شبكة تراثيات الثقافية

المساعد الشخصي الرقمي

Advertisements

مشاهدة النسخة كاملة : المنهج الدراسي في كتاتيب الحرمين الشريفين وطرق التدريس


ثروت كتبي
01-22-2011, 09:50 PM
المنهج الدراسي في كتاتيب الحرمين الشريفين وطرق التدريس


كان المنهج الدراسي في كتاتيب الحرمين الشريفين وما حولهما ، يبدأ بتعليم الحروف الهجائية ، ثم الحروف المحركة بالحركات المختلفة ، ثم دراسة أرقام الحروف الأبجدية ، ويتم ذلك بأن يقوم مدرس الكتاب بكتابة ثلاثة أو أربعة حروف من الحروف الهجائية على لوح الطالب ، وكل حرف مكتوب ثلاث مرات ن وعليه علامة التشكيل مثل : بَ ، بُ ، بِ . ويطلب من الطالب قراءة ذلك عدة مرات حتى يحفظها ، فإذا حفظها قام المدرس بكتابة الحروف الأخرى على حسب الترتيب السابق حتى يتم الطالب حفظ جميع الحروف الهجائية ، بالحركات . ويعرف ذلك بالقاعدة البغدادية .
ثم تأتي بعد ذلك مرحلة الكتابة وتركيب الكلمات ، وفي نفس الوقت يقوم الطالب بتعلم بعض السور القصيرة من القرآن الكريم ، وأول سورة يبدأ بقراءتها عادة سورة (الفاتحة) ثم سورة (قل أعوذ برب الناس) ويستمر في قراءة قاصر السور حتي تيم جزء عم ، وبعدها ينتقل إلى الأجزاء التي تليه حتي نهاية القرآن الكريم . وتكون دراسته للقرآن الكريم بطريقة تنازلية ، فيبدأ بالجزء الثلاثين ، وينتهي بالجزء الأول من القرآن . علماً بأن الطفل قد لا يكتفي بدراسة القرآن فقط ، وإنما يقوم بحفظ جزء أو أكثر منه ، وربما يقوم بحفظ القرآن الكريم بكامله . وهذا يعتمد على مقدرة الطفل على الاستيعاب ، وإمكانيات والده المادية .
وفي معظم الكتاتيب يجب على الطالب أن يجيد القراءة والكتابة ، ومعرفة مبادىء الحساب (كالأعداد ، ومسائل الجمع والطرح والضرب والقسمة) بجانب حفظه للقرآن بكامله أو أجزاء منه ، وتجويده ، وتكون الدراسة في شكل جماعات أحياناً ، أو في شكل أفراد ، على حسب إمكانيات معلم الكتاب ، أما بالنسبة لتعليم الخط فإنه وجدت كتاتيب خاصة تقوم بتدريس الطفل الخط حتى يجيده إجادة تامة . ويقوم الطفل بالالتحاق بهذه الكتاتيب بعد أن يتم دراسة القرآن الكريم ، على أن ذلك لم يكن قاعدة ، وإنما وجدت كتاتيب وضعت ضمن مناهجها تدريس الطالب مادة تحسين الخط بجانب المواد الأخرى .
ويمكن أن نستشف ذلك من قول الأستاذ عمر عبد الجبار حيث يقول : "ألحقني والدي مع أخي بكتاب الشيخ عبد الله حمدوه قبل فك الحرف ، كما يقولون ، ولما اكتظ ديوان السمان بالطلاب انتقل من باب الزيادة إلى باب الباسطية في إحدى بيوت الأشراف ، فأدخل الشيخ عبد الله حمدوه تحسينات على كتابه ، إذ قسمه إلى صفوف ، وقرر تعليم الحساب وتحسين الخط بجانب حفظ القرآن وتجويده . فازداد الإقبال على كتاب الشيخ عبد الله حمدوه ، وذاع صيته لاسيما بعد أن شاهد أولياء الطلبة إقبال فلذات أكبادهم على حفظ القرآن وتناوبهم في الإمامة بصلاة التراويح" .
