أم شمس
02-03-2011, 08:34 PM
أحمد الياس الشافعي الكردي
أحمد بن الياس الملقب بالارجأني الصغير أو بالقاموس الماشي الشافعي الكردي الأصل الدمشقي الشاعر المفلق اللغوي الماهر كان فاضلاً محققاً فطناً بارعاً متوقد الذهن والفكر وكان والده كردياً من نواحي شهرزور قدم إلى دمشق وتولى خطابة خان قرية النبك وتزوج بامرأة من القرية المذكورة وأولدها عدة بنين وبنات ولد في ابتداء هذا القرن وقرأ على والده بعض مقدمات على مذهب الإمام الشافعي وحبب له الطلب فرحل لدمشق ونزل بمدرسة السميساطية وقرأ على المجاورين بها وأكثر على استاذه الشيخ أحمد المنيني وبه تدرب وصار طبا خافي المدرسة المرقومة غير أنه كان يناضل في الائتقاد ويساهم في الاعتقاد ولم يزل في ضنك من العيش ولم نحل حركاته من طيش وحصلت منه هفوة حمله الجمق بسببها على أنه أقربها لدى الشرع وخشى من إقامة الحد عليه وكان ذلك بإغراء أحد أعيان دمشق فخرج منه خائفاً وقصد مدينة اسلامبول دار الملك واختص ببعض أركان الدولة وأمن من زمأنه تلك الصولة فجعله في خلوته نديم مرامه واختلس برهة التيه ونسى ما كان فيه ومشى مشبة لم يكن ورثها عن أبيه فما استقام حتى نكص على عقبه لزلة قدمها ففارقها وفي النفس منها ما فيها وقدم طرابلس الشام وتزوج بها واستقام وحصل له بعض وظائف ولبث هناك برهة من الأيام ثم قصد وكنه الأصلي ولم يجعله مقره ولا سكنه ثم توجه تلقاء مصر فأحله واليها الوزير الفريد الصدر الوحيد محمد باشا الشهير بالراغب في أسنى المراتب وامتدحه بقصيدة وهي قوله
هذي مناي بلغتها لأوأنها = فالحمد للافلاك في دورأنها
الأن قرت بالتواصل أعين = طال اغتراب النوم عن أجفأنها
كم بت في ليل الفراق مردداً = بيتاً يسلى النفس عن أشجأنها
يا ليت شعري هل أرا منشداً = دهما نبذ الدرهم يوم رهأنها
النيل أيتها السفين فليس لي = في فارس ارب ولا أرجأنها
فترشفي من ثغر دمياط المنى = لأظل ذاك الشعب من بوأنها
من فوق حماء القرا نوحية = تثنى بصنعتها على سفأنها
وجناء لارعى الغضا من همها = يوماً ولا ورد إلا ضامن شأنها
سارت فشقت من خضارة أزرقا = شق الثكول السود من قمصأنها
وتعسفت أمواج يم مترع = كالأيم إذ تنساب من كثبأنها
هندية في الماء ألقت نفسها = والهند تلقي النفس في نيرأنها
زنجية غنت لها ريح الصبا = فغدت تجيد الرقص في أردأنها
تمشي على الدأماء فعل ولية = وتطيع جهر أعابدي صلبأنها
دار متى فتحت تلافي هلكها = سكانها أسرى يدي سكانها
أفتلك فتخاء الجناح تصوبت = م الجو فهي تسف في طيرأنها
أم عرمس هوجاء مهما راعها = صوت الرياح تجد في ذملأنها
أم مومس ورهاء ليس يليقها = بعل ولا تأوى إلى أوطأنها
أم تلك من سرب المها وحشية = نشأت خلال الماء مع حيتأنها
آلت على أن لا تقر بمرفأ = والبر كل البر في أيمأنها
أو تجلعن من نيل مصر ورودها = عللاً وتمضي بعد ذاك لشأنها
وهناك نسلمها إلى أخواتها = اللائي غدت تمشي على آسأنها
فتظل بين الموجتين شوارعا = في النيل سبق الخيل في ميدأنها
تنفك تحدوها الشمال فأن ونت = عنها ظللن يقدن في أرسأنها
تسمو لتنظر قلعة الجبل التي = تجلو بطلتها صدا أحزأنها
وإذا أدار الصحب ذكرى راغب = طارت هوى وعصت على ربأنها
المشتري طيب المحامد بالبهي = ويرى قليلاً ذاك في أثمانها
والتارك الماضين من أسلافه = خير محته الناس من أذهأنها
هو كعبة الوزراء أن بصرت به = بدرت إلى التقبيل من أركانها
أزرى بأنشاآته الكتاب بال = لسن الثلاث فإذ عنو لبيأنها
والعرب لو تر مثله لم تفتخر = في قسها يوماً ولا سحبأنها
فخر الدولة آل عثمان بمن = هو كالفريدة من عقود جمأنها
فيمثله أنتظمت ممالك ملكها = وبرأيه وثقت عرى سلطانها
كم راغب في أن يكون كراغب = وأرى المواهب في يدي منأنها
والاسم في الوزراء مشترك ول = كن ما عتاق الخيل مثل هجأنها
فأن اغتد وأوزر النصرة دولة = فهو الشباة لسيفها وسنأنها
حاطت مهابته الممالك قاعداً = كالبيض ترهب وهي في أجفأنها
حتى تسأوى خصبها والأمن من = أرض العريش لمنتهى أسوأنها
من بعد ما كانت مصاعب بفيها = في السوح منها ملقيات جرأنها
وتبيغت فيها دماء فسادها = دهراً فكان البرء في سيلأنها
لم أدر مرهف عضبه أمضى إلى = الأعداء أم يده إلى احسأنها
أبد له لم أنس نائلها وهل = تنسى الغيوم الغر في تهتأنها
وخلائقاً مثل الرياض يزينها = صدح العلوم له على أفنأنها
يا أيها الدستور والشهم الذي = ألقت إليه أولوا النهي بعنأنها
وأخا الصوارم كالبروق كلاهما = يعلو الرءوس فهن من إخوأنها
لم أقصر التمداح فيك وأنما ال = بئر النزوع قصرت من أشطأنها
ضمنك مصر ضم مشتاق إلى = مرأى علاك وشبكت ببنأنها
ولطالما سمعت بأنك واحد ال = دنيا فصدق حدسها بعيأنها
فافخر بها أعلى المناصب أنها = تخت الملوك الصيد في سلطانها
بهرام سيفك في الرقاب وأنت في = أعلى سماء العز في كيوأنها
ولما آب لوطنه الثاني فائزاً من رغائب الراغب بما هو أطرب من هزج المثاني كتب بها إلى شيخه أحمد المنيني وكتب معها ما هذه صورته
ربما خطب ببال سيدي أن يسال عن عبده الأقدم وسهم كنأنته الاقوم من حطه وترحاله وتلاعب الدهر بأحواله ليجدد ربوع العهود الدوارس ويضئ ليالي تفرقنا الدوامس فأخبرها أني امتطيت الدهماء وخبطت بها الدأماء في عشري ربيع الثاني من سنة ألف ومائة وإحدى وستين حتى وردنا النيل في أواخر جمادي الأولى من هذه السنة ودخلنا القاهرة المعزية واجتمعنا بمولأنا الوزير ذوي القدر الخطير راغب باشا وكنت وأنا في البحر قد بغمت بأبيات في وصف السفينة وتخلصت إلى مدحه فأنشدته إياها كما واجهته فأنبسط إليها وأذن وهو بنقد أمثالها قمن والقصيدة المذكورة كتبت لكم إياها في صفحة هذا الطرس وضمخت تلك العروشة بمسك هذا النقس وأنما جلوتها عليكم وزففتها إليكم لما عساكم أن تسايلوا الركبأن وتستخبروا كل نوتى وربأن ما فعل تلميذنا القديم وصديقنا الحميم وهل بقي له في طرابلس شعراَ وشعور أم جرت عليه اذبالها الدهور وهل خمدت نار فهمه أو فل غرار عزمه وحزمه سيدي والقصيدة ليست تصلح للعرض عليكم ولا أن تتلى بين يديكم ولكنها لما كانت في وصف السفينة نادرة الاسلوب معطرة بذكر راغب منها الاردأن والجيوب أحببت أن أرسلها إليكم لتكون سبباً لذكرنا بعد النسيأن ومفخرة لكم عند الاخوأن إذ أنا قطرة من بحرك ونفثة من نفثات بيأنك وسرحك ولك المثل الأعلى في الآخرة والأولى هذا ثم سيدنا قابلنا بالاكرام والأجلال والاعظام من ارسال الملابس الفاخرة والدراهم الوافره واركأبي الفرس المحلى وفوزي من تقريبه بالقدح المعلى فلما كان بين جماد ورجب رأينا كما قيل من الأنقلاب العجب ونزل مولأنا من القلعة وحق على من قصده بالسوء الملامة والشنعة وليست بأول عظيمة ارتكبوها وفرعونية ابتدعوها بل شنشنة من اخزم ونكزة من أرقم وقد سلمه الله تعالى من ذلك الكيد وأيده منه بقوة جنأن وايد ثم رحلنا من الديار وامتطينا غارب الأسفار وخلصنا من أولئك الطغام وبعدنا من تلك الفجرة الفئام حتى توسطنا طريق البحر بعد أن بلغت الأنفس التراقي والنحر جاء بشير من طرف ذلك الدستوز الوزير بأن باشا أعطى منصب أيدين المختلف وصف أهلها بتعصب عصاتها وأهل الدين فخلينا ذلك الفلك السيار إلى أنتحاء قطع تلك المفأوز والقفار إلى أن أنخنا بأحسن مدنها المعروفة كوز الحصار وهو بلد مسور لكنه مطول غير مدور تخترق أكثر بيوته المياه كثير الفواكه والأمراض قليل الأدباء والقراض ما سمعوا بديوأن أبي الطيب ولا عرفوا بكر المعاني من الثيب مع أن تلك البلدة نحو عشرين مدرسة كلها العلم الأدب مدرسه ولولا وجود مولأنا لما قدرت أمكث ما مكثت ملحوظاً مؤيداً ومن وجد الاحسأن قيداً تقيدا سيدي قد كتبت لكم هذه الترهات التي لا حاجة لكم بها ولكنها وسيلة إلى ذكركم إياي وسوآلكم كيف كان مثواي وها أنني استأذنت سيدنا في الصله فأجازني بها مع الاكرام والصله وجئت براً لا بحرا لما قاسيت رعباً وذعرا ويا سيدي وعيشك والحرم أنني نقشت لكم هذا الرقيم من رأس القلم فأسألكم أغماض عين السخط عن كتأبي وأسبال ذيل الودود المحأبي فأجابه بقوله
