شبكة تراثيات الثقافية

المساعد الشخصي الرقمي

Advertisements

مشاهدة النسخة كاملة : قواعد في أسماء الله وصفاته


جمانة كتبي
12-24-2012, 06:31 PM
قواعد في أسماء الله وصفاته
(من منهج أهل السنة والجماعة)


الحمد لله وكفى، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله الذي اصطفى، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومَن سار على النهج القويم واقتفى. وبعد!

فإن العلم بأسماء الله وصفاته أشرف ما اكتسبته القلوب، وأزكى ما أدركته العقول؛ فهو زبدة الرسالة الإلهية، وهو الطريق إلى معرفة الله وعبادته وحده لا شريك له.

قال الإمام ابن القيم –رحمه الله-: "فهذه المعارف التي تحصل للقلوب بسبب معرفة العبد لأسمائه وصفاته، وتعبده به لله لا يحصل العبد في الدنيا أجل ولا أفضل ولا أكمل منها، وهي أفضل العطايا من الله للعبد، وهي روح التوحيد ورَوْحه، ومَن فُتح له هذا الباب انفتح له التوحيد الخالص، والإيمان الكامل". [طريق الهجرتين، نقلًا من أسماء الله الحسنى معانيها وجلالها للشيخ ماهر مقدم]

ومن هذا المنطلق آثرتُ أن أطرح مواضيع أنتقيها من بطون الكتب التي تناولت هذا العلم العظيم الجليل، واخترتُ له أولًا –وليس آخِرًا بإذن الله- موضوع (القواعد).

جمانة كتبي
12-24-2012, 06:42 PM
قواعد في أسماء الله ــ عز وجل ــ ([1])




القاعدة الأولى: أسماء الله _تعالى_ كلها حسنى:
أي بالغة في الحسن غايته، قال الله _تعالى_: [وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى] (الأعراف:180).
وذلك لأنها متضمنة لصفات كمال لا نقص فيها بوجه من الوجوه، لا احتمالاً ولا تقديراً؛ ذلك أن الألفاظ إما أن تدل على معنى ناقص نقصاً مطلقاً؛ فهذه ينزه الله عنها، وإما أن تدل على غاية الكمال؛ فهذه هي الدالة على أسماء الله وصفاته، وإما أن تدل على كمال لكنه يحتمل النقص فهذا لا يُسمّى الله به، لكن يُخبر به عنه، مثل: المتكلم، الشائي.
كذلك ما يدل على نقص من وجه وكمال من وجه لا يُسمّى الله به، لكن يُخبر به عن الله مثل: الماكر.
ومثال الأسماء الحسنى (الحي) وهو اسم من أسماء الله متضمن للحياة الكاملة التي لم تُسبق بعدم، ولا يلحقها زوال، الحياة المستلزمة لكمال الصفات من العلم، والقدرة، والسمع، والبصر، وغيرها.
ومثال آخر (العليم) من أسماء الله متضمن للعلم الكامل، الذي لم يُسبق بجهل، ولا يلحقه نسيان.
قال الله _تعالى_: [قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى] (طه:52).
العلم الواسع بكل شيء جملة وتفصيلاً، سواء ما يتعلق بأفعاله أو أفعال العباد.
وقل مثل ذلك في السميع، والبصير، والرحمن، والعزيز، والحكيم وغيرها من الأسماء الحسنى.

القاعدة الثانية: أسماء الله _تعالى_ أعلام وأوصاف:
أعلام باعتبار دلالتها على الذات، وأوصاف باعتبار ما دلت عليه من المعاني.
وهي بالاعتبار الأول مترادفة؛ لدلالتها على مسمى واحد وهو الله _عز وجل_.
وبالاعتبار الثاني متباينة؛ لدلالة كل واحد منها على معناه الخاص؛ فمثلاً (الحي، القدير، السميع، البصير، الرحيم، العزيز، الحكيم) كلها أسماء لمسمى واحد وهو الله _سبحانه وتعالى_ لكن معنى (الحي) غير معنى (العليم) ومعنى (العليم) غير معنى (القدير) وهكذا...

