًا، فيزرق أثره أو يخضر … والمستوشمة: التي يفعل فيها ذلك. انظر: النهاية، مادة (وشم)، 5/189 .
([46]) المتنمصات: النامصة: التي تَنْتِف الشعر من وجهها، والمتنمِّصة التي يفعل بها ذلك. انظر: النهاية، مادة (نمص) 5/119 .
([47]) المتفلجات: الفَلَج فرجة ما بين الثنايا والرباعية والمراد النساء اللاتي يفعلن ذلك للحسن. انظر: النهاية، مادة (فلج)، 3/468 .
([48]) الحديث تمت دراسته، انظر ح(323).
([49]) التهذيب، 12/466 .
([50]) السير، 4/508 .
([51]) 1/53 .
([52]) التهذيب، 12/493 .
([53]) السير، 4/507 .
([54]) المصدر السابق، 4/509 .
([55]) الطبقات الكبرى، 8/483 .
يُعد علم الحديث من أهم أنواع العلوم وأشرفها، فهو المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي، يقول تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا)([1] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn1))، ويقول تعالى: (آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا)([2] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn2)). ولقد كان الاهتمام بالحديث النبوي منذ فجر الإسلام، ومطلع الرسالة، فكان الصحابة y يتلقون الحديث عن رسول الله r تارة بطريق السماع منه والمشافهة له، وتارة بطريق المشاهدة والرؤية له عندما يشير ويفعل([3] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn3)).
ولم يكن كل الصحابة يحضرون مجلس رسول الله r يوميًا؛ وذلك لانشغالهم بأمور الحياة والكسب من زراعة، وتجارة، ورعي، فيتحمل من لم يحضر مجلسه الرواية ممن حضر. فيروي من لم يسمع من رسول الله الهدى r عمن سمع([4] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn4)).
يقول البراء بن عازب t : (( ما كل الحديث سمعناه من رسول الله r كان يحدثنا أصحابنا، وكنا مشتغلين في رعاية الإبل، وأصحاب رسول الله r كانوا يطلبون ما يفوتهم سماعه من رسول الله r فيسمعونه من أقرانهم، وممن هو أحفظ منهم، وكانوا يشددون على من يسمعون منه )) ([5] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn5)).
وكان الصحابة y يتذاكرون دائمًا ما يسمعون من رسول الله r ، قال أنس بن مالك t : (( كنا نكون عند النبي r فنسمع منه الحديث، فإذا قمنا تذاكرناه فيما بيننا حتى نحفظه ))([6] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn6)).
ولم يكن هذا الاهتمام من الرجال فقط، بل أيضًا من النساء وفي مقدمتهن أزواج النبي r ، فكانت السيدة عائشة رضي الله عنها من المكثرات في رواية أحاديث النبي r ، وقد بلغ عدد أحاديثها ألفين ومائتين وعشرة([7] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn7)). وكان لها قدرة على الفهم، والغوص في غوامض العلم مما جعلها تتميز على سائر أزواج النبي r ، بل وعلى سائر النساء([8] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn8))، يقول رسول الله r : (( فضل عائشة على النساء كفصل الثريد على سائر الطعام )) ([9] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn9)). فكان يسألها الأكابر من أصحاب رسول الله r ، يقول مسروق: « رأيت مشيخة محمد الأكابر يسألونها عن الفرائض »([10] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn10)).
وكانت رضي الله عنها ذات فصاحة، وبلاغة، يقول موسى بن طلحة: « ما رأيت أحدًا قط كان أفصح من عائشة »([11] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn11)). وكانت تفتي في خلافة الشيخين([12] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn12))، وتجيد القراءة هي وأم سلمة من أزواج النبي r ، وشاركتهما حفصة في القراءة، وفاقت عليهما بتعلم الكتابة ([13] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn13)).
ويلي السيدة عائشة رضي الله عنها باقي أمهات المؤمنين -رضي الله عنهنّ- فقد ذكرهنَّ الإمام مسلم([14] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn14)) بعد الصحابة مباشرة فقال: « أولهنّ أزواجه التسع، أمهات المؤمنين اللاتي بقين بعده ».
