شبكة تراثيات الثقافية

المساعد الشخصي الرقمي

Advertisements

مشاهدة النسخة كاملة : معرفة الله سبحانه وتعالى


ريمة مطهر
04-08-2012, 05:54 PM
معرفة الله


جدير بالمؤمن أن يكون مع الله سبحانه وتعالى في تَقَلُّب أحواله : في قوته وضعفه .. في غناه وفقره .. في فرحه وحزنه .. في شبابه وهرمه .. في ظاهره وباطنه ..

مع الله في سُبُحَات الفِكر *** مع الله في لمحات البَصَر
مع الله في وَمَضَاتِ الكَرَى *** مع الله عند امتدادِ السَّهَر
مع الله والقلبُ في نشوةٍ *** مع الله والنفسُ تشكو الضَّجَر
مع الله في أمسيَ المُنْقَضي *** مع الله في غَدِيَ المنتظَر
مع الله في عُنْفُوانِ الصِّبا *** مع الله في الضَّعفِ عند الكِبَر
مع الله قبلَ حياتي وفيها *** وما بعدها عند سُكنى الحُفَر
مع الله في الجِدِّ من أَمْرِنا *** مع الله في جَلَساتِ السَّمَر
مع الله في حبِّ أهلِ التُّقى ** * مع الله في كُرْهِ من قد فَجَر

إن الحديث عن سير العظماء والأكابر ، والمصلحين من أئمة التاريخ والإسلام والعلم والحضارة شيء جميل جدٍّا .

ولكن أجود منه التحدث عن سير النبيين والمرسلين عليهم الصلاة والسلام ، وعن إمامهم وقائدهم محمد r .

أولى من ذلك كله وأعظم أن نتحدث عن عظمة ربنا سبحانه وتعالى ، وعن أسمائه الحسنى وصفاته العلى ، وأن نتعرف إليه ، كما قال النبي ‏r : " تَعَرَّفْ إلى الله في الرخاء يَعْرِفْكَ في الشدة " . فنتعرف إلى الله تعالى بتلاوةِ وتدبر أسمائه الحسنى وصفاته العلى .

إن التعرُّف إلى الله عز وجل هو سَلْوى الحزين ، وأمان الخائف ، وعزُّ الذليل ، وقوة الضعيف ، وغنى الفقير ، وهو الجاه العظيم الذي لا ينقطع ولا يتوقف ، ولا يعتريه ضعف أو نقص .

إننا نجد كل الناس ؛ أكابرهم وعظماءهم ، وأغنياءهم وملوكهم ، ورؤساءهم يضطرون إلى الله سبحانه وتعالى في وقت من الأوقات ، ولكن بسيف الضرورة .

فإذا أَلمَّت بالشخص مُلِمَّة ، أو نزلت به نازلة ، أو عاجله موت ، أو داهمه هَمٌّ أو مرض ، فإنه يفزع إلى الله تبارك وتعالى ويصيح : " يا الله " !

حتى أولئك الذين ربما مرَّت بهم لحظات تنكروا فيها لوجود الله عز وجل ، أو قضى الواحد منهم زمنًا طويلًا يحاضر ويناظر على إنكار وجود الله سبحانه وجحوده ، فما هو إلا أن يقع في كُرْبة ، ويشعر بالضعف البشري الإنساني ، فإذا هو يصيح بوعي أو بغير وعي : " يا الله " !

وها هو فرعون سيدهم الأول ؛ الذي تبجح ، وقال : ]أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى[ [ النازعات : 24 ] وقال : ]مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي[ [ القصص : 38 ] ، قادته الضرورة في آخر أمره وهو في وسط البحر بعد أن أدركه الغرق إلى أن قال : ]آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِـهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ[ [ يونس : 90 ] ، فآمن بالله عز وجل ، ودعاه وناداه ، ولكن بعد فوات الأوان ، قال سبحانه : ]آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ[ [ يونس : 91-92 ] .

وهكذا المستكبرون الذين ابتعدوا عن الله عز وجل ، أو تنكّروا له ، واغتروا بزُخْرُف الحياة الدنيا ، من سلطتها ومالها وجمالها ، قد يعودون إلى الله عز وجل ، لكن بعد فوات الأوان وعند الانتقال من عالم الاختيار إلى عالم الاضطرار ، ومن عالم الغيب إلى عالم الشهادة ، وهي ساعة لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا : ]فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا[ [ غافر : 85 ] .

وللواحد منا أن يتخيل كيف كانت نهاية أولئك الجبابرة الذين نردِّد أسماءهم كثيرًا ، أمثال : جنكيز خان ، وهولاكو ، وهتلر ، وستالين ، وغيرهم من أباطرة الدنيا الذين لم يكن لطاعة الله تعالى في وجودهم حظٌّ ولا نصيب .

فلماذا لا يكون المؤمن مُقبلًا على الله عز وجل بطَوْعه واختياره ، بدلًا من أن يكون مسوقًا إلى الله تعالى بسوط الضرورة ؟

إن القرب من الله تبارك وتعالى لا يحرمك شيئًا من لَذَّة الحياة الدنيا المباحة ، أو متاعها الطيب ، بل هو ينمِّي هذه المتعة ويباركها ويزكِّيها وينظمها ، ويحمي الإنسان من المرتع الوبيء والمستنقع الآسن مما لا خير فيه للإنسان في دنياه ولا في أخراه .

