شبكة تراثيات الثقافية

المساعد الشخصي الرقمي

Advertisements

مشاهدة النسخة كاملة : تدوين السنة النبوية في القرن الثاني


جمانة كتبي
06-12-2012, 12:20 AM
تدوين السنة النبوية في القرن الثاني




يشمل هذا القرن عصر جيلين:



الأول: صغار التابعين؛ إذ تأخرت وفاة بعضهم إلى ما بعد سنة (140هـ). وقد سبق الكلام عن أثرهم وجهودهم في التدوين ضمن الكلام عن جهود جيل التابعين كله بمختلف طبقاته.



أما الجيل الثاني: فهم أتباع التابعين الحلقة الثالثة - بعد جيل الصحابة والتابعين - في سلسلة رواة السُّنَّة ونقلة الدِّين إلى الأمَّة، ولقد كان لهذا الجيل أثره الرائد في التصدي لأصحاب البدع والأهواء، ومقاومة الكذب الذى فشى في هذا العصر على أيدي الزنادقة الذين بلغوا ذروة نشاطهم ضد السُّنَّة ورواتها في منتصف هذا القرن، حتى اضطر الخليفة المهدي رحمه الله إلى تكليف أحد رجاله بتتُّبع أخبارهم والتضييق عليهم في أوكارهم، فأصبح ذلك الرجل يعرف بصاحب الزنادقة.


وقد نشط الأئمة والعلماء من هذا الجيل في خدمة السُّنَّةوعلومها وحمايتها من كل ما يشوبها. وعلى أيديهم بدأ التدوين الشامل المبوَّب المرتَّب، بعد أن كان من قبلهم يجمع الأحاديث المختلفة في الصحف والكراريس بشكل محدود وكيفما اتفق بدون تبويب ولا ترتيب.


[قال الحافظ الذهبي في التذكرة بعد ذكوره ظهور البدع والأهواء وانتشارها في هذا العصر: "وقام على هؤلاء علماء التابعين وأئمة السلف وحذروا من بدعهم، وشرع الكبار في تدوين السنن وتأليف الفروع وتصنيف العربية، ثم كثر ذلك في أيام الرشيد، وكثرت التصانيف، وألفوا في اللغات، وأخذ حفظ العلماء ينقص، ودوِّنت الكتب واتكلوا عليها، وإنما كان قبل ذلك علم الصحابة والتابعين في الصدور فهي كانت خزائن العلم لهم رضي الله عنهم".]



كما نشأ وتفتَّق على أيديهم علم الرجال، بعد أن كان السؤال عن الإسناد قد بدأ في أواخر عصر الصحابة وكبار التابعين.


وكما كان لهذا الجيل الريادة في ابتداء التدوين المرتَّب على الأبواب والفصول، كذلك كانت له الريادة في ابتداء التصنيف في علم الرجال، حيث أَلَّف في تاريخ الرجال كل من: الليث بن سعد (ت 175هـ) ، وابن المبارك (ت 181هـ) ، وضمرة بن ربيعة (ت 202هـ) ، والفضل بن دكين (ت 218هـ) وغيرهم.


ويعتبر هذا الجيل جيل التأسيس لعلوم السُّنَّة المطهَّرة ولا غروَ، ففيه عاش جهابذة رجال السُّنَّة؛ أمثال الأئمة: مالك، والشافعى والثوري، والأوزاعي، وشعبة، وابن المبارك، وابراهيم الفزاري، وابن عيينة، والقطان، وابن مهدي، ووكيع وغيرهم كثير. [للمزيد من المعلومات يراجع: الجرح والتعديل للذهبي]




وسأوجز الكلام عن التدوين في هذا القرن في ثلاث فقرات؛ هي:


أولا: تطور التدوين في هذا القرن عما سبق


ثانيا: ممن اشتهر بوضع المصنفات في الحديث في هذا القرن


ثالثا: دراسة موجزة عن نموذج مما دون في هذا القرن.




يتبع ..

جمانة كتبي
06-12-2012, 12:36 AM
أولاً: تطور التدوين في هذا القرن عما سبق:



أ- ظهور التفريق بين التدوين الذي هو مجرد الجمع وبين التصنيف الذي هو الترتيب والتبويب والتمييز في المصنفات في هذا القرن.