وقد بلغ عدد مرويات أم سلمة رضي الله عنها عن رسول الله r ثمانية وسبعين وثلاثمائة حديث، وعدد ما روته أم حبيبة([15] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn15))رضي الله عنها خمسة وستون، وحفصة رضي الله عنها ستون حديثًا([16] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn16)).
ولقد اهتمت أمهات المؤمنين -رضي الله عنهنّ- برواية الأحاديث، ونشر ما تعلمنه من السنة اهتمامًا بالغًا، وحرصن على التعلم منه r ، ومن ذلك أنهنَّ كنَّ يتابعن مجلس رسول الله r ، ويشاركنه في الحديث أحيانًا ومثال ذلك: ما روي عن ابن عمر قال: (( كان ناس من أصحاب النبي r فيهم سعد، فذهبوا يأكلون من لحم فنادتهم امرأة من بعض أزواج النبي r إنه لحم ضب، فأمسكوا ))، فقال رسول الله r : (( كلوا أو اطعموا فإنه حلال أو قال: لا بأس به، ولكنه ليس طعامي ))([17] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn17)).
وربما عرض r على بعضهنَّ شيئًا من أمر العامة، يقول المسور بن مخرمة، ومروان يصدق كل منهما حديث صاحبه قالا: (( خرج رسول الله r زمن الحديبية … فجاء سهيل بن عمرو فقال: هات اكتب بيننا وبينكم كتابًا فدعا النبي r الكاتب فقال: اكتب … فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله r لأصحابه قوموا فانحروا ثم احلقوا، قال: فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس، فقالت أم سلمة: يا نبي الله أتحب ذلك؟ اخرج ثم لا تكلم أحدًا منهم كلمة حتى تنحر بدنك وتدعوا حالقك فيحلقك، فخرج فلم يكلم أحدًا منهم حتى فعل ذلك، نحر بُدْنة ودعا حالقه فحلقه. فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضًا ))([18] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn18)).
بالإضافة إلى ما سبق فقد كان نساء النبي r يُسألنَ عن كثير من أمور رسول الله r في الصلاة، والصيام، وغيرها من أمور العبادة ومثال ذلك: عندما سُئلت عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما عن الرجل يصبح جنبًا أيصوم؟ فقالتا:
(( إن رسول الله r كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله ثم يغتسل ويصوم ))([19] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn19)).
وكان أمهات المؤمنين المرجع العلمي لعامة النساء، خاصة فيما يتعلق بأمور الطهارة، ومن ذلك أنهنَّ كنَّ يبعثنَ إلى عائشة رضي الله عنها بالدُرْجَة([20] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn20)) فيها الكرْسُفُ([21] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn21)) فيه الصفرة فتقول: (( لا تعجلن حتى ترين القصة البيضاء ))([22] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn22)).
ومن هذا العرض يتبين لنا مدى حرص أمهات المؤمنين على تعلم وتعليم السنة النبوية، ولقد سار كثير من الصحابيات -رضي الله عنهنّ- سيرة أمهات المؤمنين -رضي الله عنهنّ- من الاهتمام بحديث رسول الله r سماعًا ورواية. فقد بلغ عدد الراويات منهنَّ في الصحيحين ثمان وعشرين صحابية([23] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn23)). وكنَّ يسألنَ رسول الله r عمَّا يجهلنه من أحكام ومن ذلك: ما روته عائشة رضي الله عنها أن هند بنت عتبة قالت: يا رسول الله: إنّ أبا سفيان رجل شحيح، وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم، فقال: (( خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف ))([24] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn24)).
بل وكنَّ يسألنَ عن أدق من هذا، ومن ذلك ما روته أم سلمة رضي الله عنها قالت: (( جاءت أم سُليم إلى رسول الله r فقالت: يا رسول الله إنَّ الله لا يستحي من الحق فهل على المرأة من غسل إذا احتلمت، فقال رسول الله r : (( إذا رأت الماء )) ، فغطت أم سلمة تعني وجهها، وقالت: وتحتلم المرأة؟ فقال: (( نعم، تربت يمينك ففيمَ يشبهها ولدها ))([25] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn25)).
