القيلات .. المدينة المنورة

ومن عادة المدنيين أن يقوموا برحلات خلوية إلى البساتين المجاورة ، كأن يجتمع مجموعة من الأصدقاء ويذهبون إلى أحد البساتين ليقضوا سحابة يومهم في المرح والتسلية ويقوموا بطبخ غذائهم ، وهم في هذه الرحلة يذهبون سيراً على الأقدام وكل واحد منهم ينقل شيئاً من لوازم الرحلة .

وكانت البساطة في المظهر العام على الوجبات التي تعد لهذه القيلات ، ومن أبرز هذه القيلات ما يقوم به بعض الناس بعد نزول المطر يذهبون إلى الأماكن التي تتجمع فيها مياه المطر ، ويقومون بطبخ الأرز والعدس " معدوس " وعمل الشاي من ماء المطر ، والمكان المفضل الذي يتسابق عليه " المقاييل " هو " المهاريس " التي تقع في سفح جبل أحد الجنوبي ، هناك عدة حفر طبيعية محفورة في الصخر يتكور فيها الماء بعد نزول المطر .

يكثر حول هذه المهارس " المقاييل " ، كل يقوم بإعداد طعامه ويحاول كل منهم يعزم على الآخرين ، وهذه سمة معروفة بين المدنيين .

وهذه القيلات هي المتنفس الوحيد لسكان المدينة ليعودوا إلى أعمالهم في اليوم التالي وهم في حالة من النشاط ، وقد تكون هذه الرحلات عائلية ، أي تقوم أسرة برجالها ونسائها يقومون برحلة كهذه إلى أحد البساتين . وكان يسمح بدخول البساتين مجاناً بعد الاستئذان . وعندما كثر الناس في المدينة ظهر جيل جديد من الفلاحين الذين يميلون إلى المتاجرة ، فإن كثير من أهل البساتين أصبح يؤجر جزء من البستان أو الديوان الخاص بالبستان مقابل مبلغ من المال إلى وقت محدد .

ومن ما يحدث في أيام الصيف ( أي حينما يكون الرطب على النخل ) ، فإن أي إنسان يمر على الفلاح في بستانه وهو يجني الرطب يعطي من الرطب وأن دخل إلى البستان فيكون ذلك أوجب ولا أحد يعترض على دخول أي إنسان إلى البستان والأكل من ثمره ، بل يستبشر الفلاحون بمن يزورهم في بساتينهم سواء ممن يعرفون أو ممن لا يعرفون ، يرحبون بهم ويعتبرون ما يقدمونه لزائرهم مما ينتج بستانهم بالإضافة إلى كونه كرماً فهو حق عليهم عملاً بقوله تعالى : " وآتوا حقه يوم حصاده " خلا ل يطيب استرجاعها واستذكارها ليعلموا أبناء الأجيال القادمة ما كان عليه آباؤهم وأجدادهم من مكارم الأخلاق . وإن العادات التي كانت سائدة لها مصدرها ، مصدرها كتاب الله وسنة رسوله ومكارم الأخلاق .

المرجع
أحمد سعيد بن سلم ، المدينة المنورة في القرن الرابع عشر ، ط 1 ، بتصرف .