ب- أن هذه المصنفات المدونة في هذا العصر قد جمعت إلى جانب أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم أقوال الصحابة وفتاوى التابعين، بعد أن كانت تتناقل مشافهة وكانت الصحف فيما مضى تقتصر على الأحاديث النبوية فقط.


قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: "وانقسم الذين صنفوا الكتب أقسامًا؛ منهم مَ، صنف كلام النبي صلى الله عليه وسلم أو كلامه وكلام أصحابه على الأبواب، كما فعل: مالك، وابن المبارك، وحماد بن سلمة، وابن أبي ليلى، ووكيع، وعبد الرزاق، ومن سلك سبيلهم في ذلك". [شرح العلل]



ج- طريقة التدوين في مصنفات هذا القرن هي: جمع الأحاديث المتناسبة في باب واحد، ثم يجمع جملة من الأبواب أو الكتب في مصنف واحد، بينما كان التدوين في القرن الماضي مجرد جمع الأحاديث في الصحف بدون ترتيب أو تمييز.


قال الخطيب: "ولم يكن العلم مدونًا أصنافًا، ولا مؤلفًا كتبًا وأبوابًا في زمن المتقدمين من الصحابة والتابعين، وإنما فعل ذلك مَن بعدهم، ثم حذا المتأخرون حذوهم". [الجامع]


وقد تقدم قول الحافظ ابن رجب الحنبلي (ت 795هـ): "والذي كان يُكتب في زمن الصحابة والتابعين لم يكن تصنيفًا مرتبًا مبوبًا، إنما كان يكتب اللحفظ والمراجعة فقط، ثم إنه في عصر تابعي التابعين صُنِّفت التصانيف..". [شرح العلل]



د- إن مادة المصنَّفات في هذا القرن قد جمعت من الصحف والكراريس التي دونت في عصر الصحابة والتابعين، ومما نقل مشافهة من أقوال الصحابة وفتاوى التابعين. [بحوث في تاريخ السنة المشرفة]



وقد حملت مصنفات علماء القرن الثاني عناوين: موطأ - مصنف - جامع - سنن، وبعضها كان بعناوين خاصة مثل: الجهاد - الزهد - المغازي والسير...إلخ.


قال الخطيب البغدادي – عند ذكره ما يجب أ، يبتدئ به طالب العلم من الأمهات من كتب أهل الأثر والأصول -: "ثم الكتب المصنفة في الأحكام، الجامعة للمسانيد وغير المسانيد – يعني الأحاديث والآثار – مثل كتب: ابن جريج، وابن أبي عروبة، وابن المبارك، وابن عيينة، وهشيم بن بشير، وعبد الله بن وهب، ووكيع، وعبد الرزاق بن همام، وسعيد بن منصور، وغيرهم" ثم قال: "وأما موطأ مالك بن أنس، فهو المقدَّم في هذا النوع، ويجب أن يبتدأ بذكره على كل كتاب". [الجامع لأخلاق الراوي]



يتبع ..

جمانة كتبي
06-15-2012, 07:52 PM
ثانياً: ممن اشتهر بوضع المصنفات في الحديث في هذا القرن:



1- أبو محمد عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج (ت 150 هـ) بمكة.



2- محمد بن إسحاق بن يسار المطلبي (ت 151 هـ) بالمدينة.



3- معمر بن راشد البصري ثم الصنعاني (ت 153 هـ) باليمن.



4- سعيد بن أبى عروبة (ت 156 هـ) بالبصرة.



5- أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي (ت 156 هـ) بالشام.



6- محمد بن عبد الرحمن بن أبي ذئب (ت 158 هـ) بالمدينة.



7- الربيع بن صُبيح البصري (ت 160 هـ) بالبصرة.



8- شعبة بن الحجاج (ت 160 هـ) بالبصرة.



9- أبو عبد الله سفيان بن سعيد الثوري (ت 161 هـ) بالكوفة.



10- الليث بن سعد الفهمي (ت 175 هـ) بمصر.



11- أبو سلمة حماد بن سلمة بن دينار (ت 176 هـ) بالبصرة.



12- الإمام مالك بن أنس (ت 179 هـ) بالمدينة.



13- عبد الله بن المبارك (ت 181 هـ) بخراسان.