وبلغ من حرص الصحابيات في عهد رسول الله r على العلم والعبادة حضورهنَّ مسجد رسول الله r والصلاة خلف الرجال([26] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn26)). وكنَّ -رضي الله عنهنّ- يشهدنَ صلاة الجمعة، ويحضرن المناسبات الدينية كصلاة العيدين، حيث كان النبي r يتخطى صفوف الرجال إلى صفوف النساء ليسمعهن الموعظة([27] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn27)).
بل لقد طالبت النساء رسول الله r أن يجعل لهن يومًا يخصهنَّ فيه بالوعظ والتعليم فوعظهن وأمرهن([28] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn28)).
ومن خلال ما سبق تظهر مكانة أمهات المؤمنين وكثير من الصحابيات -رضي الله عنهنّ- في العلم والعبادة مما جعلهنَّ مرجعًا علميًا لكثير من كبار الصحابة y ، ومن أمثلة ذلك:
ما جاء عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب t أنه دخل على أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها فقال: (( إني سائلك عن أمر قد أهمني فافرجيه عني، كم تشتاق المرأة إلى زوجها؟ فخفضت رأسها، فاستحيت، فقال فإن الله لا يستحي من الحق، فأشارت ثلاثة أشهر، وإلا فأربعة، فكتب عمر t ألا تحبس الجيوش فوق أربعة أشهر ))([29] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn29)). وقضى عثمان t في المعتدة بحديث الفريعة([30] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn30)).
وكما جاء عن مسلم القُرِّي([31] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn31))، قال: (( سألت ابن عباس عن متعة الحج، فرخص فيها، وكان ابن الزبير ينهى عنها، فقال: هذه أم الزبير تحدث أن رسول الله r رخَّص فيها فادخلوا عليها فاسألوها، قال: فدخلنا عليها فإذا هي ضخمة عمياء، فقالت: قد رخص رسول الله r فيها ))([32] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn32)).
ولم يقتصر حمل حديث رسول الله r على الصحابة، والصحابيات، بل لقد ساهم التابعون والتابعيات في نقل أخبار رسول الله r بكل أمانة وصدق، فهذا سعيد بن المسيب من كبار التابعين، كان من أعلم أهل الأرض، يقول مكحول: « طفت الأرض كلها في طلب العلم، فما لقيت أعلم منه » ([33] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn33)). وقال عنه ابن حِبَّان([34] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn34)): « كان من سادات التابعين فقهًا، ودينًا، وورعًا، وعبادة وفضلًا، وكان أفقه أهل الحجاز، وأعبر الناس للرؤيا، ما نودي بالصلاة من أربعين سنة، إلا وسعيد في المسجد »([35] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn35)). ومنهم مسروق بن الأجدع، كان من كبار تلاميذ عائشة وعبدالله بن مسعود t يقول عنه الشعبي: « ما رأيت أطلب للعلم منه »([36] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn36)).
ولم تكن هذه الجهود مقصورة على الرجال من جيل التابعين، فقد كان للنساء من ذلك الجيل جهود مشكورة في تلقي الحديث عن جيل الصحابة، وأدائه بحرصٍ، وأمانة.
ومن ذلك ما جاء عن ابن جريج قال: (( أخبرتني ليلى بنت سعد: أنها رأت عائشة تصلي في درع، وخمار وإزار مؤتزرة به ))([37] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn37)). وعن ريطة الحنفية قالت: (( أمتنا عائشة في الصلاة فقامت في وسطنا ))([38] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn38)). وعن أميمة بنت النجار قالت: (( كنَّ أزواج النبي r يتخذنَ عصائب فيه الورس، والزعفران فيعصبن بها رؤوسهن أسافل أشعارهنَّ على جباههن قبل أن يحرمنَ، ثم يحرمنَ كذلك فيعرقن فيه ))([39] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn39)). وعن صفية بنت زياد قالت: (( رأتني ميمونة، وأنا أغسل ثوبي من الحيضة. قالت: ما كنا نفعل هذا إنما كُنَّا نحتُهُ حتًّا ))([40] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn40))، وقالت: (( وسمعت ميمونة تقول: لا بأس بعرق الحائض ))([41] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn41)). وعن تملك -إحدى التابعيات- أنها سألت أم سلمة فقالت: (( إذا وضعت السكين في الخبز فاذكري اسم الله وكلي ))([42] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn42)). وقالت ظُبيَّة بنت المعلِّل: (( دخلت على عائشة، فجاء سائل فأعطته حبة من عنب، ثم نظرت إلينا وقالت: إني أراكن تعجبن من هذا، إن في هذا مثاقيل ذرٍّ كثيرة ))([43] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn43)).