أعيذك بالقرآن العظيم والسبع المثاني يا من ليس له في عصره ثاني ولله أنت من ساحر بيأن وناثر عقود جمأن وناظم قلائد عقيأن ومطأول سحبأن ومعارض صعصعة بن صوحأن فمن ذا يضاهيك وإلى النجم مراميك وشأوك يدرك وشعبك لا يسلك وها أنت قد اقتعدت النجم مصعدا واعتمت نهر المجرة موردا وسموت إلى حيث النجوم شبائك والمعالي أرائك حتى ملكت المجد بأيد وعلقته من النجدة بقيد وافترعت للمعالي هضاباً وارتشفت من ثغور الأداب رضاباً وجمعت طبع العراق إلى رقة الحجاز واقتطعت كلماتك الجوهرية جأنبي الحقيقة والمجاز وملأت المهارق بيأناً واريت السحر عيأناً وسارت بمناقبك الركبأن واعترف لك بالتفرد كل أنسأن وأقر بالنزول عن درجتك كل من يزعم أنه مسأوي ونسبت إلى محاسنك محاسن أقوام فتبين أنها مسأوي وبلغت من الفضل والأدب مجمع البحرين ومن شرق البلاد وغربها ملتقى النيرين وما ظنك بمن منذ وافى وطنه لم يزل لا بد البدة الأسد قاعداً للأيام بمرصد والليالي تمنيه بكل أمنية والدهر يعده بمواهب سنيه حتى وثب وثبة الفهد ونهض نهضة النمر فخطا خطوة بلغ بها مصر القاهرة فيها من الأدب ما لو بلغ ابن نباتة لما نبت له لينة من آدابه الوافرة فحق لنا أن نطلق عليه أنه من أهل الخطوة ولا سيما خطوة نال بها عند عزيزها أسنى خطوه ولعمري أن من اهتز لسماع قوافيه عزيز مصر هزة العصفور بلله القطر وتهللت أسارير محياه عند القيام بالبشر وطوى ذكر غيره طي السجل للكتاب ونبذ كلامه نبذ الاثم والاصر لجدير بأن يطوى له البعد ويدمث له الحزن وتراض له شماس المطالب وتخضع له أعناق المراتب ويقض شوارد العلى وتطول يده إلى السهى ويصعد حتى يظن الجهول أنه حاجة في السماء
لا تيأسن إذ ما كنت ذا أدب = على خمولك أن ترقى إلى الفلك
فبينما الذهب الابريز مطرحاً في = أرضه إذ غدا تاجاً على الملك
وأما قافيتك البحريه وعقيلة فكرك القسية فما تركب البحر الاستخراج دررها من معادنها والتقاط جواهرها من مكامن أماكنها وأبديت فيها من البدائع والعجائب ما لم يخصه قلم ولا يراع كاتب ولم تزفها بحمد الله إلا إلى راغب وكفؤ لها من غير مدافع ولا منازع ولقد تدأولها الرأوون من ذوي ولائك وابتهج بها المخلصون من أولى ودك واخائك وكانت لديهم أحلى من عطف حبيب وارد وأشهى من رشف اللمى من ثغر عطر بارد بل أطيب من شرخ الشباب وأعذب من ماء السحاب وابتدرت إلى رقمها الاقلام وأنتشت من رحيق سلافها الاحلام لفظ كائن معأني السكر تسكنه فمن تجرع كأساً منه لم يفق وأقبل عليه أرباب الفضائل والافضال ولا إقبال الصاحب على ابن هلال ولا سيما ريحأنة الفضل والأدب وماء وجه ذوي الأقدار والرتب الموليأن الأجلأن والسيدأن الأفضلأن غصنا دوحة النبوة ونيراً فلك الشهامة والفتوه من هما بدرأن في هالة وشمسأن في طفأوة وروحان في جسد والمتحدان اسماً وصفة وأن كانا اثنين في العدد فأنها وقعت منهما موقع الاستحسأن فخلداها في صحائف الاذهأن بعد أن أثبتناها في جرائد الآداب تذكرة لأولي الألباب هذا وأني قد كتبت لكم هذه العجالة جواباً يعثر في أذيال الحجالة بين عجزناه وشوق آمر وفكر ساه ووجد سامر على أني لو كنت فارغ البال عن كل كرب وبلبال مطلق الأسار صقيل مرآة الأفكار لما كنت إلا معترفاً بالقصور قاضياً على طرف فكري بالكبوة والعثور فكيف والأيام قد تركن بالي كاسفاً وخطوي واقفاً وذهني كليلاً وفكري عليلاً بما فار من طوفأن عجائبها وفاض وبلغ الزبى بعد أن أترع الحياض مع تخاذل القوى وهجوم شدائد الهرم والبلوى مما لا ينوء به رضوى وخيأنة الحواس الظاهرة والباطنة وظهور محن كانت أيام الشباب كامنه كما قال من أسلمه الكبر إلى ضعف السلامي والأوصال أبتات أصبحت لا أحمل السلاح ولا أملك راس البعيرأن نفرا وإلى الله المشتكى من دهر إذا أساء أصر على إساءته فلقد جمح فأعيى الرواض ولم يبق له سهماً في الوفاض إلا وقد قرطس فيما ينويه من الأغراض ولقد ذكرت في هذا المعنى أبياتاً كنت أنشأتها وأنا في الروم زعمت أني لم أسبق إليها فإذا معناها في أبيات فارسية ومضمونها أن ما بعد الغين من لفظ عالم ألم واحد الآلام وهي
أن الزمان لأهل الفضل ذواحن = يسومهم محنا كالسيل في الظلم
فهل ترى عالماً في دهرنا فتحت = من غمضها عينه الأعلى ألم
والجاهل الجاه مقرون بطالعه = أن النعيم يرى في طالع النعم
فافطن لسر خفى دق مدركه = يناله ذو ذكا والفهم من أمم
ولكن هذه الأبيات لا تنطبق على مثلي والأليق بحالي المطابق لامثالي قول صاحب معاهد التنصيص
أرى الدهر يمنح جهال = وأوفر حظ به الجاهل
وأنظر حظى به ناقصاً = أيحسبني أنني فاضل
ونحن والسيدأن المشار إليهما أنفاً نضرع إليكم أن تشرفوا وطنكم الأصلي دمشق الشام بالزيارة ولو زيارة المام عدة ابام لنبل بروياكم الأوام ومن نار البعاد لهيب الضرام والسلام وللمترجم من قصيدة
أرى قوامك من مياس املود = فما لقلبك من طماء جلمود
وأن بخدك مخضر العذار بدا = فالموت الأحمر في أجفأنك السود
يا محرقاً بهجير الهجر جسم فتى = ضم الضلوع على أحشاء مفؤد
ومرسلاً من جفون حشؤها سقم = رواشقاً لا يقيها نسج داود
نعطفا يا غنى الحسن في دنف = لسائل الدمع منه أي ترديد
نهاره الليل أن أوحشت ناظره = ما لم ير الصبح من ذيالك الجيد
يا للعجائب من ريم لواحظه = ترتاع من سحرها الآساد في البيد
يدر نبوأ مني القلب منزلة = ليت الذراع حظى منه بتوسيد
وهو من قول العناياتي حل من منزليه بالطرف والقلب فأضر لو يحل الذراعا
ذو مبسم قد حوى در تخلله = ماء الحياة ولكن غير مورود
وقامة كغضيب البأن رنحها = ماء الصبا الغض لا ماء العناقيد
ذوو جنة كجنى الورد ناضرة = تزيدها نظراتي أي توريد
وفي المعنى لبعضهم
يا من يجود بموعد من خده = ويصد حين أقول ابن الموعد
ويظل صباغ الحياء بخده = تعبا يعصفر تارة ويورد
هو من قول الأبيوردي
نظرت إلى وجه الحبيب وفي الحشا = تباريح وجد لا تريم ضلوعي
فطرزه بالجلنار حياؤه = وطرز خدي بالشقيق دموعي
وقال آخر
خالسته نظراً وكان مورداً = فاحمر حتى كاد أن يتلهبا
وقال آخر
