شبكة تراثيات الثقافية

المساعد الشخصي الرقمي

Advertisements

مشاهدة النسخة كاملة : هدية أهل مكة


ريمة مطهر
01-14-2012, 08:22 PM
هدية أهل مكة

للناس عادات في اتخاذ وشراء ما يهدونه إلى أحبابهم ، كل على قدر حاله وسعة ماله ، والهدية تقدر على قدر مهديها ، بلا أحيانا ًلا تساوى الهدية بقيمة مهما صغرت ، ومن أي أحد كانت ، فالناس لا تنظر إلى الشيء المُهدى ، بل إلى المُهدي . وكما قال الشاعر :
ورصاص من أحببته ذهبٌ كما *** ذهب الذي لم ترض عنه رصاص
وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة t قال : قال رسول الله r : " تهادوا تحابوا فإن الهدية تذهب وغر الصدر " . ومن طريق آخر عن أبي هريرة قال : " تهادوا تحابوا " ومن خُلُقه وصفاته أنه r يقبل الهدية ولا يأكل الصدقة .
أما هدية أهل مكة فلا تقدر بقيمة ولا ثمن ، وليس هناك أحسن منها ، وهي ( ماء زمزم ) وهذه عادة قديمة في أهل مكة ، أنهم إذا كان أحدهم بمكة يرسل لمن بخارجها من ماء زمزم ، أو كان خارجاً منها إلى بلد يتزود منها لمن سيذهب إليه ، بل حتى غير المكيين من الحجاج والمعتمرين إذا أتوا مكة يأخذون من زمزم إلى بلادهم هدية لأهلهم ، وأحبابهم هناك ، بل نجد هذه سنة بفعل الرسول r فقد ذكر أن النبي r كتب إلى سهيل بن عمرو : " إذا جاءك كتابي ليلاً فلا تصبحن أو نهاراً فلا تمسينّ حتى تبعث إليّ من ماء زمزم " . فاستعان سهيل بأثلة الخزاعي حتى جعل مزادتين ملأهما من ماء زمزم وبعث بهما على بعير .
وذكر ابن كثير : فائدة عزيزة ، فيها أن رسول الله r استصحب معه من ماء زمزم شيئاً . وكذلك ذكر أن السيدة عائشة رضي الله عنها كانت تحمل من ما زمزم وتخبر أنه r كان يحمله .
وقال الغزاوي : ( أهدى الحافظ نور الدين أبو الحسن علي بن أحمد بن محمد بن سلامة الشافعي المكي المولود بمكة سنة (746) المأذون له بالإفتاء والتدريس من أئمة العلم والفقه والحديث في زمانه ، أهدى إلى الشيخ شمس الدين بن الجوزي من ماء زمزم وأرسل إليه معه هذه الأبيات :
ولقد نظرتُ فلم أجد يُهدى لكم *** غير الدعاء المستجاب الصالح
أو جرعة من ماء ( زمزم ) قد سَمَت *** فضلاً على مدِّ الفُرات السائح
هذا الذي وصلت له يدُ قُدرتي *** والحق قلتُ : ولستُ فيه بمازح
فأجابه الشيخ ابن الجوزي بهذه الأبيات :
وصل ( المشرَّفُ ) من إمامٍ مرتضى *** نور الشريعة ذي الكمال الواضح
وذكرت أنك قد نظرتَ فلم تجد *** غير الدعاء المستجاب الصالح
أو جرعة من ماء ( زمزم ) حبذا *** ما قد وجدتَ ولست فيه بمازح
أما ( الدعاء ) فلستُ أبغي غيره *** ما كنت قطُّ إلى سواه بطامح
وقد توفي ابن سلامة بمكة سنة 838 هـــ .
قلت : فهذه هي الهدية المأثورة المشكورة من قديم الزمان من علماء أهل مكة ، بل ومنهم جميعاً إلى من أرادوا تكرميه ، دعاء وماء زمزم يبعثون به إلى أقصى الآفاق ، وقد لفت نظري في الإجابة قوله : ( وصل المشرف ) فقد كنت أكتبها بنفس العبارة ؛ أي وصل خطابكم أو كتابكم فإذا بها متداولة قبل عدة قرون ) .
ويقول الشيخ عبد الله حريري : معظم رحلاتي كانت بسبب العمل حيث أننا كمطوفين لنا سفرات لزيارة البلدان التي فيها حجاج نحمل معنا ماء زمزم وتمر المدينة والمسابح والسجاجيد ، نهدي هذا وذاك من الحجاج .
وأما هدية المكيين في زماننا هذا فإنها مع الدعاء وزمزم قد ازدادت بالمسابح ، أو ( المسبح ) و ( تمر المدينة ) و ( المساويك ) الأراكية ، وذلك في نطاق محدود ، فإن مكة هي التي تجبى إليها ثمرات كل شيء بفضل الله ونعمه ، وإن أعظم هدية عالمية إنسانية هي ما أصدرته ( أم القرى ) إلى العالم كله من ( هداية ) ربانية ورسالة محمدية ، وبه تتقرب ، وحسب أهلها عزة وكرامة أنهم ( أهل الله ) وجيران بيته المحرم .

المرجع
صور من تراث مكة المكرمة في القرن الرابع عشر الهجري ، الجزء الأول ، عبد الله محمد أبكر .