ثروت كتبي
12-11-2012, 07:07 PM
أُم الأفراح : * (http://toratheyat.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=73#_ftn1)
تلقيب الخمرة بذلك .
قال ابن القيم – رحمه الله تعالى - :
( الفصل التاسع عشر : في الأسباب التي تسهِّل على النفوس الجاهلية قبُوْل التأويل مع مخالفته [ للبيان ] الذي علمه الله الإنسان وفطره على قبوله :
التأويل يجري مجرى مخالفة الطبيعة الإنسانية والفطرة التي فطر عليها العبد ، فإنه رد الفهم من جريانه مع الأمر المعتاد المألوف إلى الأمر الذي لم يعهد ولم يؤلف ، وما كان هذا سبيله فإن الطباع السليمة لا تتقاضاه بل تنفر منه وتأباه ، فلذلك وضع له أربابه أُصولاً ، ومهدوا له أسباباً تدعو إلى قبوله وهي أنواع :
فصل : السبب الأول : أن يأتي به صاحبه مموهاً مزخرف الألفاظ ملفق المعاني مكسواً حُلَّة الفصاحة والعبارة الرشيقة ، فتسرع العقول الضعيفة إلى قبوله واستحسانه وتبادر إلى اعتقاده وتقليده ، ويكون حاله في ذلك حال من يعرض سلعة مموهة مغشوشة على من لا بصيرة له بباطنها وحقيقتها ، فيحسنها في عينه ويحببها إلى نفسه ، وهذا الذي يعتمده كل من أراد ترويج باطل فإنه لا يتم له ذلك إلا بتمويهه وزخرفته وإلقائه إلى جاهل بحقيقته .
قال : ( الله ) تعالى : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ}[ الأنعام:112] .
فذكر سبحانه أنهم يستعينون على مخالفة أمر الأنبياء بما يزخرفه بعضهم لبعض من القول فيغتر به الأغمار وضعفاء العقول ، فذكر السبب الفاعل والقابل ثم ذكر [ سبحانه] انفعال هذه النفوس الجاهلة به بصغوها وميلها إليه ورضاها به ؛ لما كسي من الزخرف الذي يغر السامع ، فلما أصغت إليه ورضيته اقترفت ما تدعو إليه من الباطل قولاً وعملاً ، فتأمل هذه الآيات وما تحتها من هذا المعنى العظيم القدر الذي فيه بيان أُصول الباطل والتنبيه على مواقع الحذر منها وعدم الاغترار بها ، وإذا تأملت مقالات أهل الباطل رأيتهم قد كسوها من العبارات وتخيروا لها من الألفاظ الرائقة ما يسرع إلى قبوله كل من ليس له بصيرة نافذة – وأكثر الخلق كذلك – حتى إن الفجار ليسمون أعظم أنواع الفجور بأسماء لا ينبو عنها السمع ويميل إليها الطبع فيسمون أُم الخبائث : أُم الأفراح ، ويسمون اللقمة الملعونة : لقيمة الذكر والفكر التي تثير العزم الساكن إلى أشرف الأماكن ، ويسمون مجالس الفجور والفسوق : مجالس الطيبة ، حتى إن بعضهم لما عذل عن شيء من ذلك قال لعاذله : ترك المعاصي والتخوف منها إساءة ظن برحمة الله وجرأة على سعة عفوه ومغفرته . فانظر ماذا تفعل هذه الكلمة في قلب ممتلئ بالشهوات ضعيف العلم والبصيرة ؟