القاعدة الثالثة: أسماء الله _تعالى_ إن دلت على وصفٍ متعدٍّ تضمنت ثلاثة أمور:
أحدها: ثبوت ذلك الاسم.
الثاني: ثبوت الصفة التي تضمنها ذلك الاسم لله _عز وجل_.
الثالث: ثبوت حكمها ومقتضاها _أي الأسماء_.
مثال ذلك (السميع) فهو يتضمن إثبات (السميع) اسماً لله _تعالى_ وإثبات (السمع) صفة له، وإثبات حكم ذلك ومقتضاه، وهو أنه يسمع السر والنجوى، والعلانية، كما قال _تعالى_: [وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ] (المجادلة: 1).
وقل مثل ذلك في العليم والرحيم، وغيرها من الأسماء المتعدية.
وإن دلت على وصفٍ لازمٍ غير متعدٍ تضمن أمرين:
أحدها: ثبوت ذلك الاسم.
الثاني: ثبوت الصفة التي تضمنها لله _عز وجل_.
مثل اسم (الحي) فهو يتضمن إثبات اسم (الحي) لله _عز وجل_ وإثبات (الحياة) صفة له، ومثل ذلك اسم (العظيم والجليل).

القاعدة الرابعة: دلالة أسماء الله _تعالى_ على ذاته وصفاته تكون بالمطابقة، وبالتضمن، وبالالتزام.
فمعنى دلالة المطابقة: تفسير الاسم بجميع مدلوله، أو دلالته على جميع معناه.
ومعنى دلالة التضمن: تفسير الاسم ببعض مدلوله، أو بجزء معناه.
ومعنى دلالة الالتزام: الاستدلال بالاسم على غيره من الأسماء التي يتوقف هذا الاسم عليها، أو على لازم خارج عنها.
مثال ذلك: (الخالق) يدل على ذات الله، وعلى صفة (الخلق) بالمطابقة، ويدل على الذات وحدها بالتضمن، ويدل على صفتي (العلم والقدرة) بالالتزام.
وذلك لأن الخالق لا يمكن أن يخلق إلا وهو قادر، وكذلك لا يمكن أن يخلق إلا وهو عالم([2]).

القاعدة الخامسة: أسماء الله توقيفية لا مجال للعقل فيها:
ومعنى ذلك أن نتوقف على ما جاء في الكتاب والسنّة، فلا نسمّي الله _تعالى_ إلا بما سمَّى به نفسه، أو سمّاه به رسوله"لأن العقل لا يمكنه إدراك ما يستحقه الله _تعالى_ من الأسماء.
وتسميتهُ _تعالى_ بما لم يسمِّ به نفسه، أو إنكار ما سمَّى به نفسه جنايةٌ في حقه _تعالى_ فوجب سلوك الأدب، والوقوف مع النص.

القاعدة السادسة: أسماء الله غير محصورة بعدد معين:
لقوله"في الحديث المشهور: أسألك بكل اسم هو لك سمّيت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك([3]).
وما استأثر الله تعالى به في علم الغيب لا يمكن أحداً حَصْرُه، ولا الإحاطة به.
قال ابن القيم في قوله": استأثرت به: أي انفردت بعلمه، وليس المراد انفراده بالتسمي به؛ لأن هذا الانفراد ثابت في الأسماء التي أنزل بها كتابه([4]).
وأما قوله: "في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم: إن لله تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة([5]) فلا يدل على حصر الأسماء بهذا العدد، ولو كان المراد الحصر لكانت العبارة إن أسماء الله تسعة وتسعون اسماً من أحصاها دخل الجنة.
قال ابن القيم: في بيان مراتب إحصاء أسماء الله التي من أحصاها دخل الجنة:
=المرتبة الأولى: إحصاء ألفاظها وعددها.
المرتبة الثانية: فهم معانيها ومدلولها.
المرتبة الثالثة: دعاؤه بها كما قال _تعالى_: [وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا](الأعراف: 180).
وهو مرتبتان، إحداها: دعاء ثناء وعبادة، والثاني: دعاء طلب ومسألة([6]).