وقال الشيخ عبد القدوس الأنصاري : إن الأطفال في كتاتيب جدة يستعلمون مبادىء القراءة والكتابة والحساب ، ويحفظون القرآن المجيد كله ، أو سوراً منه ، أو أجزاء منه ، وبعض مبادىء الفقه على أيدى مشايخ تلك الكتاتيب .
ويعرف صاحب الكتاب بين الأهالي في الحرمين بالفقيه أو المعلم أو الأستاذ أو الملا ، أما الطلاب فكانوا يطلقون على هؤلاء اسم سيدنا أو أستاذنا . وهذه التسميات تختلف من منطقة إلى أخرى ، أو من مدينة إلى أخرى ، وكان صاحب الكتاب يقوم بمهمة التدريس لجميع الطلاب في كتابه .. وقد يستعين بعض أصحاب الكتاتيب بمدرس آخر يعاونه في مهمة التدريس ، يطلق عليه عادة اسم (أستاذ) بينما الغالب هو أن يستعين صاحب الكتاب بالمتفوقين من طلابه لتدريس الطلاب المبتدئين ويطلق على الطالب هذا اسم (العريف) وقد تصل استعانة صاحب الكتاب بطلابه المتفوقين في أنه ينيب أحدهم للإشراف على الكتاب في أثناء غيابه ، أو قد يرسلهم لأداء بعض حوائجه .
ومعلم الكتاب عادة يحمل قلباً طيباً إلا أن بعضهم يتصف بالشدة والصرامة يعاقب الطلاب على أتفه الأخطاء أو الحركات .. وكانت الفلقة أو الفلكة والعصا هما وسيلة العقاب للطالب المخطىء أو الكسلان .. كما أن المدرس كان يحمل العصا في يده دائماً يلوح بها يميناً وشمالا ليرهب بها الطلاب الصغار ، فلا عجب إذا هرب الطلاب من الكتاب وكرهوا أو تآمروا على معلمهم .. مما ولد لديهم عدم الرغبة في مواصلة دراستهم ، وأصبحوا يفضلون الهروب إلى الشوارع للعب والمرح على الدراسة .
لم تكن السلطات الحاكمة في المنطقة قبل توحيد المملكة على يد الملك عبد العزيز – يرحمه الله – تطلب من أصحاب هذه الكتاتيب موافقتها على فتح مكاتب تعليم الصبيان . كما أنها لم تضع أي شروط أو مؤهلات خاصة بذلك .. بل كان بإمكان أي شخص لديه إلمام بالقراءة والكتابة أن يفتح له كتاباً لتعليم الصغار في زواية المسجد أو في منزله الخاص ، كما أنه بإمكانه قفل هذا الكتاب متي ما أراد ذلك . إلا أن الملاحظ في مدرس الخط أنه لابد أن يكون ملماً بهذا الفن إلماما جيداً ، يمكنه من تدريسه لطلابه بصورة صحيحة وسليمة . كذلك نجد أن غالبية الطلاب يتم إلحاقهم بالكتاب في سن الخامسة أو السادسة ، وبعضهم في سن متأخرة ، وهذا بالطبع جعل أعمار الطلاب في الكتاب متفاوته .. وهذا التفاوت كان سبباً في وجود اختلافات في قدرات الطلاب على التحصيل العلمي ، وكفاءتهم وقابليتهم على الحفظ .
أما الأستاذ محمد علي مغربي فيقول في وصفه لبعض الكتاتيب في جدة : إن معلم الكتاب هو شيخ من المقرئين يسميه الأطفال سيدنا ، وقد يساعده أحد كبار التلاميذ ويسمى العريف ..
