شبكة تراثيات الثقافية

المساعد الشخصي الرقمي

Advertisements

مشاهدة النسخة كاملة : النجارون والخشب الجاوي في مكة


ريمة مطهر
01-09-2012, 07:23 PM
النجارون والخشب الجاوي في مكة


الخشب الجاوي ( ويسمى في مكة بالفنّي ) وهو نسبة إلى جزيرة جاوة بأندونيسيا ، لصلابته ومقاومته الظروف البيئية والمناخية القاسية وبعضه يأتي مغّلفاً الفورمايكا . ولهذه الصفات والمقاييس كان أهل مكة يستخدمونه في عمارة البيوت وفي كثير من الأعمال الخشبية من الحرف اليدوية ، ويفضلونه على كثير من الأخشاب الأخرى المستوردة من الهند والصين وأفريقيا .
ولهذا الخشب خواص ربما لا نجدها في غيره وهي احتفاظه أو امتصاصه للحرارة ، في أقصى أوقات الصيف ، فيحول داخل المنزل إلى شبه غرفة أو صالون مكيف ، وهي من الخواص التي لا نجدها في الحديد ولا حتى في الأخشاب المصنعة من النجارة ، مثل ( الأبلكاش ) وأمثاله .
واستخدام النجارين للخشب الجاوي هذا لا يختص بمكة وحدها بل هو معمول به أيضاً في معظم الدول العربية كالشام واليمن والعراق ومصر في تشييد بعض أجزاء العمارة كالأسقف والأبواب والرواشين وبعض المرافق الداخلية كالأرفف التي تكون في بطون الجدار وغرها .
يقول المهندس غني : ( بأن خشب الجاوي هو النوع المفضل في العمائر البصرية ، وكان سكان المدينة القدامى يعمدون إلى طلاء شناشيلهم بنوع من الدهان العطري ) والشناشيل – لفظة عراقية – وتعني الرواشين أو الروشن .
ويضيف : ( الحقيقة كان الاكتشاف الأهم في مادة البناء الرئيسة للشناشيل ، وهي الخشب إذ من المعروف بأن الطابق الأرضي من البناء في البيت البصري يعتمد على مفردات الحديد ( الشيلمان ) والطابق والجص ، بينما يقوم الطابوق الثاني معتمداً على الخشب ، وهذه المادة التي تشكل قرابة 40 % من عموم مساحة البناء ، تتميز بقابليتها على الاحتفاظ بالبرودة وتؤلف حاجزاً أمام أشعة الشمس حيث تمتص نسبة عالية من الحرارة في صيف ساخن يمتد إلى قرابة ثمانية أشهر من السنة .
ومن المناسب إن أشير إلى أن الشناشيل من حيث طرازها المعماري البناء ، تشبه بعض الشيء ( البالكونات ) ، قد وفرت للمشاة في الأزقة البصرية ( مظلة ) كبيرة تقيهم حرارة الصيف ، وتزداد أهمية هذه المظلة عندما نستذكر بأن الشناشيل في الزقاق الواحد ، تطل من عشرين أو ثلاثين منزلاً متجاوراً ويقابلها عدد مماثل من المنازل ، بحيث يصعب على أشعة الشمس أن تجد أية ثغرة ، والحقيقة فإن تكوين الزقاق على هذا النحو ، تجعله أقرب ما يكون إلى تصميم ( الكلي ) أو المنفذ الأسطواني الذي يستقبل التيارات الهوائية الباردة ) وكل هذه الأحوال الهندسية والطبيعية والجغرافية موجودة عندنا بمكة وربما فاقت كل البلاد بصفتها بلد الخصوصيات زمانية ومكانية .

المرجع
صور من تراث مكة المكرمة في القرن الرابع عشر الهجري ، الجزء الأول ، عبد الله محمد أبكر . بتصرف .