القاعدة السابعة: أن من أسماء الله _تعالى_ ما يطلق عليه مفرداً ومقترناً بغيره، ومنها ما لا يطلق إلا مقترناً بمُقابله:
فغالب الأسماء يطلق مفرداً ومقترناً بغيره من الأسماء، كالقدير، والسميع، والبصير، والعزيز، والحليم.
فهذه الأسماء وما جرى مجراها يسوغ أن يدعى بها مفردة، ومقترنة بغيرها، فنقول: يا عزيز، يا حليم، يا غفور، يا رحيم.
أو أن يفرد كل اسم على حِدَةٍ فنقول: يا حليم، أو يا غفور، أو يا عزيز وهكذا...
ومن الأسماء ما لا يطلق عليه بمفرده، بل مقروناً بمقابله، كالمانع، والضار، والمنتقم، والمذل.
فلا يسوغ أن يفرد هذا عن مقابله؛ فإنه مقرون بالمعطي، والنافع والعَفُو والمعز؛ فهو المعطي المانع، الضار النافع، المنتقم العفو، المعز المذل؛ لأن الكمال في اقتران كل اسم من هذه بما يقابله؛ لأنه يراد به أنه المنفرد بالربوبية، وتدبير الخلق، والتصرف فيهم عطاءً ومنعاً، ونفعاً وضراً، وعفواً وانتقاماً، وعزَّاً وذلاً.
وأما أن يُثنى عليه بمجرد المنع، والانتقام، والإضرار فلا يسوغ.
فهذه الأسماء المزدوجة تُجرى الأسماء منها مجرى الاسم الواحد الذي يمتنع فصلُ بعضِ حروفِه عن بعض؛ فهي _وإن تعددت_ جاريةٌ مجرى الاسم الواحد، ولذلك لم تجىء مفردة، ولم تُطلق عليه إلا مقترنة؛ فلو قلت: يا مذل، يا ضار، يا مانع، وأخبرت بذلك _ لم تكن مثنياً عليه ولا حامداً له حتى تذكر مقابلها.


هوامش:
[1] (http://www.toratheyat.com/vb/newreply.php?do=postreply&t=19707#_ftnref1)_ انظر مجموع الفتاوى 6/71، وكتاب التوحيد لابن مندة 2/27، وبدائع الفوائد لابن القيم 1/159_170، وتوضيح الكافية الشافية لابن سعدي ص132، والحق الواضح المبين لابن سعدي ص108، والقواعد المثلى للشخ محمد بن عثيمين ص9_26، وشرح كتاب التوحيد من صحيح البخاري للشيخ عبدالله الغنيمان 1/75_77 وشرح كتاب التوحيد ص12_221 ودعوة التوحيد ص12_14، ومعارج القبول للحكمي 1/71.
[2]_ هذه الأنواع الثلاثة تسمى أنوع الدلالة اللفظية الوضعية.
وإليك بعض التفصيل في هذه الأنواع زيادة على ما مضى؛ لتتضح بصورة أجلى.
1_ الدلالة المطابقية: وهي دلالة اللفظ على تمام ما وضع له من حيث إنه وضع له، وذلك مثل دلالة لفظ (البيت) على الجدار والسقف معاً.
ودلالة لفظ (إنسان) على الحيوان الناطق، ودلالة اسم (العليم) على ذات الله وعلمه، أي دلالة الاسم على المسمى، والصفة المشتقة من الاسم نفسه.
وسميت مطابقية؛ لتطابق اللفظ والمعنى، وتوافقهما في الدلالة.
2_ الدلالة التضمنية: وهي دلالة اللفظ على جزء ما وضع له في ضمن كل المعنى.
مثل دلالة البيت على الجدار وحده، وعلى السقف وحده.
وسميت تضمنية؛ لأنها عبارة عن فهم جزء من الكل؛ فالجزء داخل ضمن الكل، أي في داخله.
ومن هذا النوع مثلاً دلالة اسم الله (السميع) على ذات الله وحدها، وعلى صفة السمع وحدها، بصرف النظر عن استعمال الجزء والكل، بل يقال على الصفة والموصوف.
3_ الدلالة الالتزامية: هي دلالة اللفظ على خارج عن معناه الذي وضع له.
مثل دلالة اسم الله (القدير) على صفة الحياة، وعلى العلم وغيرهما من صفات الله _تعالى_.
يقول المناطقة: إن بين الدلالة المطابقية والدلالة التضمنية العموم والخصوص المطلق؛ فإذا وجدت التضمنية وجدت المطابقية دون العكس، أي لا يلزم من وجود المطابقية وجود التضمنية.
انظر المرشد السليم إلى المنطق الحديث والقديم د. عوض الله جاد حجازي، والصفات الإلهية د.محمد أمان ص178_179.
[3]_ رواه أحمد 1/394، وصححه الألباني في الصحيحة (199).
[4]_ بدائع الفوائد 1/166.
[5]_ سبق تخريجه.
[6]_ بدائع الفوائد 1/164.