حلو الفكاهة لا عيب ينقصه = إلا الصدود واخلاف المواعيد
رجع هو من قول بعضهم
ولا عيب فيهم غيرأن سيوفهم = بهن فلول من قراغ الكتائب
وقول الآخر
ولا عيب فيه غيرأن خدوده = بهن احمرار من عيون المتيم
وقول الآخر
أحبب به وليالي الأنس تجمعنا = في ظل عيش مع الأحباب ممدود
أزوره وعليه في الدجى مقل = من الأسنة لم تكحل بتشهيد
لا أهب البيض في بيض النحور ولا = من طعنة في الخدود الحمر أخددي
حتى حسبت السها عينا بها سنة = من الكبرى وسهيلاً قلب رعديد
ويا رعى اللّه أيام الصبا فلكم = أمسى يلذ بها عذلي وتفنبذي
فلم أرى بعدها دهر اليسر سوى = زمأن مفتي الورى ذي الفضل والجود
وله من قصيدة
خذ جأنباً عن سهام اللحظ والحدق = فدرع صبرك منها الأن ليس بقى
وأن شككت بفتك الغيد قاتله = تصيد أسد الشرى في سالك الطرق
فذا فؤادي جريح من لواحظها = وذي دموعي حكت للوابل الغدق
فتى بحب الغوأني لا يزال به = ضرب من السحر أو داء من القلق
من كل ماءسة الأعطاف لو رمقت = مدامعي لم تصل عطفاً على رمقي
تمشي وتسحب ذيل الدل رافلة = تثنى الغصن في خضر من الورق
وربما التفتت شذراً بمقلتها = للعاشقين وهم صرعى على نسق
يا جنة الخلد هلا نهلة لشج = من كوثر الثغر تطفي لاعج الحرق
أعيذ بالميل داجي الشعر منك وبال = ضحى المحيا وزاهي الجيد بالفلق
عجبت منك وأنت الشمس طالعة = وفي خدودك تبدو حمرة الشفق
وليلة بالنجوم الزهر تحسبها = عروس زنج لها حلي من الورق
والنسر مد جناحاً ليس يقبضه = كانه حائم جوعاً على لمق
وقد تبدى السهى للعين مختفياً = يحكي لأنسأن عين في البكا غرق
مظعتها بفتاة ظلت أشربها = من صرف ريقتها في حالك الغسق
تقول إذ مال بي سكر الهوى وغدا = لخصرها ساعدي كالطوق للعنق
هأورد خدي مسك الخال نقطه = طوبى لملتثم منه ومنتشق
ولست أنسى لها قولاً وقد علقت = أيدي النوى بعنأني أي معتلق
أي البلاد تؤم اليوم مجتدباً = وما بكأس الندى فضل لمغتبق
والجود قد مات من يحيه قلت لها = يحيى فباب رجاه غير منغلق
فتى على البعد أن أضللت ساحته = هداك باهيي سنا من وجهه الطلق
هو من قول البهاء العاملي من قصيدة
خمرة أن أضللت ساحتها = فسنا نور كاسها يهديك
منها
يا من على السحب قد آلى ليلثمها = قبل يديه وأن تحنث ففي عنقي
يا من مدى الدهر لا تحصى مدائحه = ومن يرم حصرها بالنطق لم يطلق
من لي بدر النجوم الزهر أنظمها = فغيرها بسوى علياك لم يلق
وهاكها من نبات الفكر غأنية = تهدي نسيم الصبا من نشرها العبق
بكر من العرب ما قد شأن بهجتها = سبى ولا سمعتها اذن مسترق
وقال مضمناً شطر للفتح النحاس الحلبي
بنفسك بادر رم بيتك واجتهد = وأن لم تجد أحكامه واصطناعه
ولا تدخل العمار دارك أنهم = متى وجد وأخرقا أحبوا اتساعه
وله من قصيدة
قد تبدى لنا محيا الصباح = واستطار الكرى نسيم الرياح
فأجلياها على بكر مدام = بكرت بالسرور والافراح
كاحمرار الشقيق لوناً وأن شئت = فقل لي شقيقة الارواح
شمس راح قد أشرقت في سماء ال = دن تختال في بروج الراح
تفضح الشاربين بالشفق الأح = مر بعد الغروب أي افتضاح
نار فرس وكم سجدت إليها = وفتى الاغتباق والاصطباح
تشبه العسجد المذاب لدى المز = ج وفي الطعم ذائب التفاح
فاسقنيها على محياك يا بد = ر وجاهر بها على المصباح
يا نديمي وللهوى بفؤادي = منه سهام العيون أي جراح
كيف لي بالسلو في الحب أو من = سجن هذا الغرام كيف سراحي
أشتكيك الهوى ولم أشتكي من = جور عدل القوام شاكي السلاح
وجهه روضة الجمال ولكن = لا يريني بالابتسام الاقاحي
لعبت خمرة الدلال بعطفي = ه فأمسى ينبه سكرأن صاحي
نافراً أن لمسته نفرة العا = شق عند استماع قول اللاحي
يا شبيه الغصون اسكرت من اح = داقك النجل خمرة الاقداح
صل شهيد البدر حسنك في مع = ترك الحب يا نبي الملاح
طال ليل المحب لم ير صبحا = طالعاً من جبينك الوضاح
إلى آخرها وهي طويلة وله أيضاً
قالوا علام تركت جامع جلق = شهر الصيام وليس ذاك بسائغ
قلت المبيح به لترك جماعة = برد الشتاء ورؤية ابن الصائغ
وابن الصائغ المذكور وهو رجل من الطلبة كان من مشهوراً بغلظ الطبع وللمترجم حين كان بالروم في عام أطبق شتاؤه واحتجبت بالغيوم أياماً كثيرة كواكبه وسماؤه فقال
للشمس هل تعلمون من خبر = أم هل وقفتم لها على أثر
ضلت طريق المسير أم غرقت = في البحر أم أقعدت من الكبر
أم أسد النجم رام يقنصها = فاستترت بالغمام من حذر
أم حسبتها السماء شمس طلا = فارتشفتها على سنا القمر
فلا تراها الدوام صاحية = وقد حست من مدامها العطر
يا لهف نفسي لفقد نيرة = كانت سراج العشي والبكر
فالأفق يشكو لطول غيبتها = والجو يبكي بأدمع المطر
ويا شقائي بذا الثناء وهذا = الوحل قد حل عقد مصطبري
طوفأن طين لم يعتصم أحد = في البدو من لوثه أو الحضر
زركش أثوابنا ودبجها = حتى غدت تزدري على الحبر
ورب بيت غدا مشيده = يبكي بدمع للسقف منحدر
حتى الزرأبي مع نمارقة = رأيتهم يسبحون في نهر
هذا دم للسحاب منسفك = بسيف برق عليه مشتهر
ومما كتبه لبعض أحبابه في نحو ذلك سيدي كفيت النوائب ووقيت عوادي الغوادي ومس السحائف وتبرأت من غث عيث الأنواء ومن تراكم ركامها المفضي إلى الأقواء وننهى أنه ما خفى عنه ما أتى في هذا العام من حال الشتا ومطره الجاري كتموج البحر العجاج وسحابه المبرق الذي هو والرعد ذو امتزاج وفعلاته التي فعلها في دمشق الشام حتى تعدى النفح وبرزة والمقام فنفر ثلجه البارد طيرها السارح وغرق في لحج السرطأن حوتها السابح وشرد أوأنس الوحش وأخفر ذممها وألم بفنن الأطواد وشيب لممها ومر بالابذية المشيدة فهدم قوائمها وأشار إلى القصور فأندكت دعائها ولطم خدود الشقيق بأنامل كف وأبكى الكمائم بعد ضحكها من وكفه وصارت الأشجار بين يديه صرعى والنبات لا نصرة ولا مرعى وادي يومه بوقت الصباح مسا وأنسى الرجال حالهم وأبكى النسا اللهم تفويضاً لقضائك وتسليماً لأمرك واستدفا عالملا النازل بمزيد شكرك هذا بدمشق المؤملة للجنوب تصاعفت منها القوى والجنوب فليت شعري كيف بلاد الاقبال وقد مالت إلى اليمين والشمال فهل صينت منه حماة وحميت أو قاحت دملها بتلجها بعد ما دميت وهل أقام العاصي على مدافعته أو أطاع الشريعة وأجاب نهر المرافعة وهل اجتنب السحاب مسأنها أو اجتلب لو ترك معرة المعرات وعم الحافل وحلب وكيف كان حال المولى النمر مع الشتاء الجموح والغيث المنهمر وبرد السحب تشقق بمدية الرعود والافق بالبرق مذهب الرايات والبنود والأيام طوت بالقصر منشور طولها واهوية نشرت القتام بمطوى هولها فهل طلعت الشمس بعد مغيبها وأرت حق اليقين لعين مريبها وهل جادت بقرصها لدى نار أو سمحت بعد وصي ثلجها بدينار وهل نسخ شباط أحكام تشرين ونشر بالبشارة ورداً أبيض ونسرين وهل هب من حزيرأن نافحه فأطفئ من جمر كانون لافحه وهل شممتم للربيع المريع نشر وحظيتم بحسن معدنه البديع بشرى فعطروا مجامعنا منه بنوافح الطيب وشنفو ما معنا بخبر حديثه الغريب وأنبؤنا بمنطق ورقه الصأوحة واطباره وهل كسيت بالخلل عرائيس أشجاره فبالله أسرعوا بالجواب والعجل فالعين متاسحة والقلب في وجل لا زالت قائمة بخدمتكم الأقلام والبراعة منشى في البدأ والختام