ولم يقتصر دور التابعيات فقط على الرواية، بل كن يراجعن العلماء من الصحابة، ويناقشن فيما يرتبن فيه، ومن ذلك مجادلة أم يعقوب([44] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn44)) لعبدالله بن مسعود t عندما قال: (( لعن الله الواشمات([45] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn45)) والمستوشمات، والمتنمصات([46] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn46)) والمتفلجات([47] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn47)) للحسن، المغيرات لخلق الله ))([48] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn48)).
بل لقد بلغ بعضهنَّ منزلة رفيعة في العلم، وكانت لها شهرة وتلاميذ، منهنَّ:
عَمَرة بنت عبدالرحمن وكانت من تلميذات السيدة عائشة رضي الله عنها وأكثرهنَّ ملازمة لها، يقول عمر بن عبدالعزيز: « ما بقي أحدٌ أعلم بحديث عائشة من عمرة » ، وكان شديد الاهتمام بروايتها فكتب إلى ابن حزم أن يكتب له أحاديث عمرة([49] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn49)). وقال ابن شهاب للقاسم بن محمد: « يا غلام أراك تحرص على طلب العلم، أفلا أدلك على وعائه؟ قال: بلى. قال: عليك بعمرة فإنها كانت في حِجْرِ عائشة. قال: فأتيتها فوجدتها بحرًا لا يَنْزَف »([50] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn50)).
وهذه أم الدرداء الصغرى زوج أبي الدرداء، ذكرها الذهبي في تذكرة الحفاظ([51] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn51))، ولم يذكر سوى ترجمتها، وترجمة أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها مما يدلّ على عظم قدرها ومكانتها العلمية، فقد كانت شديدة الحرص على تلقي العلم وحضور مجالسه منذ صغرها([52] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn52)).
وهذه حفصة بنت سيرين يقول عنها إياس بن معاوية: « ما أدركت أحدًا أفضله عليها » . ويقول ميمون: « مكثت حفصة بنتُ سيرين ثلاثين سنة، لا تخرج من مصلّاها إلا لقائلة أو قضاء حاجة »([53] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn53)).
وهذه معاذة رحمها الله وحديثها محتج به في الصِّحاح، كانت تقول: « عجبت لعين تنام، وقد علمت طول الرقاد في ظلم القبور »([54] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn54)). وكانت تحدِّث النساء وتعلمهنَّ. يقول جعفر بن كيسان: « رأيت معاذة محتبية والنساء حولها »([55] (http://www.toratheyat.com/vb/newthread.php?do=postthread&f=74#_ftn55)).
([1]) سورة الأحزاب، آية رقم 21 .
([2]) سورة الحشر، آية رقم 7 .
([3]) الحديث والمحدثون، محمد محمد أبو زهرة، ص55.
([4]) السنة قبل التدوين، محمد عجاج الخطيب، ص58، 59.
([5]) معرفة علوم الحديث، الحاكم النيسابوري، ص14 .
([6]) الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع، البغدادي، 1/236 .
([7]) تدريب الراوي، 2/217 .
([8]) المواهب اللدنية بالمنح المحمدية، القسطلاني، 1/368 .
([9]) خ، كتاب فضائل أصحاب النبي r ، باب فضل عائشة 3/1375، رقم (3559).
م، كتاب الفضائل، باب فضل خديجة 4/1886، رقم (70).
، كتاب الفضائل، باب فضل عائشة 4/1895، رقم (89).
([10]) تهذيب الكمال، 35/234، الطبقات الكبرى، 2/375 .
([11]) فضائل الصحابة، أحمد بن حنبل، 2/876 رقم (1646).
([12]) الطبقات الكبرى، 2/375 .
([13]) فتوح البلدان، ص661، 662 .
