م.أديب الحبشي
01-22-2011, 11:30 AM
الجاليات الأجنبية التي أقامت بجدة
كانت تعيش في جدة جالية مسيحية صغيرة أغلبها من أصل يوناني قاموا إلى جدة في الغالب عن طريق مصر وبالذات في العهد المملوكي . وقد كان يفرض عليهم ارتداء زي معين لتميزهم مع عدم الاقتراب من منطقة باب مكة - غير أنه بقدوم العمانيين للحجاز تم إلغاء ذلك . . كما كانت لهم مقابر لدفن موتاهم بجنوب جدة خارج السور بالقرب من شارع الميناء، حاليا وكثيراً ما كنا ونحن أطفال نتسلق جدارها لمحاولة معرفة ما بداخلها من باب الفضول الصبياني علما بأنهم كانوا يدفنون موتاهم من قبل في جزيرة صغيرة خارج المدينة .
كذلك أقام بجدة قلعة من اليهود قدم أكثرهم في زمن الأتراك وهم ما يمسى " الدونما " وكان يعملون بالسمسرة وافتتحوا بعض الخمارات للضباط الأتراك وكبار الموظفين إلا أنهم طردوا من جدة لسوء أخلاقهم ومسلكهم وأتجه بعضهم إلى اليمن . ويذكر الشيخ محمد على مغربي في كتابه أعلام الحجاز أنه كان يتذكر يهوديا واحداً اسمه ( ماركو) كان له دكان متفرع من السوق الكبير وقد رحل بعد أن تزوجت ابنته على الخواجة ( نقولا ) اليوناني رغماً عنه فرحل عن جده إلى غير رجعه . .
وكانت جدة حتى متصف القرن الرابع عشر الهجري تضم العديد من الجاليات المقيمة غالبيتها من الأشقاء من حضر موت واليمن وأفريقيا . . ومن هؤلاء من انصهروا في المجتمع الجداوي . . وحيث أني قد اجتهدت في وضع سجل أو قائمة بأسماء عوائل جدة داخل السور قبل هدمه . والمعني بهذه القائمة الجدادوة الذين كانوا على نسق واحد من العادات والتقاليد . فهم النشامى الذين يرقصون المزمار ويصهبون الصهبة ويتحدثون اللهجة الجداوية وتربط بينهم صلة القربى والمصاهرة . . وبطبيعة الحال فإن هذا لا ينتقص من الآخرين شيئاً . فقد تقاسموا لقمة العيش الشريف معهم، وساهموا في إثراء جوانب مجتمعهم..
فالإخوة الحضارمة مثلاً شكلوا لحقب لطويلة أكبر جالية بجدة من بين ساكنيها الأجانب ، وكان الكثيرون منهم يمتهنون التجارة ، ومن بينهم المشايخ من أهل العلم والديانة والسادة الذين كانوا يحظون بمكانة اجتماعية رفيعة . . كما اشتهر الحضارمة بالصبر والجلد والأمانة . . وقد عمل الكثيرون منهم في بعض المنازل في سن مبكرة وضربوا المثل في الشرف والعصامية.
كما اشتهروا بالنخوة والوفاء والكثيرون منهم قادوا المساعدة لمن عملوا لديهم من قبل ، بعد أن تبدلت ظروفهم المعيشية مما يدلل على أدبهم الجم واحترامهم البليغ لكبار السن .
هذا وكانت الدولة العثمانية قد منحت الإخوة الحضارمة امتيازًا خاصاً في جدة بخلاف مدن الحجاز الأخرى بحيث تتم دعاوييهم وتركاتهم وبيع وشراء دورهم عن طريق شيخ السادة . وليس للقضاء أو الولاة التعرض لهم . وقد صدر بذلك فرمان سلطاني عام 1237هـ ثم استمر وضعهم في العهد الهاشمي وأوائل العهد السعودي حتى اختلفوا فيما بينهم على المشيخة فضاعت امتيازاتهم .
ويروى أن اجتماعاتهم كانت تتم عادة في بيت باعشن ومن أشهر مشايخ الحضارم بجده الشيخ/ سعيد العامودى الذي نفذ فيه الإعدام في قضية مقتل القنصل الإنجليزي بجده عام 1274هـ ، والشيخ / حمود بن أحمد بن هارون شيخ سوق البدو عام 1277هـ وكان ممثلاً للحضارم أمام الوالي العثماني . .