أن صفقت طور الدياجي = وتسربلت سبل الدواجي
فهلا لها مثل اللجين = كانما هو فوق عاج
تلقى به سحب الشتا = رمت الدياجي بالدماج
ليل تخلله الحيا = في صبغتي عفص وزاج
طمست معالم شمسه = سحب مصدعة الزجاج
شابت نواصي نوئه = وأتت معتقة الرتاج
لقح الثرى بثلوجه = فغدت مقطعة النتاج
ومقت شفوف سحابه = لكنها دعمت بساج
والفجر وهم في الدجى = واليل مثل الطرف ساجي
والرعد قلب واجف = والجو كالرحل المداجي
والبرق نبض عرقه = تحت الدجى مثل اختلاج
سقطت شأبيب الحيا = وجرت على كل الفجاج
عذب فرات سائغ = لكنه ثمل الاجاج
ثلج أقام على الربى = وكانه حلب النعاج
ملأ البسيطة فضة = مبثوثة لا لاحتياج
صاغ القلائد للربا = وجلا القلائد للمحاج
أتظنني في مدحه = ذاك المعرض للاهاج
قد لج صوت سحابه = ماء السحائب واللجاج
لزم الثرى فكانه = قد جاء يطلب بالخراج
فلكم رمى رجلاً بكسر = ثم رأسا بالشجاج
فالجرف ذو شرخ به = والطوف منه في أنفلاج
ولقد تمرد دأوه = وطغى على أهل العلاج
عمت بلاياه الورى = ما في الورى منهن ناجي
هل في الأنام من الورى = كنفي يضم إليه لاجي
من وجهه شمس الضحى = وجبينه ذو الأنبلاج
ليظل يطعن نحره = منه بأطراف الزجاج
ويشيمنا برق الربيع = بروضة ذات ابتهاج
نشم نشر زهورها = من بعد طي وأندماج
ونسيمها يروى أحا = ديث المسرة بامتزاج
فلما وصل إليه كتب الجواب وأرسله وهو قوله ورد المثال الذي رفع قدراً يروي أحاديث بشر ويسند بشرى فمال العبد بالسرور جأنباً وقال بشراي إذ كنت عبداً مكاتباً وكنت كثيراً أرأود نفسي المنازعة أن تجهز إلى باب سعادتكم مطالعه تنبي بما جل بحماة المحروسة وما جرى على ربوعها المأنوسة إلى أن ورد المثال البديع الذي يقصر عن مماثلته البديع أما القصيدة المزرية جواهرها بالجمأن الفائقة على نظم العقود الحسأن فكادت أن تستوجب قافية الجيم ومعارضها يحتاج في تحصيل القافية إلى التنجيم وإلا فمن يحصل هذه القوافي ويكون في حسن المعارضة موافي وما يقدر على نظم الجواهر إلا الملوك الصيد والأكابر الأكاسر وأما النثر فما النثرة من أمثاله ولا الجوزآء من أشكاله وحق من ملك المولى زمام الكلام وأقدره على صوغ النثر والنظام أن فضل مولأنا أشرق في الأقطار واشتهر اشتهار الشمس في رابعة النهار فلا نجد شاعراً إلا تحلى بأشعاره ولا نرى ناثراً إلا اجتلى بديع نثاره
خصصت بفضل ليس يوجد مثله = وذلك فضل اللّه يؤتيه من يشا
وأنهى الجناب أحوال الشتاء العام الذي ثقل على الخاص والعام فقد امتدت على البسيطة سدته وطالت على جميع العالم شدته فنصب خيمته وضرب أوتاد الثلوج وسرح مواشي الريح والبرد بالمروج ورمى الوجود ببنادق برده بشتائها وأعرب عن تراكم ثلجها وأنوائها ووصف من ذلك ما يعجز الخنساء بوصفه ويتحقق السامع منه حقيقة ضعفه فأما حماة فقد حل حماها فأذهل أهلها من المصائب ودهاها فأول الفصل كفاها الله وحماها وأفاض بسمائها أنوار الشمس وضحاها وزين الأفق بدرر الواكب وحلاها وأبدر قمرها في الليل إذا يغشاها ثم تغيرت الأنواء وتراكمت سحبها الثقال وتعاظمت حتى صارت ثقل الجبل وزادت الرعود فارتجت الأرض رجا وبرد الجو فعقد الماء ثلجاً واشتملت قضايا الأنواء على الدوام ودلت بمطابقة الثلوج دلالة التزام فترى وجه البسيطة بفضة مرشوش والجبال عليها منه كالعهن المنفوش فكم من خليل به أمسى مبرداً فاعتزى إلى الكسائي والفراء فأنسج وارتدى وأنكر جبال حماه من يراها وتأبضت بالثلوج شراً فشاب قرناها وأما العاصي فكان أمره عجباً ومنظره يقصر عن وصفه الادبا حمل العاصي فأجرى في حماة نيل مصرا فاعجبو يا قوم منه كان نهراً صار بحراً قد مد حتى جأوز الحد واشتد في حملته وما ارتد ودارت على نواعيره دوائر التلف وحل بجسوره الاقواء فأمست على شرف ودخل المساكن النهرية فارتحل أهلها من حيث طما بها عليها ونهلها فكم من جدار قد أنقض وبناء مشيد قد رفض وركن بركن إليه قد سقط وحائط حيط بالدعائم قد هبط وتخوت أخذها الماء غصباً فاحتملها وسقوف اقتلعها من السقوف فأنزلها ورواشن أتاها فخلخلها من القواعد وقصور عالية رماها بمنجنيق الرواعد ولطف الله تعالى بزيادة في النهار وأخبر عن حاله حفظاً للجوار ثم صحت السماء وتقشعت السحب وبدا وجه الشمس من الحجب وبشرا شباط بقرب مقدم الربيع وبسط له الفرش بالروض المربع وفاحت نسمات الصاب بنشر عبيره ولاحت أنواع الخصب بورود بشيره وصدحت الورق فرحاً بمقدمه وغنت فتحركت النفس لأيام الصبا وحنت وأنشرح صدر المصدور واستقر خاطره وتمتع بهذا الخبر سمعه وقر ناظره ونسى ما كان من نكد الأيام وعفا عن المبدأ بحسن الختام
سفرت فاشرقت الدياجي = بالنور اشراق السراج
خود إذا ابتسمت رأي = ت الصبح آذن بأنبلاج
وجناتها تحت الشوا = لف وردة تحت السياج
أردافها مما ثقلن = إذا مشت ذات ارتجاج
باتت تناجيني فيا = للّه ذياك المناجي
وسعت إلى بخمرة = صهباء صافية المزاج
بيضاء جلت أن يشو = ب وصلها أنكد الزواج
صيغت من الدر البيا = ض وطوقها المسود ساجي
بياضها وسوادها = ملكت مرادي لاحتياجي
وحكت مثال جاءني = بوزوده زاد ابتهاجي
اهدى إلى مسرة = وبشكره عظم ابتهاجي
فعقوده في نظمها = ذات أنفراد وازدواج
ألفاظه في نفسها = برق تألق بالدياجي
متضمناً أمر الشتا = ء وثلجه العسر العلاج
قد أوضحت من أمره = بالشام ما آذى مزاجي
فتشابهت فيه البلا = د فنشره فيها مفاجي
أما حماة فأنه = وافي إليها بأنزعاج
وأقام فيها مدة = يسطو عليها في لجاج
فكانه وافى إليها = طالباً مال الخراج
عقدت حمائم سحبه = ها فوجه للجو داج
نصبت فخاخ ثلوجه = للساريين على الفجاج
وأطارت الريح الثلو = ج كما استطارت بالعجاج
قد شاب قرناها بها = وتأبطت شراً مفاجي
ضاعت مصالح أهلها = فصدورهم ذات أنحراج
لوأنها تصحى لهم = أضحوا على عزم الهجاج
وظمى بها العاصي إلى = أن صال كالليث اللهاج
كم من جواد قد تخلخل = فأنثنى مثل الخراج
ورواشن سقطت فهن = إلى حمى العاصي لواجي
وتمازجت آلاتها = بمياهه أي امتزاج
ورفارف مثل الجفون = إذا علت ذات اختلاج
أخذ التخوت فأصبحت = في الماء كالسفن النواجي
ورمى النواعير التي = كانت تدور على رواج
دارت بها أفلاكها = منكوسة ذات أنعواج
فتطايرت أرياشها = فيها ولا ريش الدجاج
فتت مغالفها وكا = نت قبل مغلقة الرتاج
ولسوف ياتيك الربيع = فيطرد البرد المفاجي
وتطيب أوقات الزما = ن فمالها في الناس هاجي
والروض بفتح وردة = من بعد طي وأندماج
وترى الأزاهر قد بدت = في روضها ذات ابتهاج
وتزول كافات الشتا = ء بغير بحث واحتجاج
أمر الشدائد لم يزل = وهمومها ذات أنفراج
وأسلم ودم لا زلت في = الأيام ملجا كل راجي
وكان قدم خلب صحبة واليها الوزير الراغب المقدم ذكره فتوفي بها وكانت وفاته يوم الاحد الثاني عشر من رجب سنة تسع وستين ومائة وألف بتقديم تاء التسعين ودفن خارج باب قنسرين بتربة الشيخ ابن أبي النمير رحمه الله تعالى
المرجع
الكتاب : سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر
المؤلف : المرادي
أحمد بن الياس الملقب بالارجأني الصغير أو بالقاموس الماشي الشافعي الكردي الأصل الدمشقي الشاعر المفلق اللغوي الماهر كان فاضلاً محققاً فطناً بارعاً متوقد الذهن والفكر وكان والده كردياً من نواحي شهرزور قدم إلى دمشق وتولى خطابة خان قرية النبك وتزوج بامرأة من القرية المذكورة وأولدها عدة بنين وبنات ولد في ابتداء هذا القرن وقرأ على والده بعض مقدمات على مذهب الإمام الشافعي وحبب له الطلب فرحل لدمشق ونزل بمدرسة السميساطية وقرأ على المجاورين بها وأكثر على استاذه الشيخ أحمد المنيني وبه تدرب وصار طبا خافي المدرسة المرقومة غير أنه كان يناضل في الائتقاد ويساهم في الاعتقاد ولم يزل في ضنك من العيش ولم نحل حركاته من طيش وحصلت منه هفوة حمله الجمق بسببها على أنه أقربها لدى الشرع وخشى من إقامة الحد عليه وكان ذلك بإغراء أحد أعيان دمشق فخرج منه خائفاً وقصد مدينة اسلامبول دار الملك واختص ببعض أركان الدولة وأمن من زمأنه تلك الصولة فجعله في خلوته نديم مرامه واختلس برهة التيه ونسى ما كان فيه ومشى مشبة لم يكن ورثها عن أبيه فما استقام حتى نكص على عقبه لزلة قدمها ففارقها وفي النفس منها ما فيها وقدم طرابلس الشام وتزوج بها واستقام وحصل له بعض وظائف ولبث هناك برهة من الأيام ثم قصد وكنه الأصلي ولم يجعله مقره ولا سكنه ثم توجه تلقاء مصر فأحله واليها الوزير الفريد الصدر الوحيد محمد باشا الشهير بالراغب في أسنى المراتب وامتدحه بقصيدة وهي قوله
هذي مناي بلغتها لأوأنها = فالحمد للافلاك في دورأنها
الأن قرت بالتواصل أعين = طال اغتراب النوم عن أجفأنها
كم بت في ليل الفراق مردداً = بيتاً يسلى النفس عن أشجأنها
يا ليت شعري هل أرا منشداً = دهما نبذ الدرهم يوم رهأنها
النيل أيتها السفين فليس لي = في فارس ارب ولا أرجأنها
فترشفي من ثغر دمياط المنى = لأظل ذاك الشعب من بوأنها
من فوق حماء القرا نوحية = تثنى بصنعتها على سفأنها
وجناء لارعى الغضا من همها = يوماً ولا ورد إلا ضامن شأنها
سارت فشقت من خضارة أزرقا = شق الثكول السود من قمصأنها
وتعسفت أمواج يم مترع = كالأيم إذ تنساب من كثبأنها
هندية في الماء ألقت نفسها = والهند تلقي النفس في نيرأنها
زنجية غنت لها ريح الصبا = فغدت تجيد الرقص في أردأنها
تمشي على الدأماء فعل ولية = وتطيع جهر أعابدي صلبأنها
دار متى فتحت تلافي هلكها = سكانها أسرى يدي سكانها
أفتلك فتخاء الجناح تصوبت = م الجو فهي تسف في طيرأنها
أم عرمس هوجاء مهما راعها = صوت الرياح تجد في ذملأنها
أم مومس ورهاء ليس يليقها = بعل ولا تأوى إلى أوطأنها
أم تلك من سرب المها وحشية = نشأت خلال الماء مع حيتأنها
آلت على أن لا تقر بمرفأ = والبر كل البر في أيمأنها
أو تجلعن من نيل مصر ورودها = عللاً وتمضي بعد ذاك لشأنها
وهناك نسلمها إلى أخواتها = اللائي غدت تمشي على آسأنها
فتظل بين الموجتين شوارعا = في النيل سبق الخيل في ميدأنها
تنفك تحدوها الشمال فأن ونت = عنها ظللن يقدن في أرسأنها
تسمو لتنظر قلعة الجبل التي = تجلو بطلتها صدا أحزأنها
وإذا أدار الصحب ذكرى راغب = طارت هوى وعصت على ربأنها
المشتري طيب المحامد بالبهي = ويرى قليلاً ذاك في أثمانها
والتارك الماضين من أسلافه = خير محته الناس من أذهأنها
هو كعبة الوزراء أن بصرت به = بدرت إلى التقبيل من أركانها
أزرى بأنشاآته الكتاب بال = لسن الثلاث فإذ عنو لبيأنها
والعرب لو تر مثله لم تفتخر = في قسها يوماً ولا سحبأنها
فخر الدولة آل عثمان بمن = هو كالفريدة من عقود جمأنها
فيمثله أنتظمت ممالك ملكها = وبرأيه وثقت عرى سلطانها
كم راغب في أن يكون كراغب = وأرى المواهب في يدي منأنها
والاسم في الوزراء مشترك ول = كن ما عتاق الخيل مثل هجأنها
فأن اغتد وأوزر النصرة دولة = فهو الشباة لسيفها وسنأنها
حاطت مهابته الممالك قاعداً = كالبيض ترهب وهي في أجفأنها
حتى تسأوى خصبها والأمن من = أرض العريش لمنتهى أسوأنها
من بعد ما كانت مصاعب بفيها = في السوح منها ملقيات جرأنها
وتبيغت فيها دماء فسادها = دهراً فكان البرء في سيلأنها
لم أدر مرهف عضبه أمضى إلى = الأعداء أم يده إلى احسأنها
أبد له لم أنس نائلها وهل = تنسى الغيوم الغر في تهتأنها
وخلائقاً مثل الرياض يزينها = صدح العلوم له على أفنأنها
يا أيها الدستور والشهم الذي = ألقت إليه أولوا النهي بعنأنها
وأخا الصوارم كالبروق كلاهما = يعلو الرءوس فهن من إخوأنها
لم أقصر التمداح فيك وأنما ال = بئر النزوع قصرت من أشطأنها
ضمنك مصر ضم مشتاق إلى = مرأى علاك وشبكت ببنأنها
ولطالما سمعت بأنك واحد ال = دنيا فصدق حدسها بعيأنها
فافخر بها أعلى المناصب أنها = تخت الملوك الصيد في سلطانها
بهرام سيفك في الرقاب وأنت في = أعلى سماء العز في كيوأنها
ولما آب لوطنه الثاني فائزاً من رغائب الراغب بما هو أطرب من هزج المثاني كتب بها إلى شيخه أحمد المنيني وكتب معها ما هذه صورته
ربما خطب ببال سيدي أن يسال عن عبده الأقدم وسهم كنأنته الاقوم من حطه وترحاله وتلاعب الدهر بأحواله ليجدد ربوع العهود الدوارس ويضئ ليالي تفرقنا الدوامس فأخبرها أني امتطيت الدهماء وخبطت بها الدأماء في عشري ربيع الثاني من سنة ألف ومائة وإحدى وستين حتى وردنا النيل في أواخر جمادي الأولى من هذه السنة ودخلنا القاهرة المعزية واجتمعنا بمولأنا الوزير ذوي القدر الخطير راغب باشا وكنت وأنا في البحر قد بغمت بأبيات في وصف السفينة وتخلصت إلى مدحه فأنشدته إياها كما واجهته فأنبسط إليها وأذن وهو بنقد أمثالها قمن والقصيدة المذكورة كتبت لكم إياها في صفحة هذا الطرس وضمخت تلك العروشة بمسك هذا النقس وأنما جلوتها عليكم وزففتها إليكم لما عساكم أن تسايلوا الركبأن وتستخبروا كل نوتى وربأن ما فعل تلميذنا القديم وصديقنا الحميم وهل بقي له في طرابلس شعراَ وشعور أم جرت عليه اذبالها الدهور وهل خمدت نار فهمه أو فل غرار عزمه وحزمه سيدي والقصيدة ليست تصلح للعرض عليكم ولا أن تتلى بين يديكم ولكنها لما كانت في وصف السفينة نادرة الاسلوب معطرة بذكر راغب منها الاردأن والجيوب أحببت أن أرسلها إليكم لتكون سبباً لذكرنا بعد النسيأن ومفخرة لكم عند الاخوأن إذ أنا قطرة من بحرك ونفثة من نفثات بيأنك وسرحك ولك المثل الأعلى في الآخرة والأولى هذا ثم سيدنا قابلنا بالاكرام والأجلال والاعظام من ارسال الملابس الفاخرة والدراهم الوافره واركأبي الفرس المحلى وفوزي من تقريبه بالقدح المعلى فلما كان بين جماد ورجب رأينا كما قيل من الأنقلاب العجب ونزل مولأنا من القلعة وحق على من قصده بالسوء الملامة والشنعة وليست بأول عظيمة ارتكبوها وفرعونية ابتدعوها بل شنشنة من اخزم ونكزة من أرقم وقد سلمه الله تعالى من ذلك الكيد وأيده منه بقوة جنأن وايد ثم رحلنا من الديار وامتطينا غارب الأسفار وخلصنا من أولئك الطغام وبعدنا من تلك الفجرة الفئام حتى توسطنا طريق البحر بعد أن بلغت الأنفس التراقي والنحر جاء بشير من طرف ذلك الدستوز الوزير بأن باشا أعطى منصب أيدين المختلف وصف أهلها بتعصب عصاتها وأهل الدين فخلينا ذلك الفلك السيار إلى أنتحاء قطع تلك المفأوز والقفار إلى أن أنخنا بأحسن مدنها المعروفة كوز الحصار وهو بلد مسور لكنه مطول غير مدور تخترق أكثر بيوته المياه كثير الفواكه والأمراض قليل الأدباء والقراض ما سمعوا بديوأن أبي الطيب ولا عرفوا بكر المعاني من الثيب مع أن تلك البلدة نحو عشرين مدرسة كلها العلم الأدب مدرسه ولولا وجود مولأنا لما قدرت أمكث ما مكثت ملحوظاً مؤيداً ومن وجد الاحسأن قيداً تقيدا سيدي قد كتبت لكم هذه الترهات التي لا حاجة لكم بها ولكنها وسيلة إلى ذكركم إياي وسوآلكم كيف كان مثواي وها أنني استأذنت سيدنا في الصله فأجازني بها مع الاكرام والصله وجئت براً لا بحرا لما قاسيت رعباً وذعرا ويا سيدي وعيشك والحرم أنني نقشت لكم هذا الرقيم من رأس القلم فأسألكم أغماض عين السخط عن كتأبي وأسبال ذيل الودود المحأبي فأجابه بقوله