فصل : السبب الثاني : أن يخرج المعنى الذي يريد إبطاله بالتأويل في صورة مستهجنة تنفر عنها القلوب وتنبو عنها الأسماء ، فيتخير له من الألفاظ أكرهها وأبعدها وصولاً إلى القلوب وأشدها نفرة عنها فيتوهم السامع أن معناها هو الذي دلت عليه تلك الألفاظ فيسمى التدين : ثقالة ، وعدم الانبساط إلى السفهاء والفساق والبطَّالين : سوء خلق ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والغضب لله والحميّة لدينه : فتنة وشراً وفضولاً ، فكذلك أهل البدع والضلال من جميع الطوائف هذا معظم ما ينفرون به عن الحق ويدعون به إلى الباطل ، فيسمون إثبات صفات الكمال لله : تجسيماً وتشبيهاً وتمثيلاً ، ويسمون إثبات الوجه واليدين له : تركيباً ، ويسمون إثبات استوائه على عرشه وعلوه على خلقه فوق سمواته : تحيزاً وتجسيماً ، ويسمون العرش : حيزاً وجهة ، ويسمون الصفات : أعراضاً ، والأفعال : حوادث ، والوجه واليدين : أبعاضاً ، والحكم والغايات التي يفعل لأجلها : أغراضاً ، فلما وضعوا لهذه المعاني الصحيحة الثابتة تلك الألفاظ المستنكرة الشنيعة تم لهم من نفيها وتعطيلها ما أرادوا ، فقالوا للأغمار والأغفال : اعلموا أن ربكم منزه عن الأعراض ، والأغراض ، والأبعاض ، والجهات، والتركيب ، والتجسيم والتشبيه ، فلم يشك أحد لله في قلبه وقار وعظمة في تنزيه الربّ تعالى عن ذلك، وقد اصطلحوا على تسمية سمعه وبصره وعلمه وقدرته وإرادته وحياته: أعراضاً ، وعلى تسمية وجهه الكريم ويديه المبسوطتين: أبعاضاً ، وعلى تسمية استوائه على عرشه وعلوه على خلقه وأنه فوق عباده : تحيزاً ، وعلى تسمية نزوله إلى سماء الدنيا وتكلمه بقدرته ومشيئته إذا شاء، وغضبه بعد رضاه ورضاه بعد غضبه: حوادث، وعلى تسمية الغاية التي يفعل ويتكلم لأجلها : غرضاً ، واستقر ذلك في قلوب المتلقين عنهم ، فلما صرحوا لهم بنفي ذلك بقي السامع متحيراً أعظم حيْرة بين نفي هذه الحقائق التي أثبتها الله لنفسه ، وأثبتها له جميع رسله وسلف الأُمة بعدهم ، وبين إثباتها ، وقد قام معه شاهد نفيها بما تلقاه عنهم ؛ فمن الناس من فر إلى التخييل ، ومنهم من فر إلى التعطيل ، ومنهم من فر إلى التجهيل ، ومنهم من فر إلى التمثيل ، ومنهم من فر إلى الله ورسوله وكشف زيف هذه الألفاظ وبين زخرفها وزغلها وأنها ألفاظ مموهة بمنزلة طعام طيب الرائحة إنا حسن اللون والشكل ، ولكن الطعام مسموم ، فقالوا ما قاله إمام أهل السنة -باتفاق أهل السنة - أحمد بن حنبل : (( لا نزيل عن الله صفة من صفاته لأجل شناعة المشنعين )) .
ولما أراد المتأولون المعطلون تمام هذا الغرض اخترعوا لأهل السنة الألقاب القبيحة فسموهم : حشوية ، ونوابت ، ونواصب ، ومجبرة ، ومجسمة ، ومشبهة ، ونحو ذلك ، فتولد من تسميتهم لصفات الربّ تعالى وأفعاله ووجهه ويديه وحكمته بتلك الأسماء ، وتلقيب من أثبتها له بهذه الألقاب : لعنة أهل الإثبات والسنة وتبديعهم وتضليلهم وتكفيرهم وعقوبتهم ولقوا منهم ما لقي الأنبياء وأتباعهم من أعدائهم ، وهذا الأمر لا يزال في الأرض إلى أن يرثها الله ومن عليها ) انتهى .
المرجع
معجم المناهي اللفظية
بقلم : بكر بن عبد الله أبو زيد
* (http://toratheyat.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=73#_ftnref1) أُم الأفراح : الصواعق المرسلة 2/ 435 – 441 . وانظر في حرف الميم : المعاملة .