وأذكر شخصياً آخر شيوخ الحضارم منذ حوالي خمسين عاما هو الشيخ / علي القثمي رحمه الله الذي كان يقيم بحارة الشام .
كذلك عرفت جده الكثير من العلماء الحضارمة منهم من استوطن ومنهم من كان يتردد عليها من حين إلى آخر ومن هؤلاء الأجلاء في نهاية القرن الثالث عشر وخلال الرابع عشر الهجري نذكر :
1- الشيخ / على بن أحمد بن سعيد باصبرين الذي اشتهر بـ ( أبو صبرين) وكان يدرس في المسجد الشافعي بين المغرب والعشاء وله مؤلفات في العقيدة وعلم الفلك كما كان صاحب فكرة (تحويط الجمرات بمنى) التي بادر الشريف بتنفيذها بعد أن كان الحجاج يرمون في غير المرمى . .
كما أن ابنه القاضي الفقيه الشيخ / أحمد بن على باصبرين درس في مساجد جده حتى توفى نحو عام 1339هـ.
2- الشيخ / أحمد بن على بن سليمان الحضرمي . كان يدرس في أغلب مساجد جده وفى رباط السادة ومن طلبته الشيخ/ مشهور بن عابد شيخ الذي درس وكان إماماً وخطيباً بمسجد الشافعي ، وبعد وفاته نحو عام 1321هـ خلفه أخوه/ا محمد صالح بن عابد شيخ . وكان والدهما الشيخ / عابد شيخ من قبلهما في إمامة المسجد .
3- الشيخ / عبد الله بركات باحكيم . وكان يواظب على التدريس بزاوية الحضارم وانتفع بعلمه الكثير من الناس . وكان يتردد على الحجاز حتى وفاته عام 1316هـ.
4- الشيخ / أحمد بن عثمان بن محمد باعثمان . نشر العلم بالكثير من المجالس في جده ودرس في زاوية الحضارم وقد توفى حوالي عام 1306هـ.
5- الشيخ / أحمد بن محمد باعجاجه .كانت دروسه بين المغرب والعشاء بزاوية ( أبو سيفين) بسوق الندى وقد توفى عام 1318هـ.
6- الشيخ / أحمد بن عبد الرحمن باجنيد . كان معلماً يدرس الفقه والنحو في المساجد العامة وقد توفى عام 1332هـ.
وغير هؤلاء من العلماء الأفاضل أمثال الشيخ / عبد الرحمن باوارث ومن آل المحضار وآل السقاف وآل العطاس وغيرهم ممن يتطلب حصرهم بحثاً دقيقا ومطولاً.
ومما تجدر الإشارة إليه أن الإخوة الحضارمة من سكان جده والمترددين عليها قد بدأوا في الخروج من محيطهم الاجتماعي التقليدي والانفتاح على المجتمع الجداوي بتقاليده وعاداته في مرحلة لاحقه مع التوجه للحصول على الجنسية السعودية بصورة أوسع في عهد الملك فيصل بن عبد العزيز يرحمه الله . وكان اندماجهم في المجتمع تلقائياً باعتبارهم ليسوا غرباء عنه .
كذلك الأمر فيما يتصل بالأخوة الهنود الذين كانوا في معظمهم من أفاضل ساكني جدة وأنجح تجارها . وكانوا يتمركزون في " قصبة الهنود " التي أزيلت لدى افتتاح " شارع الذهب " وكانت لهم آنذاك مصاهراتهم ومجتمعهم الخاص باستثناء القلة القليلة التي اندمجت في المجتمع ومنهم من أقدم عوائل جده العريقة و الراقية والذين يعتبرون في صميم النسيج الاجتماعي لجده من مئات السنين . كذلك فإن من أشهر تجار قصبة النهود دون حصر : بيت نور ولي ، بيت سيت ، بيت الفتني ، بيت فاضل ، بيت شيخ عمر .