أعيذك بالقرآن العظيم والسبع المثاني يا من ليس له في عصره ثاني ولله أنت من ساحر بيأن وناثر عقود جمأن وناظم قلائد عقيأن ومطأول سحبأن ومعارض صعصعة بن صوحأن فمن ذا يضاهيك وإلى النجم مراميك وشأوك يدرك وشعبك لا يسلك وها أنت قد اقتعدت النجم مصعدا واعتمت نهر المجرة موردا وسموت إلى حيث النجوم شبائك والمعالي أرائك حتى ملكت المجد بأيد وعلقته من النجدة بقيد وافترعت للمعالي هضاباً وارتشفت من ثغور الأداب رضاباً وجمعت طبع العراق إلى رقة الحجاز واقتطعت كلماتك الجوهرية جأنبي الحقيقة والمجاز وملأت المهارق بيأناً واريت السحر عيأناً وسارت بمناقبك الركبأن واعترف لك بالتفرد كل أنسأن وأقر بالنزول عن درجتك كل من يزعم أنه مسأوي ونسبت إلى محاسنك محاسن أقوام فتبين أنها مسأوي وبلغت من الفضل والأدب مجمع البحرين ومن شرق البلاد وغربها ملتقى النيرين وما ظنك بمن منذ وافى وطنه لم يزل لا بد البدة الأسد قاعداً للأيام بمرصد والليالي تمنيه بكل أمنية والدهر يعده بمواهب سنيه حتى وثب وثبة الفهد ونهض نهضة النمر فخطا خطوة بلغ بها مصر القاهرة فيها من الأدب ما لو بلغ ابن نباتة لما نبت له لينة من آدابه الوافرة فحق لنا أن نطلق عليه أنه من أهل الخطوة ولا سيما خطوة نال بها عند عزيزها أسنى خطوه ولعمري أن من اهتز لسماع قوافيه عزيز مصر هزة العصفور بلله القطر وتهللت أسارير محياه عند القيام بالبشر وطوى ذكر غيره طي السجل للكتاب ونبذ كلامه نبذ الاثم والاصر لجدير بأن يطوى له البعد ويدمث له الحزن وتراض له شماس المطالب وتخضع له أعناق المراتب ويقض شوارد العلى وتطول يده إلى السهى ويصعد حتى يظن الجهول أنه حاجة في السماء
لا تيأسن إذ ما كنت ذا أدب = على خمولك أن ترقى إلى الفلك
فبينما الذهب الابريز مطرحاً في = أرضه إذ غدا تاجاً على الملك
وأما قافيتك البحريه وعقيلة فكرك القسية فما تركب البحر الاستخراج دررها من معادنها والتقاط جواهرها من مكامن أماكنها وأبديت فيها من البدائع والعجائب ما لم يخصه قلم ولا يراع كاتب ولم تزفها بحمد الله إلا إلى راغب وكفؤ لها من غير مدافع ولا منازع ولقد تدأولها الرأوون من ذوي ولائك وابتهج بها المخلصون من أولى ودك واخائك وكانت لديهم أحلى من عطف حبيب وارد وأشهى من رشف اللمى من ثغر عطر بارد بل أطيب من شرخ الشباب وأعذب من ماء السحاب وابتدرت إلى رقمها الاقلام وأنتشت من رحيق سلافها الاحلام لفظ كائن معأني السكر تسكنه فمن تجرع كأساً منه لم يفق وأقبل عليه أرباب الفضائل والافضال ولا إقبال الصاحب على ابن هلال ولا سيما ريحأنة الفضل والأدب وماء وجه ذوي الأقدار والرتب الموليأن الأجلأن والسيدأن الأفضلأن غصنا دوحة النبوة ونيراً فلك الشهامة والفتوه من هما بدرأن في هالة وشمسأن في طفأوة وروحان في جسد والمتحدان اسماً وصفة وأن كانا اثنين في العدد فأنها وقعت منهما موقع الاستحسأن فخلداها في صحائف الاذهأن بعد أن أثبتناها في جرائد الآداب تذكرة لأولي الألباب هذا وأني قد كتبت لكم هذه العجالة جواباً يعثر في أذيال الحجالة بين عجزناه وشوق آمر وفكر ساه ووجد سامر على أني لو كنت فارغ البال عن كل كرب وبلبال مطلق الأسار صقيل مرآة الأفكار لما كنت إلا معترفاً بالقصور قاضياً على طرف فكري بالكبوة والعثور فكيف والأيام قد تركن بالي كاسفاً وخطوي واقفاً وذهني كليلاً وفكري عليلاً بما فار من طوفأن عجائبها وفاض وبلغ الزبى بعد أن أترع الحياض مع تخاذل القوى وهجوم شدائد الهرم والبلوى مما لا ينوء به رضوى وخيأنة الحواس الظاهرة والباطنة وظهور محن كانت أيام الشباب كامنه كما قال من أسلمه الكبر إلى ضعف السلامي والأوصال أبتات أصبحت لا أحمل السلاح ولا أملك راس البعيرأن نفرا وإلى الله المشتكى من دهر إذا أساء أصر على إساءته فلقد جمح فأعيى الرواض ولم يبق له سهماً في الوفاض إلا وقد قرطس فيما ينويه من الأغراض ولقد ذكرت في هذا المعنى أبياتاً كنت أنشأتها وأنا في الروم زعمت أني لم أسبق إليها فإذا معناها في أبيات فارسية ومضمونها أن ما بعد الغين من لفظ عالم ألم واحد الآلام وهي
أن الزمان لأهل الفضل ذواحن = يسومهم محنا كالسيل في الظلم
فهل ترى عالماً في دهرنا فتحت = من غمضها عينه الأعلى ألم
والجاهل الجاه مقرون بطالعه = أن النعيم يرى في طالع النعم
فافطن لسر خفى دق مدركه = يناله ذو ذكا والفهم من أمم
ولكن هذه الأبيات لا تنطبق على مثلي والأليق بحالي المطابق لامثالي قول صاحب معاهد التنصيص
أرى الدهر يمنح جهال = وأوفر حظ به الجاهل
وأنظر حظى به ناقصاً = أيحسبني أنني فاضل
ونحن والسيدأن المشار إليهما أنفاً نضرع إليكم أن تشرفوا وطنكم الأصلي دمشق الشام بالزيارة ولو زيارة المام عدة ابام لنبل بروياكم الأوام ومن نار البعاد لهيب الضرام والسلام وللمترجم من قصيدة
أرى قوامك من مياس املود = فما لقلبك من طماء جلمود
وأن بخدك مخضر العذار بدا = فالموت الأحمر في أجفأنك السود
يا محرقاً بهجير الهجر جسم فتى = ضم الضلوع على أحشاء مفؤد
ومرسلاً من جفون حشؤها سقم = رواشقاً لا يقيها نسج داود
نعطفا يا غنى الحسن في دنف = لسائل الدمع منه أي ترديد
نهاره الليل أن أوحشت ناظره = ما لم ير الصبح من ذيالك الجيد
يا للعجائب من ريم لواحظه = ترتاع من سحرها الآساد في البيد
يدر نبوأ مني القلب منزلة = ليت الذراع حظى منه بتوسيد
وهو من قول العناياتي حل من منزليه بالطرف والقلب فأضر لو يحل الذراعا
ذو مبسم قد حوى در تخلله = ماء الحياة ولكن غير مورود
وقامة كغضيب البأن رنحها = ماء الصبا الغض لا ماء العناقيد
ذوو جنة كجنى الورد ناضرة = تزيدها نظراتي أي توريد
وفي المعنى لبعضهم
يا من يجود بموعد من خده = ويصد حين أقول ابن الموعد
ويظل صباغ الحياء بخده = تعبا يعصفر تارة ويورد
هو من قول الأبيوردي
نظرت إلى وجه الحبيب وفي الحشا = تباريح وجد لا تريم ضلوعي
فطرزه بالجلنار حياؤه = وطرز خدي بالشقيق دموعي
وقال آخر
خالسته نظراً وكان مورداً = فاحمر حتى كاد أن يتلهبا
وقال آخر