يتبع..

جمانة كتبي
12-24-2012, 06:47 PM
قواعد في صفات الله ــ تعالى ــ ([1] (http://www.toratheyat.com/vb/newreply.php?do=postreply&t=19707#_ftn1))


القاعدة الأولى: صفات الله كلها صفات كمال لا نقص فيها بوجه من الوجوه: كالحياة، والعلم، والقدرة، والسمع، والبصر، والرحمة، والعلو، والعظمة، وغير ذلك، وقد دل على هذا: السمعُ والعقلُ، والفطرة.
أما السمع فمنه قوله تعالى: [لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى](النحل: 60).
والمثل الأعلى: الوصف الأعلى الكامل.
وأما العقل فوجهه: أن كل موجود حقيقةً لابد أن تكون له صفة: إما صفة كمال، وإما صفة نقص، والثاني باطل بالنسبة إلى الرب الكامل المستحق للعبادة، فتعين الأول.
ثم إنه قد ثبت بالحس والمشاهدة أن للمخلوق صفاتِ كمالٍ، ومُعْطي الكمالِ أولى به.
وأما الفطرة: فلأن النفوس السليمة مجبولة على محبة الله، وتعظيمه، وعبادته.
وهل تحب، وتعظم، وتعبد إلا من علمت أنه متصف بصفات الكمال اللائقة بربوبيته وألوهيته؟
ثم إن من الصفات ما هو كمال على الإطلاق كالصفات السابقة، فهذه ثابتة لله _تعالى_.
ومنها ما هو نقص على الإطلاق فهذه منفية عن الله، كالجهل، والعمى، والصمم.
ومنها ما هو كمال من وجه ونقص من وجه، فهذه يوصف الله بها في حال كمالها، ويمتنع وصفه بها في حال نقصها، بحيث يوصف الله بها وصفاً مقيداً مثل المكر، والكيد والمخادعة.

القاعدة الثانية: باب الصفات أوسع من باب الأسماء: وذلك لأن كلَّ اسمٍ متضمن لصفة كما سبق في القاعدة الثالثة من قواعد الأسماء، ولأن من الصفات ما يتعلق بأفعال الله، وأفعاله _عز وجل_ لا منتهى لها.
قال تعالى: [وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ] (لقمان: 27).
ومن أمثلة ذلك أن من صفاتِ اللهِ المجيءَ والأخذَ، والإتيان، والإمساك، والبطش، فيوصف الله بهذه الصفات على الوجه الوارد، ولا يسمى بها، فلا يقال: إن من أسمائه الجائيَ، والآتي، والباطش، والآخذ، والممسك، والنازل، والمريد، ونحو ذلك، وإن كنا نُخبر بذلك عنه، ونصفه به.

القاعدة الثالثة: صفات الله تنقسم إلى قسمين: ثبوتية وسلبية: فالثبوتية: هي ما أثبته الله لنفسه في كتابه، أو على لسان رسوله"وكلها صفات كمال لا نقص فيها بوجه من الوجوه، كالحياة، والعلم، والقدرة، والاستواء، واليدين، والوجه، فيجب إثباتها لله على الوجه اللائق به، وقد تقدم ذلك في الحديث عن طريقة أهل السنة والجماعة في أسماء الله وصفاته.
وأما السلبية أو المنفية: فهي ما نفاه الله عن نفسه في كتابه، أو على لسان رسوله"مثل الصمم، والنوم، وغير ذلك من صفات النقص، فيجب نفيها عن الله _كما مر_.