تلقيب الخمرة بذلك .
قال ابن القيم – رحمه الله تعالى - :
( الفصل التاسع عشر : في الأسباب التي تسهِّل على النفوس الجاهلية قبُوْل التأويل مع مخالفته [ للبيان ] الذي علمه الله الإنسان وفطره على قبوله :
التأويل يجري مجرى مخالفة الطبيعة الإنسانية والفطرة التي فطر عليها العبد ، فإنه رد الفهم من جريانه مع الأمر المعتاد المألوف إلى الأمر الذي لم يعهد ولم يؤلف ، وما كان هذا سبيله فإن الطباع السليمة لا تتقاضاه بل تنفر منه وتأباه ، فلذلك وضع له أربابه أُصولاً ، ومهدوا له أسباباً تدعو إلى قبوله وهي أنواع :
فصل : السبب الأول : أن يأتي به صاحبه مموهاً مزخرف الألفاظ ملفق المعاني مكسواً حُلَّة الفصاحة والعبارة الرشيقة ، فتسرع العقول الضعيفة إلى قبوله واستحسانه وتبادر إلى اعتقاده وتقليده ، ويكون حاله في ذلك حال من يعرض سلعة مموهة مغشوشة على من لا بصيرة له بباطنها وحقيقتها ، فيحسنها في عينه ويحببها إلى نفسه ، وهذا الذي يعتمده كل من أراد ترويج باطل فإنه لا يتم له ذلك إلا بتمويهه وزخرفته وإلقائه إلى جاهل بحقيقته .
قال : ( الله ) تعالى : { وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً شَيَاطِينَ الْأِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ}[ الأنعام:112] .
فذكر سبحانه أنهم يستعينون على مخالفة أمر الأنبياء بما يزخرفه بعضهم لبعض من القول فيغتر به الأغمار وضعفاء العقول ، فذكر السبب الفاعل والقابل ثم ذكر [ سبحانه] انفعال هذه النفوس الجاهلة به بصغوها وميلها إليه ورضاها به ؛ لما كسي من الزخرف الذي يغر السامع ، فلما أصغت إليه ورضيته اقترفت ما تدعو إليه من الباطل قولاً وعملاً ، فتأمل هذه الآيات وما تحتها من هذا المعنى العظيم القدر الذي فيه بيان أُصول الباطل والتنبيه على مواقع الحذر منها وعدم الاغترار بها ، وإذا تأملت مقالات أهل الباطل رأيتهم قد كسوها من العبارات وتخيروا لها من الألفاظ الرائقة ما يسرع إلى قبوله كل من ليس له بصيرة نافذة – وأكثر الخلق كذلك – حتى إن الفجار ليسمون أعظم أنواع الفجور بأسماء لا ينبو عنها السمع ويميل إليها الطبع فيسمون أُم الخبائث : أُم الأفراح ، ويسمون اللقمة الملعونة : لقيمة الذكر والفكر التي تثير العزم الساكن إلى أشرف الأماكن ، ويسمون مجالس الفجور والفسوق : مجالس الطيبة ، حتى إن بعضهم لما عذل عن شيء من ذلك قال لعاذله : ترك المعاصي والتخوف منها إساءة ظن برحمة الله وجرأة على سعة عفوه ومغفرته . فانظر ماذا تفعل هذه الكلمة في قلب ممتلئ بالشهوات ضعيف العلم والبصيرة ؟