حلو الفكاهة لا عيب ينقصه = إلا الصدود واخلاف المواعيد
رجع هو من قول بعضهم
ولا عيب فيهم غيرأن سيوفهم = بهن فلول من قراغ الكتائب
وقول الآخر
ولا عيب فيه غيرأن خدوده = بهن احمرار من عيون المتيم
وقول الآخر
أحبب به وليالي الأنس تجمعنا = في ظل عيش مع الأحباب ممدود
أزوره وعليه في الدجى مقل = من الأسنة لم تكحل بتشهيد
لا أهب البيض في بيض النحور ولا = من طعنة في الخدود الحمر أخددي
حتى حسبت السها عينا بها سنة = من الكبرى وسهيلاً قلب رعديد
ويا رعى اللّه أيام الصبا فلكم = أمسى يلذ بها عذلي وتفنبذي
فلم أرى بعدها دهر اليسر سوى = زمأن مفتي الورى ذي الفضل والجود
وله من قصيدة
خذ جأنباً عن سهام اللحظ والحدق = فدرع صبرك منها الأن ليس بقى
وأن شككت بفتك الغيد قاتله = تصيد أسد الشرى في سالك الطرق
فذا فؤادي جريح من لواحظها = وذي دموعي حكت للوابل الغدق
فتى بحب الغوأني لا يزال به = ضرب من السحر أو داء من القلق
من كل ماءسة الأعطاف لو رمقت = مدامعي لم تصل عطفاً على رمقي
تمشي وتسحب ذيل الدل رافلة = تثنى الغصن في خضر من الورق
وربما التفتت شذراً بمقلتها = للعاشقين وهم صرعى على نسق
يا جنة الخلد هلا نهلة لشج = من كوثر الثغر تطفي لاعج الحرق
أعيذ بالميل داجي الشعر منك وبال = ضحى المحيا وزاهي الجيد بالفلق
عجبت منك وأنت الشمس طالعة = وفي خدودك تبدو حمرة الشفق
وليلة بالنجوم الزهر تحسبها = عروس زنج لها حلي من الورق
والنسر مد جناحاً ليس يقبضه = كانه حائم جوعاً على لمق
وقد تبدى السهى للعين مختفياً = يحكي لأنسأن عين في البكا غرق
مظعتها بفتاة ظلت أشربها = من صرف ريقتها في حالك الغسق
تقول إذ مال بي سكر الهوى وغدا = لخصرها ساعدي كالطوق للعنق
هأورد خدي مسك الخال نقطه = طوبى لملتثم منه ومنتشق
ولست أنسى لها قولاً وقد علقت = أيدي النوى بعنأني أي معتلق
أي البلاد تؤم اليوم مجتدباً = وما بكأس الندى فضل لمغتبق
والجود قد مات من يحيه قلت لها = يحيى فباب رجاه غير منغلق
فتى على البعد أن أضللت ساحته = هداك باهيي سنا من وجهه الطلق
هو من قول البهاء العاملي من قصيدة
خمرة أن أضللت ساحتها = فسنا نور كاسها يهديك
منها
يا من على السحب قد آلى ليلثمها = قبل يديه وأن تحنث ففي عنقي
يا من مدى الدهر لا تحصى مدائحه = ومن يرم حصرها بالنطق لم يطلق
من لي بدر النجوم الزهر أنظمها = فغيرها بسوى علياك لم يلق
وهاكها من نبات الفكر غأنية = تهدي نسيم الصبا من نشرها العبق
بكر من العرب ما قد شأن بهجتها = سبى ولا سمعتها اذن مسترق
وقال مضمناً شطر للفتح النحاس الحلبي
بنفسك بادر رم بيتك واجتهد = وأن لم تجد أحكامه واصطناعه
ولا تدخل العمار دارك أنهم = متى وجد وأخرقا أحبوا اتساعه
وله من قصيدة
قد تبدى لنا محيا الصباح = واستطار الكرى نسيم الرياح
فأجلياها على بكر مدام = بكرت بالسرور والافراح
كاحمرار الشقيق لوناً وأن شئت = فقل لي شقيقة الارواح
شمس راح قد أشرقت في سماء ال = دن تختال في بروج الراح
تفضح الشاربين بالشفق الأح = مر بعد الغروب أي افتضاح
نار فرس وكم سجدت إليها = وفتى الاغتباق والاصطباح
تشبه العسجد المذاب لدى المز = ج وفي الطعم ذائب التفاح
فاسقنيها على محياك يا بد = ر وجاهر بها على المصباح
يا نديمي وللهوى بفؤادي = منه سهام العيون أي جراح
كيف لي بالسلو في الحب أو من = سجن هذا الغرام كيف سراحي
أشتكيك الهوى ولم أشتكي من = جور عدل القوام شاكي السلاح
وجهه روضة الجمال ولكن = لا يريني بالابتسام الاقاحي
لعبت خمرة الدلال بعطفي = ه فأمسى ينبه سكرأن صاحي
نافراً أن لمسته نفرة العا = شق عند استماع قول اللاحي
يا شبيه الغصون اسكرت من اح = داقك النجل خمرة الاقداح
صل شهيد البدر حسنك في مع = ترك الحب يا نبي الملاح
طال ليل المحب لم ير صبحا = طالعاً من جبينك الوضاح
إلى آخرها وهي طويلة وله أيضاً
قالوا علام تركت جامع جلق = شهر الصيام وليس ذاك بسائغ
قلت المبيح به لترك جماعة = برد الشتاء ورؤية ابن الصائغ
وابن الصائغ المذكور وهو رجل من الطلبة كان من مشهوراً بغلظ الطبع وللمترجم حين كان بالروم في عام أطبق شتاؤه واحتجبت بالغيوم أياماً كثيرة كواكبه وسماؤه فقال
للشمس هل تعلمون من خبر = أم هل وقفتم لها على أثر
ضلت طريق المسير أم غرقت = في البحر أم أقعدت من الكبر
أم أسد النجم رام يقنصها = فاستترت بالغمام من حذر
أم حسبتها السماء شمس طلا = فارتشفتها على سنا القمر
فلا تراها الدوام صاحية = وقد حست من مدامها العطر
يا لهف نفسي لفقد نيرة = كانت سراج العشي والبكر
فالأفق يشكو لطول غيبتها = والجو يبكي بأدمع المطر
ويا شقائي بذا الثناء وهذا = الوحل قد حل عقد مصطبري
طوفأن طين لم يعتصم أحد = في البدو من لوثه أو الحضر
زركش أثوابنا ودبجها = حتى غدت تزدري على الحبر
ورب بيت غدا مشيده = يبكي بدمع للسقف منحدر
حتى الزرأبي مع نمارقة = رأيتهم يسبحون في نهر
هذا دم للسحاب منسفك = بسيف برق عليه مشتهر
ومما كتبه لبعض أحبابه في نحو ذلك سيدي كفيت النوائب ووقيت عوادي الغوادي ومس السحائف وتبرأت من غث عيث الأنواء ومن تراكم ركامها المفضي إلى الأقواء وننهى أنه ما خفى عنه ما أتى في هذا العام من حال الشتا ومطره الجاري كتموج البحر العجاج وسحابه المبرق الذي هو والرعد ذو امتزاج وفعلاته التي فعلها في دمشق الشام حتى تعدى النفح وبرزة والمقام فنفر ثلجه البارد طيرها السارح وغرق في لحج السرطأن حوتها السابح وشرد أوأنس الوحش وأخفر ذممها وألم بفنن الأطواد وشيب لممها ومر بالابذية المشيدة فهدم قوائمها وأشار إلى القصور فأندكت دعائها ولطم خدود الشقيق بأنامل كف وأبكى الكمائم بعد ضحكها من وكفه وصارت الأشجار بين يديه صرعى والنبات لا نصرة ولا مرعى وادي يومه بوقت الصباح مسا وأنسى الرجال حالهم وأبكى النسا اللهم تفويضاً لقضائك وتسليماً لأمرك واستدفا عالملا النازل بمزيد شكرك هذا بدمشق المؤملة للجنوب تصاعفت منها القوى والجنوب فليت شعري كيف بلاد الاقبال وقد مالت إلى اليمين والشمال فهل صينت منه حماة وحميت أو قاحت دملها بتلجها بعد ما دميت وهل أقام العاصي على مدافعته أو أطاع الشريعة وأجاب نهر المرافعة وهل اجتنب السحاب مسأنها أو اجتلب لو ترك معرة المعرات وعم الحافل وحلب وكيف كان حال المولى النمر مع الشتاء الجموح والغيث المنهمر وبرد السحب تشقق بمدية الرعود والافق بالبرق مذهب الرايات والبنود والأيام طوت بالقصر منشور طولها واهوية نشرت القتام بمطوى هولها فهل طلعت الشمس بعد مغيبها وأرت حق اليقين لعين مريبها وهل جادت بقرصها لدى نار أو سمحت بعد وصي ثلجها بدينار وهل نسخ شباط أحكام تشرين ونشر بالبشارة ورداً أبيض ونسرين وهل هب من حزيرأن نافحه فأطفئ من جمر كانون لافحه وهل شممتم للربيع المريع نشر وحظيتم بحسن معدنه البديع بشرى فعطروا مجامعنا منه بنوافح الطيب وشنفو ما معنا بخبر حديثه الغريب وأنبؤنا بمنطق ورقه الصأوحة واطباره وهل كسيت بالخلل عرائيس أشجاره فبالله أسرعوا بالجواب والعجل فالعين متاسحة والقلب في وجل لا زالت قائمة بخدمتكم الأقلام والبراعة منشى في البدأ والختام