المرجع
( كتاب جدة .. حكاية مدينة – لمحمد يوسف محمد حسن طرابلسي – الطبعة الأولى 1427هـ ، 2006م)
كانت تعيش في جدة جالية مسيحية صغيرة أغلبها من أصل يوناني قاموا إلى جدة في الغالب عن طريق مصر وبالذات في العهد المملوكي . وقد كان يفرض عليهم ارتداء زي معين لتميزهم مع عدم الاقتراب من منطقة باب مكة - غير أنه بقدوم العمانيين للحجاز تم إلغاء ذلك . . كما كانت لهم مقابر لدفن موتاهم بجنوب جدة خارج السور بالقرب من شارع الميناء، حاليا وكثيراً ما كنا ونحن أطفال نتسلق جدارها لمحاولة معرفة ما بداخلها من باب الفضول الصبياني علما بأنهم كانوا يدفنون موتاهم من قبل في جزيرة صغيرة خارج المدينة .
كذلك أقام بجدة قلعة من اليهود قدم أكثرهم في زمن الأتراك وهم ما يمسى " الدونما " وكان يعملون بالسمسرة وافتتحوا بعض الخمارات للضباط الأتراك وكبار الموظفين إلا أنهم طردوا من جدة لسوء أخلاقهم ومسلكهم وأتجه بعضهم إلى اليمن . ويذكر الشيخ محمد على مغربي في كتابه أعلام الحجاز أنه كان يتذكر يهوديا واحداً اسمه ( ماركو) كان له دكان متفرع من السوق الكبير وقد رحل بعد أن تزوجت ابنته على الخواجة ( نقولا ) اليوناني رغماً عنه فرحل عن جده إلى غير رجعه . .
وكانت جدة حتى متصف القرن الرابع عشر الهجري تضم العديد من الجاليات المقيمة غالبيتها من الأشقاء من حضر موت واليمن وأفريقيا . . ومن هؤلاء من انصهروا في المجتمع الجداوي . . وحيث أني قد اجتهدت في وضع سجل أو قائمة بأسماء عوائل جدة داخل السور قبل هدمه . والمعني بهذه القائمة الجدادوة الذين كانوا على نسق واحد من العادات والتقاليد . فهم النشامى الذين يرقصون المزمار ويصهبون الصهبة ويتحدثون اللهجة الجداوية وتربط بينهم صلة القربى والمصاهرة . . وبطبيعة الحال فإن هذا لا ينتقص من الآخرين شيئاً . فقد تقاسموا لقمة العيش الشريف معهم، وساهموا في إثراء جوانب مجتمعهم..
فالإخوة الحضارمة مثلاً شكلوا لحقب لطويلة أكبر جالية بجدة من بين ساكنيها الأجانب ، وكان الكثيرون منهم يمتهنون التجارة ، ومن بينهم المشايخ من أهل العلم والديانة والسادة الذين كانوا يحظون بمكانة اجتماعية رفيعة . . كما اشتهر الحضارمة بالصبر والجلد والأمانة . . وقد عمل الكثيرون منهم في بعض المنازل في سن مبكرة وضربوا المثل في الشرف والعصامية.
كما اشتهروا بالنخوة والوفاء والكثيرون منهم قادوا المساعدة لمن عملوا لديهم من قبل ، بعد أن تبدلت ظروفهم المعيشية مما يدلل على أدبهم الجم واحترامهم البليغ لكبار السن .
هذا وكانت الدولة العثمانية قد منحت الإخوة الحضارمة امتيازًا خاصاً في جدة بخلاف مدن الحجاز الأخرى بحيث تتم دعاوييهم وتركاتهم وبيع وشراء دورهم عن طريق شيخ السادة . وليس للقضاء أو الولاة التعرض لهم . وقد صدر بذلك فرمان سلطاني عام 1237هـ ثم استمر وضعهم في العهد الهاشمي وأوائل العهد السعودي حتى اختلفوا فيما بينهم على المشيخة فضاعت امتيازاتهم .
ويروى أن اجتماعاتهم كانت تتم عادة في بيت باعشن ومن أشهر مشايخ الحضارم بجده الشيخ/ سعيد العامودى الذي نفذ فيه الإعدام في قضية مقتل القنصل الإنجليزي بجده عام 1274هـ ، والشيخ / حمود بن أحمد بن هارون شيخ سوق البدو عام 1277هـ وكان ممثلاً للحضارم أمام الوالي العثماني . .