القاعدة الرابعة: الصفات الثبوتية صفات مدح وكمال، فكلما كثرت وتنوعت دلالتها ظهر من كمال الموصوف بها ما هو أكثر: ولهذا كانت الصفات الثبوتية التي أخبر الله بها عن نفسه أكثر من الصفات السلبية؛ فالقاعدة في ذلك الإثباتُ المفصلُ، والنفيُ المجملُ؛ فالإثباتُ مقصودٌ لذاته، أما النفي فلم يذكر غالباً إلا على الأحوال التالية:
أ_ بيان عموم كماله كما في قوله _تعالى_: [لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ](الشورى:11) وقوله [وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ] (الإخلاص: 4).
ب_ نفي ما ادعاه في حقه الكاذبون كما في قوله: [أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً (91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً] (مريم: 91 _ 92).
ج_ دفع توهم نقص من كماله فيما يتعلق بهذا الأمر كما في قوله: [وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ] (الدخان: 38) وقوله: [وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَاتِوَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ] (ق:38).
ثم إن النفي مع أنه مجمل بالنسبة للإثبات إلا أن فيه تفصيلاً وإجمالاً بالنسبة لنفسه.
فالإجمال في النفي أن يُنْفى عن الله _عز وجل_ كلُّ ما يضاد كماله من أنواع العيوب والنقائص، كما في قوله _تعالى_: [لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ] (الشورى:11).
وقوله: [هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً] (مريم:65).
وقوله: [سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون] (الصافات:180).
وأما التفصيل في النفي فهو أن ينزهَ عن كل واحد من العيوب والنقائص بخصوصه، فَيُنَزهَ عن الولد، والصاحبة، والسِّنة، والنوم، وغير ذلك مما ينزه الله عنه.

القاعدة الخامسة: الصفات الثبوتية تنقسم إلى قسمين: ذاتية وفعلية:
أ_الذاتية: هي التي لم يزل الله ولا يزال متصفاً بها، وهي التي لا تنفك عنه _سبحانه_ كالعلم، والقدرة، والسمع، والبصر، والعزة، والحكمة، والوجه، واليدين.
ب_ الفعلية: وتسمى الصفات الاختيارية، وهي التي تتعلق بمشيئة الله، إن شاء فعلها، وإن لم يشأ لم يفعلها، وتتجدد حسب المشيئة كالاستواء على العرش، والنزول إلى السماء الدنيا.
وقد تكون الصفة ذاتية وفعلية باعتبارين، كالكلام؛ فإنه باعتبار أصله صفة ذاتية؛ لأن الله لم يزل ولا يزال متكلماً، وباعتبار آحاد الكلام صفة فعلية؛ لأن الكلام يتعلق بمشيئته، يتكلم متى شاء بما شاء.
وكل صفة تعلقت بمشيئته _تعالى_ فإنها تابعة لحكمته، وقد تكون الحكمة معلومة لنا، وقد نعجز عن إدراكها، لكننا نعلم علم اليقين أنه _سبحانه_ لا يشاء شيئاً إلا وهو موافق لحكمته، كما يشير إليه قوله _تعالى_: [وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً] (الإنسان:30).

القاعدة السادسة: الصفات الذاتية والفعلية تنقسم إلى قسمين:
عقلية، وخبرية:
أ_ عقلية: وهي التي يشترك في إثباتها الدليل الشرعي السمعي، والدليل العقلي، والفطرة السليمة.
وهي أغلب صفات الله _تعالى_ مثل صفة السمع، والبصر، والقوة، والقدرة، وغيرها.
ب_ خبرية: وتسمى النقلية، والسمعية، وهي التي لا تعرف إلا عن طريق النص؛ فطريق معرفتها النص فقط، مع أن العقل السليم لا ينافيها، مثل صفة اليدين، والنزول إلى السماء الدنيا.

القاعدة السابعة: صفات الله توقيفية:
فلا نَصِفُ الله إلا بما وصف به نفسه في كتابه، أو على لسان رسوله".
ولدلالة الكتاب والسنة على ثبوت الصفة ثلاثة أوجه:
أ_ التصريح بالصفة: كالعزة، والقوة، والرحمة، كما في قوله _تعالى_: [فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً] (النساء:139) وقوله: [إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ](الذاريات:58) وقوله: [وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ] (الأنعام:133).
ب_ تضمن الاسم لها: كالعزيز والغفور، قال _تعالى_: [الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ](الملك: 2) فالعزيز متضمن لصفة العزة، والغفور متضمن لصفة المغفرة.
ج_ التصريح بفعل أو وصف دال عليها، كالاستواء على العرش، والمجىء قال الله _تعالى_: [الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى] (طه:5).
وقال: [وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً] (الفجر:22).