فصل : السبب الثاني : أن يخرج المعنى الذي يريد إبطاله بالتأويل في صورة مستهجنة تنفر عنها القلوب وتنبو عنها الأسماء ، فيتخير له من الألفاظ أكرهها وأبعدها وصولاً إلى القلوب وأشدها نفرة عنها فيتوهم السامع أن معناها هو الذي دلت عليه تلك الألفاظ فيسمى التدين : ثقالة ، وعدم الانبساط إلى السفهاء والفساق والبطَّالين : سوء خلق ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والغضب لله والحميّة لدينه : فتنة وشراً وفضولاً ، فكذلك أهل البدع والضلال من جميع الطوائف هذا معظم ما ينفرون به عن الحق ويدعون به إلى الباطل ، فيسمون إثبات صفات الكمال لله : تجسيماً وتشبيهاً وتمثيلاً ، ويسمون إثبات الوجه واليدين له : تركيباً ، ويسمون إثبات استوائه على عرشه وعلوه على خلقه فوق سمواته : تحيزاً وتجسيماً ، ويسمون العرش : حيزاً وجهة ، ويسمون الصفات : أعراضاً ، والأفعال : حوادث ، والوجه واليدين : أبعاضاً ، والحكم والغايات التي يفعل لأجلها : أغراضاً ، فلما وضعوا لهذه المعاني الصحيحة الثابتة تلك الألفاظ المستنكرة الشنيعة تم لهم من نفيها وتعطيلها ما أرادوا ، فقالوا للأغمار والأغفال : اعلموا أن ربكم منزه عن الأعراض ، والأغراض ، والأبعاض ، والجهات، والتركيب ، والتجسيم والتشبيه ، فلم يشك أحد لله في قلبه وقار وعظمة في تنزيه الربّ تعالى عن ذلك، وقد اصطلحوا على تسمية سمعه وبصره وعلمه وقدرته وإرادته وحياته: أعراضاً ، وعلى تسمية وجهه الكريم ويديه المبسوطتين: أبعاضاً ، وعلى تسمية استوائه على عرشه وعلوه على خلقه وأنه فوق عباده : تحيزاً ، وعلى تسمية نزوله إلى سماء الدنيا وتكلمه بقدرته ومشيئته إذا شاء، وغضبه بعد رضاه ورضاه بعد غضبه: حوادث، وعلى تسمية الغاية التي يفعل ويتكلم لأجلها : غرضاً ، واستقر ذلك في قلوب المتلقين عنهم ، فلما صرحوا لهم بنفي ذلك بقي السامع متحيراً أعظم حيْرة بين نفي هذه الحقائق التي أثبتها الله لنفسه ، وأثبتها له جميع رسله وسلف الأُمة بعدهم ، وبين إثباتها ، وقد قام معه شاهد نفيها بما تلقاه عنهم ؛ فمن الناس من فر إلى التخييل ، ومنهم من فر إلى التعطيل ، ومنهم من فر إلى التجهيل ، ومنهم من فر إلى التمثيل ، ومنهم من فر إلى الله ورسوله وكشف زيف هذه الألفاظ وبين زخرفها وزغلها وأنها ألفاظ مموهة بمنزلة طعام طيب الرائحة إنا حسن اللون والشكل ، ولكن الطعام مسموم ، فقالوا ما قاله إمام أهل السنة -باتفاق أهل السنة - أحمد بن حنبل : (( لا نزيل عن الله صفة من صفاته لأجل شناعة المشنعين )) .
ولما أراد المتأولون المعطلون تمام هذا الغرض اخترعوا لأهل السنة الألقاب القبيحة فسموهم : حشوية ، ونوابت ، ونواصب ، ومجبرة ، ومجسمة ، ومشبهة ، ونحو ذلك ، فتولد من تسميتهم لصفات الربّ تعالى وأفعاله ووجهه ويديه وحكمته بتلك الأسماء ، وتلقيب من أثبتها له بهذه الألقاب : لعنة أهل الإثبات والسنة وتبديعهم وتضليلهم وتكفيرهم وعقوبتهم ولقوا منهم ما لقي الأنبياء وأتباعهم من أعدائهم ، وهذا الأمر لا يزال في الأرض إلى أن يرثها الله ومن عليها ) انتهى .
المرجع
معجم المناهي اللفظية
بقلم : بكر بن عبد الله أبو زيد
* (http://toratheyat.com/vb/newthread.php?do=newthread&f=73#_ftnref1) أُم الأفراح : الصواعق المرسلة 2/ 435 – 441 . وانظر في حرف الميم : المعاملة .