وأذكر شخصياً آخر شيوخ الحضارم منذ حوالي خمسين عاما هو الشيخ / علي القثمي رحمه الله الذي كان يقيم بحارة الشام .
كذلك عرفت جده الكثير من العلماء الحضارمة منهم من استوطن ومنهم من كان يتردد عليها من حين إلى آخر ومن هؤلاء الأجلاء في نهاية القرن الثالث عشر وخلال الرابع عشر الهجري نذكر :
1- الشيخ / على بن أحمد بن سعيد باصبرين الذي اشتهر بـ ( أبو صبرين) وكان يدرس في المسجد الشافعي بين المغرب والعشاء وله مؤلفات في العقيدة وعلم الفلك كما كان صاحب فكرة (تحويط الجمرات بمنى) التي بادر الشريف بتنفيذها بعد أن كان الحجاج يرمون في غير المرمى . .
كما أن ابنه القاضي الفقيه الشيخ / أحمد بن على باصبرين درس في مساجد جده حتى توفى نحو عام 1339هـ.
2- الشيخ / أحمد بن على بن سليمان الحضرمي . كان يدرس في أغلب مساجد جده وفى رباط السادة ومن طلبته الشيخ/ مشهور بن عابد شيخ الذي درس وكان إماماً وخطيباً بمسجد الشافعي ، وبعد وفاته نحو عام 1321هـ خلفه أخوه/ا محمد صالح بن عابد شيخ . وكان والدهما الشيخ / عابد شيخ من قبلهما في إمامة المسجد .
3- الشيخ / عبد الله بركات باحكيم . وكان يواظب على التدريس بزاوية الحضارم وانتفع بعلمه الكثير من الناس . وكان يتردد على الحجاز حتى وفاته عام 1316هـ.
4- الشيخ / أحمد بن عثمان بن محمد باعثمان . نشر العلم بالكثير من المجالس في جده ودرس في زاوية الحضارم وقد توفى حوالي عام 1306هـ.
5- الشيخ / أحمد بن محمد باعجاجه .كانت دروسه بين المغرب والعشاء بزاوية ( أبو سيفين) بسوق الندى وقد توفى عام 1318هـ.
6- الشيخ / أحمد بن عبد الرحمن باجنيد . كان معلماً يدرس الفقه والنحو في المساجد العامة وقد توفى عام 1332هـ.
وغير هؤلاء من العلماء الأفاضل أمثال الشيخ / عبد الرحمن باوارث ومن آل المحضار وآل السقاف وآل العطاس وغيرهم ممن يتطلب حصرهم بحثاً دقيقا ومطولاً.
ومما تجدر الإشارة إليه أن الإخوة الحضارمة من سكان جده والمترددين عليها قد بدأوا في الخروج من محيطهم الاجتماعي التقليدي والانفتاح على المجتمع الجداوي بتقاليده وعاداته في مرحلة لاحقه مع التوجه للحصول على الجنسية السعودية بصورة أوسع في عهد الملك فيصل بن عبد العزيز يرحمه الله . وكان اندماجهم في المجتمع تلقائياً باعتبارهم ليسوا غرباء عنه .
كذلك الأمر فيما يتصل بالأخوة الهنود الذين كانوا في معظمهم من أفاضل ساكني جدة وأنجح تجارها . وكانوا يتمركزون في " قصبة الهنود " التي أزيلت لدى افتتاح " شارع الذهب " وكانت لهم آنذاك مصاهراتهم ومجتمعهم الخاص باستثناء القلة القليلة التي اندمجت في المجتمع ومنهم من أقدم عوائل جده العريقة و الراقية والذين يعتبرون في صميم النسيج الاجتماعي لجده من مئات السنين . كذلك فإن من أشهر تجار قصبة النهود دون حصر : بيت نور ولي ، بيت سيت ، بيت الفتني ، بيت فاضل ، بيت شيخ عمر .
المرجع
( كتاب جدة .. حكاية مدينة – لمحمد يوسف محمد حسن طرابلسي – الطبعة الأولى 1427هـ ، 2006م)