القاعدة الثامنة: المضافات إلى الله إن كانت أعياناً فهي من جملة المخلوقات، وإن كانت أوصافاً فهي من صفات الله:
وبيان ذلك أن المضافات إلى الله على نوعين:
أ_أعيان قائمة بذاتها مثل: عبدالله، ناقة الله، فهذه من جملة المخلوقات، وإضافتها إلى الله من باب إضافة المخلوق لخالقه، وقد تقتضي تشريفاً مثل: بيت الله، وناقة الله، وقد لا تقتضي تشريفاً مثل: أرض الله، سماء الله.
ب_ أن يكون المضاف أوصافاً غير قائمة بذاتها مثل: سَمْع الله، قدرة الله، بصر الله، فهذه الإضافة تقتضي أن هذه الصفة قائمة بالله، وأن الله متصف بها، وهذا من باب إضافة الصفة إلى الموصوف.

القاعدة التاسعة: القول في بعض الصفات كالقول في بعض:
وهي قاعدة يُردُّ بها على من فرَّق بين الصفات؛ فأثبت بعضها، ونفى بعضها، فيقال لمن فعل ذلك: أثبتها جميعاً، أو انْفِها جميعاً.
ومن أثبت بعض الصفات، ونفى بعضها فهو مضطرب متناقض، وتناقض القول دليل على فساده وبطلانه.

القاعدة العاشرة: القول في الصفات كالقول في الذات:
وذلك أن الله _سبحانه_ ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته، ولا في أفعاله، فإذا كان له ذات حقيقية لا تماثل الذوات فالذات متصفة بصفات حقيقية لا تماثل الصفات.

القاعدة الحادية عشرة: ظواهر نصوص الصفات معلومة لنا باعتبار، ومجهولة لنا باعتبار:
فباعتبار المعنى معلومة، وباعتبار الكيفية مجهولة؛ كالاستواء مثلاً، فمعناه معلوم لنا فهو بمعنى العلو، والارتفاع، والصعود، والاستقرار.
أما كيفيته فمجهولة؛ لأن الله أخبرنا بأنه استوى، ولم يخبرنا عن كيفية استوائه، وهكذا يقال في باقي الصفات.

القاعدة الثانية عشرة: في العلاقة بين الصفات والذات:
وخلاصة القول في هذه المسألة أن العلاقة بين الصفات والذات علاقة تلازم؛ فالإيمان بالذات يستلزم الإيمان بالصفات، وكذلك العكس؛ فلا يُتَصَوَّر وجودُ ذاتٍ مجردة عن الصفات في الخارج، كما لا يتحقق وجود صفة من الصفات في الخارج إلا وهي قائمة بالذات([2] (http://www.toratheyat.com/vb/newreply.php?do=postreply&t=19707#_ftn2)).

القاعدة الثالثة عشرة: في علاقة الصفات بعضها ببعض من حيث الآثار والمعاني:
أما بالنسبة لبعضها فقد تكون مترادفة من حيث المعنى أو متقاربة.
مثل المحبة، والرحمة، والفرح، والتعجب، والضحك.
وهناك صفات متقابلة كالرفع والخفض، والظاهرية والباطنية، والنفع والضر، والقبض والبسط.
وهناك صفات متضادة من حيث معانيها، مثل الغضب والسخط مع الرضا، ومثل الكراهية مع الحب، وهكذا. . .
فاتصافه _عز وجل_ بهذه الصفات المزدوجة المأخوذة من أسمائه المتقابلة، وبالصفات المتضادة في معناها على ما تقدم، والمترادفة باعتبار الذات، والمتباينة باعتبار ما بينها في الغالب _ دليل على الكمال الذي لا يشاركه فيه أحد؛ لدلالته على شمول القدرة الباهرة، والحكمة البالغة، والتفرد بشؤون الكون كله([3] (http://www.toratheyat.com/vb/newreply.php?do=postreply&t=19707#_ftn3)).



هوامش:
[1] (http://www.toratheyat.com/vb/newreply.php?do=postreply&t=19707#_ftnref1)_ انظر بدائع الفوائد 1/159_170، القواعد المثلى ص27_38، والشيخ عبدالرحمن بن سعدي في توضيح العقيدة ص112_125، ودعوة التوحيد 14_19.
[2] (http://www.toratheyat.com/vb/newreply.php?do=postreply&t=19707#_ftnref2)_ انظر الصفات الإلهية د. محمد أمان ص341.
[3] (http://www.toratheyat.com/vb/newreply.php?do=postreply&t=19707#_ftnref3)_ انظر الصفات الإلهية ص347_349.


كتاب [رسائل في العقيدة | د. محمد الحمد ].




هذا والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.