14- جرير بن عبد الحميد الضبي (ت 188 هـ) بالري.



15- عبد الله بن وهب المصري (ت 197 هـ) بمصر.



16- سفيان بن عيينة (ت 198 هـ) بمكة.



17- وكيع بن الجراح الرؤاسي (ت 197 هـ) بالكوفة.



18- أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي (ت 204 هـ) بمصر.



19- عبد الرزاق بن همام الصنعاني (ت 211 هـ) بصنعاء.




يتبع ..

جمانة كتبي
06-15-2012, 07:58 PM
ثالثاً: دراسة موجزة عن نموذج مما دون في هذا القرن وهو موطأ الإمام مالك:



المؤلف: أبو عبد الله مالك بن أنس الأصبحي إمام دار الهجرة بل إمام المسلمين في زمانه، قال الذهبي: "الإمام الحافظ فقيه الأمَّة شيخ الإسلام...". [تذكرة الحفاظ]



لماذا سمي كتابه بالموطأ:


سمي بذلك لأمرين:


1- لأنه وطَّأ به الحديث أي يسره للناس.


2- لمواطأة علماء المدينة له فيه وموافقتهم عليه.


قال الإمام مالك: "عرضت كتابي هذا على سبعين فقيهاً من فقهاء المدينة فكلهم واطأني عليه فسميته: الموطأ". [تنوير الحوالك للسيوطي]



موضوعه:


اشتمل على أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وأقوال الصحابة وفتاوى التابعين وقد انتقاه من مائة ألف حديث كان يرويها . [تنوير الحوالك]



عدد أحاديثه:


يبلغ عدد أحاديث "الموطأ" - رواية يحيى بن يحي الأندلسي عنه - (853) حديثاً . [تجريد التمهيد لابن عبد البر]


ويقول أبو بكر الأبهري جملة ما في "الموطأ" من الآثار عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة والتابعين (1720) حديثاً، المسند منها (600) ، والمرسل (222) ، والموقوف (613) ، ومن قول التابعين (285) . [تنوير الحوالك]


وقد يختلف عددها لتباين روايات "الموطأ" عن الإمام مالك؛ ولأنه كان دائم التهذيب والتنقيح لموطأه، إذ مكث في تصنيفه وتهذيبه أربعين عاماً.



مرتبة أحاديثه:


قال الإمام الشافعي: "أصح كتاب بعد كتاب الله "موطأ الإماممالك". [علوم الحديث لابن الصلاح]


ولا تعارض بين هذا القول وبين ما اتفق عليه العلماء من أن أصح كتاب بعد كتاب الله "صحيحا البخارى ومسلم"، وذلك لأمور:


1- أن كلام الإمام الشافعى كان قبل وجود "الصحيحين" حيث توفي - رحمه الله - سنة (204 هـ) وعمر الإمام البخاري آنذاك لا يتجاوز عشر سنوات، وكان مولد الإمام مسلم سنة (204 هـ) .


2- أن جلّ ما فيه مخرج فيهما، وما بقي منه في "السنن" الأربعة.


وقد ذهب إلى القول بأن كل ما في "الموطأ" صحيح جمعٌ من الأئمة في المشرق والمغرب، وقد أشار إلى ذلك الحافظ بن الصلاح وابن ححر في آخر باب الصحيح من أنواع علوم الحديث.


لكن الراجح لدى الجمهور أن مرتبة "الموطأ" تأتي بعد "الصحيحين" والله تعالى أعلم.


وقد عده بعض العلماء سادس الكتب الستة، منهم رزين ابن معاوية السرقسطي (ت 535 هـ) في كتابه "الجمع بين الكتب الستة"، والمجد ابن الأثير (ت 606 هـ) في كتابه "جامع الأصول".



من أهم شروح الموطأ:


1- الاستذكار في شرح مذاهب علماء الأمصار. مطبوع


2- والتمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، كلاهما لابن عبد البر (ت 463 هـ) وقد طبع في المغرب في 24 مجلداً.


3- المنتقى لأبي الوليد الباجي (ت 474هـ)، وهو مطبوع.





المصدر : كتاب [ تدوين السنة النبوية | د. محمد الزهراني ]


مكتبة دار المنهاج للنشر والتوزيع بالرياض – ط4 | 1433هـ .


( بتصرف يسير ) .