أن صفقت طور الدياجي = وتسربلت سبل الدواجي
فهلا لها مثل اللجين = كانما هو فوق عاج
تلقى به سحب الشتا = رمت الدياجي بالدماج
ليل تخلله الحيا = في صبغتي عفص وزاج
طمست معالم شمسه = سحب مصدعة الزجاج
شابت نواصي نوئه = وأتت معتقة الرتاج
لقح الثرى بثلوجه = فغدت مقطعة النتاج
ومقت شفوف سحابه = لكنها دعمت بساج
والفجر وهم في الدجى = واليل مثل الطرف ساجي
والرعد قلب واجف = والجو كالرحل المداجي
والبرق نبض عرقه = تحت الدجى مثل اختلاج
سقطت شأبيب الحيا = وجرت على كل الفجاج
عذب فرات سائغ = لكنه ثمل الاجاج
ثلج أقام على الربى = وكانه حلب النعاج
ملأ البسيطة فضة = مبثوثة لا لاحتياج
صاغ القلائد للربا = وجلا القلائد للمحاج
أتظنني في مدحه = ذاك المعرض للاهاج
قد لج صوت سحابه = ماء السحائب واللجاج
لزم الثرى فكانه = قد جاء يطلب بالخراج
فلكم رمى رجلاً بكسر = ثم رأسا بالشجاج
فالجرف ذو شرخ به = والطوف منه في أنفلاج
ولقد تمرد دأوه = وطغى على أهل العلاج
عمت بلاياه الورى = ما في الورى منهن ناجي
هل في الأنام من الورى = كنفي يضم إليه لاجي
من وجهه شمس الضحى = وجبينه ذو الأنبلاج
ليظل يطعن نحره = منه بأطراف الزجاج
ويشيمنا برق الربيع = بروضة ذات ابتهاج
نشم نشر زهورها = من بعد طي وأندماج
ونسيمها يروى أحا = ديث المسرة بامتزاج
فلما وصل إليه كتب الجواب وأرسله وهو قوله ورد المثال الذي رفع قدراً يروي أحاديث بشر ويسند بشرى فمال العبد بالسرور جأنباً وقال بشراي إذ كنت عبداً مكاتباً وكنت كثيراً أرأود نفسي المنازعة أن تجهز إلى باب سعادتكم مطالعه تنبي بما جل بحماة المحروسة وما جرى على ربوعها المأنوسة إلى أن ورد المثال البديع الذي يقصر عن مماثلته البديع أما القصيدة المزرية جواهرها بالجمأن الفائقة على نظم العقود الحسأن فكادت أن تستوجب قافية الجيم ومعارضها يحتاج في تحصيل القافية إلى التنجيم وإلا فمن يحصل هذه القوافي ويكون في حسن المعارضة موافي وما يقدر على نظم الجواهر إلا الملوك الصيد والأكابر الأكاسر وأما النثر فما النثرة من أمثاله ولا الجوزآء من أشكاله وحق من ملك المولى زمام الكلام وأقدره على صوغ النثر والنظام أن فضل مولأنا أشرق في الأقطار واشتهر اشتهار الشمس في رابعة النهار فلا نجد شاعراً إلا تحلى بأشعاره ولا نرى ناثراً إلا اجتلى بديع نثاره
خصصت بفضل ليس يوجد مثله = وذلك فضل اللّه يؤتيه من يشا
وأنهى الجناب أحوال الشتاء العام الذي ثقل على الخاص والعام فقد امتدت على البسيطة سدته وطالت على جميع العالم شدته فنصب خيمته وضرب أوتاد الثلوج وسرح مواشي الريح والبرد بالمروج ورمى الوجود ببنادق برده بشتائها وأعرب عن تراكم ثلجها وأنوائها ووصف من ذلك ما يعجز الخنساء بوصفه ويتحقق السامع منه حقيقة ضعفه فأما حماة فقد حل حماها فأذهل أهلها من المصائب ودهاها فأول الفصل كفاها الله وحماها وأفاض بسمائها أنوار الشمس وضحاها وزين الأفق بدرر الواكب وحلاها وأبدر قمرها في الليل إذا يغشاها ثم تغيرت الأنواء وتراكمت سحبها الثقال وتعاظمت حتى صارت ثقل الجبل وزادت الرعود فارتجت الأرض رجا وبرد الجو فعقد الماء ثلجاً واشتملت قضايا الأنواء على الدوام ودلت بمطابقة الثلوج دلالة التزام فترى وجه البسيطة بفضة مرشوش والجبال عليها منه كالعهن المنفوش فكم من خليل به أمسى مبرداً فاعتزى إلى الكسائي والفراء فأنسج وارتدى وأنكر جبال حماه من يراها وتأبضت بالثلوج شراً فشاب قرناها وأما العاصي فكان أمره عجباً ومنظره يقصر عن وصفه الادبا حمل العاصي فأجرى في حماة نيل مصرا فاعجبو يا قوم منه كان نهراً صار بحراً قد مد حتى جأوز الحد واشتد في حملته وما ارتد ودارت على نواعيره دوائر التلف وحل بجسوره الاقواء فأمست على شرف ودخل المساكن النهرية فارتحل أهلها من حيث طما بها عليها ونهلها فكم من جدار قد أنقض وبناء مشيد قد رفض وركن بركن إليه قد سقط وحائط حيط بالدعائم قد هبط وتخوت أخذها الماء غصباً فاحتملها وسقوف اقتلعها من السقوف فأنزلها ورواشن أتاها فخلخلها من القواعد وقصور عالية رماها بمنجنيق الرواعد ولطف الله تعالى بزيادة في النهار وأخبر عن حاله حفظاً للجوار ثم صحت السماء وتقشعت السحب وبدا وجه الشمس من الحجب وبشرا شباط بقرب مقدم الربيع وبسط له الفرش بالروض المربع وفاحت نسمات الصاب بنشر عبيره ولاحت أنواع الخصب بورود بشيره وصدحت الورق فرحاً بمقدمه وغنت فتحركت النفس لأيام الصبا وحنت وأنشرح صدر المصدور واستقر خاطره وتمتع بهذا الخبر سمعه وقر ناظره ونسى ما كان من نكد الأيام وعفا عن المبدأ بحسن الختام
سفرت فاشرقت الدياجي = بالنور اشراق السراج
خود إذا ابتسمت رأي = ت الصبح آذن بأنبلاج
وجناتها تحت الشوا = لف وردة تحت السياج
أردافها مما ثقلن = إذا مشت ذات ارتجاج
باتت تناجيني فيا = للّه ذياك المناجي
وسعت إلى بخمرة = صهباء صافية المزاج
بيضاء جلت أن يشو = ب وصلها أنكد الزواج
صيغت من الدر البيا = ض وطوقها المسود ساجي
بياضها وسوادها = ملكت مرادي لاحتياجي
وحكت مثال جاءني = بوزوده زاد ابتهاجي
اهدى إلى مسرة = وبشكره عظم ابتهاجي
فعقوده في نظمها = ذات أنفراد وازدواج
ألفاظه في نفسها = برق تألق بالدياجي
متضمناً أمر الشتا = ء وثلجه العسر العلاج
قد أوضحت من أمره = بالشام ما آذى مزاجي
فتشابهت فيه البلا = د فنشره فيها مفاجي
أما حماة فأنه = وافي إليها بأنزعاج
وأقام فيها مدة = يسطو عليها في لجاج
فكانه وافى إليها = طالباً مال الخراج
عقدت حمائم سحبه = ها فوجه للجو داج
نصبت فخاخ ثلوجه = للساريين على الفجاج
وأطارت الريح الثلو = ج كما استطارت بالعجاج
قد شاب قرناها بها = وتأبطت شراً مفاجي
ضاعت مصالح أهلها = فصدورهم ذات أنحراج
لوأنها تصحى لهم = أضحوا على عزم الهجاج
وظمى بها العاصي إلى = أن صال كالليث اللهاج
كم من جواد قد تخلخل = فأنثنى مثل الخراج
ورواشن سقطت فهن = إلى حمى العاصي لواجي
وتمازجت آلاتها = بمياهه أي امتزاج
ورفارف مثل الجفون = إذا علت ذات اختلاج
أخذ التخوت فأصبحت = في الماء كالسفن النواجي
ورمى النواعير التي = كانت تدور على رواج
دارت بها أفلاكها = منكوسة ذات أنعواج
فتطايرت أرياشها = فيها ولا ريش الدجاج
فتت مغالفها وكا = نت قبل مغلقة الرتاج
ولسوف ياتيك الربيع = فيطرد البرد المفاجي
وتطيب أوقات الزما = ن فمالها في الناس هاجي
والروض بفتح وردة = من بعد طي وأندماج
وترى الأزاهر قد بدت = في روضها ذات ابتهاج
وتزول كافات الشتا = ء بغير بحث واحتجاج
أمر الشدائد لم يزل = وهمومها ذات أنفراج
وأسلم ودم لا زلت في = الأيام ملجا كل راجي
وكان قدم خلب صحبة واليها الوزير الراغب المقدم ذكره فتوفي بها وكانت وفاته يوم الاحد الثاني عشر من رجب سنة تسع وستين ومائة وألف بتقديم تاء التسعين ودفن خارج باب قنسرين بتربة الشيخ ابن أبي النمير رحمه الله تعالى
المرجع
الكتاب : سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر
المؤلف : المرادي