وتتوسط الكتاب سبورة سوداء خشبية ، يكتب عليها الشيخ أو العريف بالطباشير بعض الحروف الأبجدية ، ويتغنى هو أو العريف بها ، ثم يتبعه الأولاد في صوت واحد قائلين : (ألف لا شيء عليها ، والباء واحدة من تحتها ، والتاء اثنين من فوقها) ومعنى ذلك أن الألف لا شيء عليها أي لا نقطة عليها في حين أن الباء واحدة من تحتها وهي النقطة التي تحت الباء ، والتاء أثنان من فوقها أي النقطتان ، التي تميز حرف التاء . فإذا تقدم الأطفال وتعلموا الحروف الهجائية في بضعة شهور ، وعلى حسب سن التلميذ ، انتقلوا إلى تعلم قصار السور من جزء (عم) فإذا اشتد ساعد التلميذ قليلاً أمر بحفظ بعض السور الأخرى ، وهكذا حتى يتم تلاوة حفظ القرآن الكريم ، مع تمرينه على مبادىء الكتابة .
ويضيف الأستاذ محمد علي مغربي فيقول : إن هذه هي كل مادة التعليم التي يحتوي عليها الكتاب .. وإذا كان والد الطفل متعلماً ، ومتفتح الذهن فيرسله إلى أحد كتاب الخط أو إلى بعض من اشتهروا بحسن الخط في بيوت التجار ليتعلم الكتابة والحساب . ثم يضيف الأستاذ المغربي فيقول : أما الذين يرغبون في تثقيف أبنائهم ثقافة دينية فيسلمونهم إلى بعض العلماء الذين يتولون التدريس والوعظ في بعض المساجد ليلازموهم ، ولكن هؤلاء على أي حال كانوا قلة .
والواقع أن الطلاب الذين يلتحقون بحلقات الدرس في الحرمين الشريفين ، أو المساجد الأخرى بعد أن يتموا دراستهم في الكتاتيب ، كانوا يقومون بهذا العمل بدافع الرغبة الشديدة في التحصيل العلمي حتى يصبحوا علماء . وكانوا في سن يمكنهم من مواصلة دراستهم في حلقات الدروس على أيدي مشاهير علماء الحرمين الشريفين والمساجد الأخرى .
ويعلق الأستاذ عبد الله بغدادي على المستوى الدراسي بالكتاتيب في الحرمين الشريفين فيقول : أنها كانت في معظمها ذات مستوى دراسي بسيط ، لأن الطالب قد يقضي وقتاً طويلاً من عمره في الكتاب ، ومع هذا تبقي حصيلته العلمية في الغالب محصورة في معرفة الحروف الهجائية ، أو القراءة والكتابة ، وتلاوة القرآن الكريم ، ولعل ذلك راجع إلى عدة عوامل من أهمها بساطة أساليب التدريس وبساطة المنهج والمستوى الدراسي عند بعض أصحابها .
ولا يعنى هذا الكلام أن جميع الكتاتيب في الحرمين الشريفين وما حولهما ذات مستوى بسيط ، وإنما نلاحظ أن معظم الكتاتيب في هذه المنطقة كانت ذات مستوى دراسي الي جداً مكنها من أداء رسالتها التعليمية بصورة جيدة ، فساهمت بذلك مساهمة كبيرة في رفع المستوى الثقافي بين أبناء سكان المنطقة ، كما أنها ركزت على تعليم كتاب الله تلاوة وحفظاً مع التجويد ، ودراسة بعض العلوم الدينية والحساب والخط ، وقد تخرج في هذه الكتاتيب أعداد كبيرة من الطلاب الذين التحقوا بحلقات الدروس في الحرمين الشريفين ، وفي المساجد الأخرى في مكة المكرمة ، والمدينة المنورة ، والمدن الأخرى في منطقة الحجاز ، واصبح هؤلاء الطلاب فيما بعد من العلماء المتخصصين في مختلف الدراسات الإسلامية واللغة العربية وآدابها ، وكتب التاريخ مليئة بتراجم هؤلاء العلماء الأفذاذ الذين يشار إليهم بالبنان .


المرجع

الكتاتيب في الحرمين الشريفين وما حولهما ، د.عبد اللطيف عبد الله بن دهيش ، بتصريف