شبكة تراثيات الثقافية

المساعد الشخصي الرقمي

Advertisements

مشاهدة النسخة كاملة : عقيدة التوحيد في دعوة محمد عليه السلام


جمانة كتبي
06-27-2012, 01:14 AM
عـقـيدة التوحـيد في دعـوة نبـينا

محمـد - صلى الله عليه وسلم


http://i3.makcdn.com/userFiles/a/b/abu_mo3ad/images/800tawhid440.jpg" alt=""/>



إذا تأملنا القرآن الكريم ، وسيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - في الدعوة ، نصل إلى حقيقة واضحة كل الوضوح ، وهي :

* أن غالب آيات القرآن الكريم جاءت في تقرير عقيدة التوحيد ، توحيد الألوهية والربوبية والأسماء والصفات ، والدعوة إلى إخلاص العبادة والدين لله وحده لا شريك له ، وتثبيت أصول الاعتقاد ( الإيمان والإسلام ) .

أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قضى غالب وقته - بعد النبوة - في تقرير الاعتقاد والدعوة إلى توحيد الله - تعالى - بالعبادة والطاعة ، وهذا هو مقتضى ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) .
فالدعوة إلى العقيدة تأصيلاً وتصحيحاً شملت الجزء الأكبر من جهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - ووقته في عهد النبوة .
وإليك بيان ذلك :

1- أن الرسول- صلى الله عليه وسلم- قضى ثلاثاً وعشرين سنة في الدعوة إلى الله .
هي عهد النبوة ، منها ثلاث عشرة سنة في مكة، جُلـها كانت في الدعوة إلى تحقيق ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) أي الدعوة إلى توحيد الله - تعالى- بالعبادة والألوهية وحده لا شريك له ، ونبذ الشرك وعبادة الأوثان وسائر الوسطاء ، ونبذ البدع والمعتقدات الفاسدة .
ومنها عشر سنين في المدينة ، وكانت موزعة بين تشريع الأحكام ، وتثبيت العقيدة ، والحفاظ عليها ، وحمايتها من الشبهات ، والجهاد في سبيلها ، أي أن أغلبها في تقرير التوحيد وأصول الدين ، ومن ذلك مجادلة أهل الكتاب ، وبيان بطلان معتقداتهم المحرفة ، والتصدي لشبهاتهم وشبهات المنافقين ، وصد كيدهم للإسلام والمسلمين ، وكل هذا في حماية العقيدة قبل كل شيئ .
فأي دعوة لا تولي أمر العقيدة من الاهتمام كما أولاها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علماً وعملاً ; فهي ناقصة .

2- أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - إنما قاتل الناس على العقيدة (عقيدة التوحيد) حتى يكون الدين لله وحده ، تلك العقيدة المتمثلة في شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، على الرغم أن سائر المفاسد والشرور كانت سائدة في ذلك الوقت ، ومع ذلك فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- جعل الغاية من قتال الناس تحقيق التوحيد، وأركان الإسلام ، فقد قال - صلى الله عليه وسلم - :
" أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، و يقيموا الصلاة ويُؤتوا الزكاة ، فإن فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم إلا بحق الإسلام ، و حسابهم على الله " [1] .
وهذا لا يعني أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يبال بالأمور الأخرى من الدعوة إلى الفضائل والأخلاق الحميدة من( البـر والصلة والصـدق والوفـاء والأمانة ) ، وترك ضدها من ( الآثام والكبائر كالربا والظلم وقطيعة الرحم ) .
وحاشاه ذلك ، لكنه جعلها في مرتبة بعد أصول الاعتقاد ، لأنه يعلم وهو القدوة - صلى الله عليه وسلم - أن الناس إذا استقاموا على دين الله وأخلصوا له الطاعة والعبادة حسنت نياتهم وأعمالهم ، وفعلوا الخيرات واجتنبوا المنهيات في الجملة ، وأمروا بالمعروف حتى يسود بينهم ويظهر ، ونهوا عن المنكر حتى لا يظهر ولا يسود .
إذن فمدار الخير على صلاح العقيدة ، فإذا صلحت استقام الناس على الحق والخير ، وإذا فسدت فسدت أحوال الناس ، واستحكمت فيهم الأهواء ةالآثام ، وسهلت عليهم المنكرات .
وإلى هذا يشير الحديث الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم : " ألا وإن الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله ، وإذا فسدت فسد الجسد كله ، ألا وهي القلب " [2] .
فالرسول - صلى الله عليه وسلم - بالإضافة إلى كونه دعا إلى إخلاص الدين لله ، وقاتل الناس حتى يشهدوا بكلمة الإخلاص ، فإنه - صلى الله عليه وسلم - كان يدعوا إلى جميع الأخلاق الفاضلة ، جملة وتفصيلاً ، وينهى عن ضدها ، جملة وتفصيلاً .
وكما اهتم - صلى الله عليه وسلم - بإصلاح الدين، كان يعمل على إصلاح دنيا الناس ، إنما كان ذلك كله في مرتبة دون الاهتمام بأمر التوحيد وإخلاص الدين لله وحده ، وهذا ما يجهله أو يتجاهله المنازع في هذه المسألة .

