شبكة تراثيات الثقافية

المساعد الشخصي الرقمي

Advertisements

مشاهدة النسخة كاملة : يوم العيد ويوم القيامة


جمانة كتبي
09-01-2011, 01:02 AM
يوم العيد ويوم القيامة

ابن الجوزي رحمه الله .



رأيتُ الناس يوم العيد فشبَّهتُ الحال بالقيامة؛ فإنهم لما انتبهوا من نومهم خرجوا إلى عيدهم كخروج الموتى من قبورهم إلى حشرهم؛ فمنهم من زينته الغاية ومركبه النهاية[1]، ومنهم المتوسط، ومنهم المرذول، وعلى هذا أحوال الناس يوم القيامة، قال تعالى: { يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إلى الرَّحْمَنِ وَفْدًا } [مريم: 85] أي: ركبانًا، { وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إلى جَهَنَّمَ وِرْدًا } [مريم: 86] أي: عطاشًا. وقال عليه الصلاة والسلام: "يحشرون ركبانًا ومشاة وعلى وجوههم"[2].

ومن الناس من يُداس في زحمة العيد، وكذلك الظَّلَمة يطأهم الناس بأقدامهم في القيامة. ومن الناس يوم العيد الغنيّ المتصدق، كذلك يوم القيامة أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة. ومنهم الفقير السائل الذي يطلب أن يُعطى، كذلك يوم الجزاء: "أعددت شفاعتي لأهل الكبائر"[3]. ومنهم من لا يُعطف عليه { فَمَا لَنَا مِنْ شَافِعِينَ * وَلاَ صَدِيقٍ حَمِيمٍ } [الشعراء: 100، 101].

والأعلام منشورة في العيد، كذلك أعلام المتقين في القيامة. والبوق[4] يُضرب، كذلك يُخبر بحال العبد فيقال: يا أهل الموقف، إن فلانًا قد سعد سعادة لا شقاوة بعدها، وإن فلانًا قد شقي شقاوة لا سعادة بعدها.

ثم يرجعون من العيد بالخواصّ إلى باب الحجرة ويُخبرون بامتثال الأوامر: { أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ } [الواقعة: 11]، فيخرج التوقيع إليهم { وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا } [الإنسان: 22].

ومن هو دونهم يختلف حاله؛ فمنهم من يرجع إلى بيت عامر: { بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ } [الحاقة: 24]، ومنهم متوسط، ومنهم من يعود إلى بيت قفرٍ. فاعتبروا يا أولي الألباب.



هوامش:

[1] أي: هو في غاية الزينة، ومركبة في غاية الفراهة.
[2] رواه الترمذي، وأحمد، والحاكم وصححه، ووافقه الذهبي.
[3] رواه أبو داود، والترمذي، وأحمد، وابن حبان، والحاكم عن أنس رضي الله عنه، وقال: صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي.
[4] البوق: أداة مجوَّفة ينفخ فيها ويزمر. انظر: المعجم الوسيط 1/77.





المصدر: كتاب ( صيد الخاطر ) لابن الجوزي.