إن أجمل الأوقات وأطيبها هو ما قضاه العبد قريبًا من ربه تبارك وتعالى ، ذاكرًا ، أو مناجيًا ، أو شاكرًا ، أو عابدًا ، أو في أمر من أمور حياته الدنيا ، يستشعر به طاعته لله عز وجل ، أو نفعه لإخوانه المسلمين ، أو خدمته لأمته ، فإن الله سبحانه وتعالى قد وسع على عباده ، فقال سبحانه : ]وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِّنْهُ[ [ الجاثية : 13 ] .

إنه ربك القريب منك ، فنَبْضُ قلبك ، وتَأَلُّق فكرك ، وحركة جسدك ، وتَقَلُّب زمانك ، وليلك ونهارك كله بيده سبحانه وتعالى ، لا يعزُب عنه مثقال ذرة من شأنك ، ولا يغيب عنه حال من أحوالك .

قال سبحانه وتعالى عن موسى وهارون عليهما السلام : ]إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى[ [ طه : 46 ] .

كم يَعِزُّ عليك أن تنسى قريبًا من أحبابك طالما خفق قلبك بمحبته ، واشرأبَّت نفسك إلى لقائه والجلوس معه .

يعز عليك أن تنسى نفسًا كريمة وقفت معك في أزمة أو كرب ، أو يدًا أمسكت بك في وقت شدة وضعف .. فالله تبارك وتعالى أعظم من ذلك كله ، هو أقرب إليك من حبل الوريد ، فلا يليق بمن آمن بربه عز وجل أن ينساه لحظة من حياته .

فلنتعرف إلى الله سبحانه وتعالى , إلى أسماءه الحسنى وصفاته العليا ، وإلى آثار هذه الأسماء والصفات في حياتنا ، فكل حياتنا وحياة من حولنا من البشر ، والجماد ، والحيوان ، والأملاك والأفلاك ، أثر من آثار عظمة الله تبارك وتعالى وقدرته .

كلما أَمْعَن الدُّجى وتحالَك *** شِمْتُ في غَوْرِه الرهيبِ جلالَك
وتراءت لعينِ قلبي برايا *** من جمالٍ آنستُ فيه جمالَك
وترآى لمَسْمَع القلبِ همسٌ *** من شِفاهِ النجوم يتلو الثَّنا لك
واعتراني تأَلُّهٌ وخشوعٌ *** واحتواني الشعورُ أني حِيالَك
ما تمالَكْتُ أن يخرَّ كياني *** عابدًا خاشعًا ومَن يتمالَك

إن الكون كله منخرط في مهرجان ضخم هائل حافل كبير يسبِّح الله تبارك وتعالى فالسموات والأرض ، والنجوم والجبال ، والشجر والدواب ، وكل شيء يسبح لله عز وجل ، ويتلو الثناء له والتمجيد والاعتراف بعظمته وألوهيته ، وسلطانه الكامل وقدرته التامة ، وأَحَدِيَّتِه ، وسَرْمَدِيَّتِه ، ومجده وعظمته ]وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ[[ الإسراء : 44 ] .

فهلم نشارك في هذا المهرجان العظيم ؛ فنذكر الله تبارك وتعالى ، ونسبح بحمده .

وحين يُساقُ السَّحابُ الجوادُ *** ليُحْيِيَ في الأرضِ مَيْتَ القبور
أفرُّ إلى ساحةِ الساجدين *** أشاركُ في مهرجانٍ كبير
أبيعُ ورَبَّي مني اشترى *** أبيعُ الحياةَ ولا أستشير
أرى كبرياءً بلونِ السماء *** ووَمْضِ البروقِ ولَفْحِ الهجير

إن لله تبارك وتعالى أسماء حسنى ، وصفات عليا ، ولهذه الأسماء والصفات عبوديات عظيمة ومقتضيات في حياة الإنسان والمؤمن .

ولهذا يجدر به أن يتعرف إلى الله تبارك وتعالى بهذه الأسماء والصفات ، فإنها أشرف العلوم وأعظمها وأجملها وأزكاها .

قد يقرأ أحدنا في التاريخ عن أحداث ماضية ؛ فيجد نفسه مُنساقًا إلى قصص وأخبار ، ومعارك وروايات ، وقد يعيش معها يومًا بعد يوم ، وربما كان كثير منها روايات خيالية ينساق معها لمجرد المتعة ، ومع ذلك يتابعها مشدودًا بحب الاستطلاع .

فكيف ترى حينما يتذكر المرء أنه يتعرف إلى الله تبارك وتعالى بعظمته التي لا تحيط بها العقول ، ولا تُدركها الأوهام ، ولا تستوعبها اللغات ؟ !

إن المؤمن يقتبس شيئًا من هذه العظمة ؛ يستنير بها في طريقه ، ويؤمن بها في قلبه ، ويكشف بها الظلمات التي تعتريه ، وما أحوجنا في هذا العصر الذي تكالبت فيه على البشرية ألوان من المظالم والمآثم ، والصعوبات والعقبات ، وأصبح الإنسان عامة ، والمسلم خاصة يعاني ألوانًا من المخاوف والاحتمالات والتوقعات ، فما أحوجنا إلى الله تبارك وتعالى – وهو الغني عنا – بمحبتنا وتَأَلُّهِنَا ، وذكرنا واستغفارنا ، بما يكون صفاءً لقلوبنا ، وزادًا إلى آخرتنا ، ومرضاة وقربى وزلفى إليه تبارك وتعالى .


المرجع
مع الله
الاسم الأعظم وقصة الأسماء الحسنى - بتصرف
الشيخ الدكتور : سلمان بن فهد العودة
الطبعة الثالثة
1430 هـ - 2009 م