3 – إذا تأملنا القرآن الكريم ، المنزل على رسول لله - صلى الله عليه وسلم - رحمة للعالمين ومنهاجاً للمسلمين إلى يوم الدين ، وجدنا أن أغلبه في تقرير العقيدة وتقرير أصولها ، وتحرير العبادة والطاعة لله وحده لا شريك له ، واتباع رسوله - صلى الله عليه وسلم - .
فإن أول شيء نزل به القرآن ، وأمر الله تعالى رسوله - صلى الله عليه وسلم - أن يفعله هو أن يكبّـر الله تعالى ويعظمه وحده ، وأن ينذر الناس من الشرك ، وأن يتطهر من الآثام والذنوب وغيرها ، ويهجر ما هم عليه من عبادة الأصنام ، ويصبرعلى ذلك كله، قال الله تعالى :
{ يَا أَيّهَا الْمُدَّثِّر* قُمْ فَأَنْذِر * وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ * وَثِيَابَكَ فَطَهِّر * وَالرُّجْزَ فَاهْجُر * وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ * وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ } [ سورة المدثر ، الآية : 1 - 7 ] .
ثم استمر القرآن الكريم يتنزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سائر العهد المكي ، لتثبيت العقيدة وتقريرها ، والدعوة إلى إخلاص العبادة والدين لله وحده ، و اتباع رسوله - صلى الله عليه وسلم .
لذلك نجد أن أغلب آيات القرآن الكريم في العقيدة : إما بصريح العبارة، وإما بالإشارة ، حيث إن معظم القرآن جاء في تقرير توحيد الألوهية وإخلاص العبادة لله وحده ، وتوحيد الربوبية والأسماء والصفات ، وأصول الإيمان والإسلام ، وأمور الغيب والقدر خيره وشره ، واليوم الآخر ، والجنة وأهلها ونعيمها ، والنار وأهلها وعذابها ( الوعد والوعيد ) ، وأصول العقيدة تدور على هذه الأمور .
وقد ذكر العلماء أن القرآن : ثلث أحكام ، وثلث أخبار ، وثلث توحيد [3] . وهذا ما فسروا به قول النبي- صلى الله عليه وسلم- : " قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن " [4].
فإن { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } اشتملت على أعظم التوحيد والتنزيه لله – تعالى - .
وآيات الأحكام لاتخلو من ذكر للعقيدة وأصول الدين ، وذلك من خلال ذكر أسماء الله وصفاته ، وطاعته وطاعة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وذكر حكم التشريع ... ونحو ذلك .
وكذلك آيات الأخبار والقصص أغلبها في الإيمان والاعتقاد ، وذلك من خلال أخبار المغيبات والوعيد واليوم الآخر ، ونحو ذلك .
وبهذا يتحقق القول : بأن القرآن الكريم هو الهادي إلى التي هي أقوم إلى يوم القيامة ، وغالب آياته في تقرير العقيدة والدعوة إليها والدفاع عنها والجهاد في سبيلها .

وبهذا نصل إلى نتيجة بينة ، هي : أنه على الدعاة الذين جعلوا القرآن الكريم وسنة الرسول - صلى الله عليه وسلم - هديهم أن يدركوا هذه الحقيقة من القرآن والسنة ، و يعملوا بها ، كما فعل الرسول- صلى الله عليه وسلم - وأصحابه . والله الهادي إلى سواء السبيل .


[1] - صحيح البخاري ، كتاب الإيمان ، باب فإن تابوا وأقاموا الصلاة ، فتح الباري . الحديث 24 جـ 1 / 74 . وصحيح مسلم ، كتاب الإيمان ، باب الأمر بقتال الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله . الحديث 22 جـ 2 / 53 . إلا أن مسلماً لم يذكر ( إلا بحق الإسلام ) .

[2] - جاء ذلك في حديث أخرجاه في الصحيحين .انظر : البخاري ، كتاب الإيمان ، باب فضل من استبرأ لدينه ، الحديث 52 ، فتح الباري 1 / 126 . وصحيح مسلم ، كتاب المساقاة ، باب أخذ الحلال وترك الشبهات ، الحديث 1599 جـ 3 ، 122 .

[3] - فممن قال بذلك ابن سريح وابن تيمية وابن حجر - رحمهم الله - . انظر : جواب أهل العلم والإيمان بتحقيق ما أخبر به الرحمن من أن قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن ، لابن تيمية ، مجموع الفتاوى 17 / 13 ، 101 ، 103 . وانظر : فتح الباري ، لابن حجر ، 9 / 61 .

[4] - أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما ، واللفظ لمسلم . انظر : صحيح مسلم ، كتاب صلاة المسافر ، باب فضل قرآءة قل هو الله أحد الحديث / 800 . والبخاري ، كتاب فضائل القرىن ، باب فضل قل هو الله احد ، 9 / 61 الفتح .






المصدر : كتاب [ مباحث في عقيدة أهل السنة والجماعة | د. ناصر العقل ] .