([14]) الطبقات، 1/211 .
([15]) عدد ما لكل واحد من الصحابة من حديث، بقي بن مخلد القرطبي، ص81 .
([16]) المصدر السابق، ص83 .
([17]) خ، كتاب التمني، باب خبر المرأة الواحدة 6/652 رقم (6839).
م، كتاب الصيد والذبائح، باب إباحة الضب 3/1542 رقم (1944).
([18]) خ، كتاب الشروط، باب الشروط في الجهاد والمصالحة مع أهل الحرب 2/974 رقم (2581)، (2582).
([19]) خ، كتاب الصيام، باب الصائم يصبح جنبًا 2/679 رقم (1825).
([20]) القطنة أو الخرقة التي تحتشي بها الحائض. انظر: النهاية، 4/71 .
([21]) الكُرْسُف: القطن. انظر: النهاية، مادة (كرسف)، 4/163.
([22]) خ، كتاب الحيض، باب إقبال المحيث وإدباره 1/121. والقصة البيضاء: « شيء كالخيط الأبيض يخرج بعد انقطاع الدّم كله ». النهاية، مادة (قصص)، 4/71.
([23]) الرياض المستطابة في جملة من روى في الصحيحين من الصحابة، ص310-331.
([24]) خ، كتاب النفقة، باب إذا لم ينفق الرجل فللمرأة أن تأخذ بغير علمه 5/2052 رقم (5049).
([25]) خ، كتاب العلم، باب الحياء في العلم 1/60 رقم (130).
([26]) انظر: خ، كتاب الصلاة، باب وقت صلاة الفجر 1/210 رقم (553).
([27]) انظر: خ، كتاب العلم، باب عظة الإمام النساء وتعليمهنَّ 1/49 رقم (98).
([28]) انظر: خ، كتاب العلم، باب هل يُجعل للنساء يوم على حدة في العلم 1/50 رقم (101).
([29]) عب، كتاب الطلاق، باب حق المرأة على زوجها وفي كم تشتاق 7/152 رقم (12593).
([30]) انظر: ح(84) من هذا البحث.
([31]) مسلم بن مِخْراق العبدي القري: صدوق من الرابعة، أخرج له (م د س). التقريب، 530 ر(6643).
([32]) م، كتاب الحج، باب متعة الحج 2/909 رقم (194).
([33]) التهذيب، 4/75 .
([34]) الثقات، 4/273، 274 .
([35]) التهذيب، 4/77 .
([36]) التهذيب، 10/100، 101 .
([37]) الطبقات الكبرى 8/489 ترجمة ليلى بنت سعد.
([38]) المصدر السابق 8/483 ترجمة ريطة الحنفية.
([39]) المصدر السابق 8/482 ترجمة أميمة بنت النجار.
([40]) الحتّ: أي الحك. انظر: النهاية، مادة (حت)، 1/337 .
([41]) الطبقات الكبرى 8/493 ترجمة صفية بنت زياد.
([42]) المصدر السابق 8/493 ترجمة تملك.
([43]) الطبقات الكبرى 8/490 ترجمة ظُبيَّة.
([44]) انظر ح(323).
([45]) الواشمات: الوشْمُ: غرز الجلد بإبرة، ثم يحش كحلًا أو نيلًا، فيزرق أثره أو يخضر … والمستوشمة: التي يفعل فيها ذلك. انظر: النهاية، مادة (وشم)، 5/189 .
([46]) المتنمصات: النامصة: التي تَنْتِف الشعر من وجهها، والمتنمِّصة التي يفعل بها ذلك. انظر: النهاية، مادة (نمص) 5/119 .
([47]) المتفلجات: الفَلَج فرجة ما بين الثنايا والرباعية والمراد النساء اللاتي يفعلن ذلك للحسن. انظر: النهاية، مادة (فلج)، 3/468 .
([48]) الحديث تمت دراسته، انظر ح(323).
([49]) التهذيب، 12/466 .
([50]) السير، 4/508 .
([51]) 1/53 .
([52]) التهذيب، 12/493 .
([53]) السير، 4/507 .
([54]) المصدر السابق، 4/509 .
([55]) الطبقات الكبرى، 8/483 .