أم شمس
02-03-2011, 08:14 PM
أبو الذهب محمد بيك عبد الله
أبو الذهب محمد بيك بن عبد الله رئيس الأمراء الكبار بالديار المصرية كأن مولى من موالي الأمير علي بيك ثم لما صدر من والي دمشق الوزير عثمان باشا بعض الأمور مع أهل غزة والجاهم في الشكاية عليهم إلى الأمير علي بيك المزبور فعين الأمير علي بيك للركوب على الوزير عثمان باشا والانتقام منه صاحب الترجمة وجهز معه العساكر الكثيرة والذخائر فتوجه جهة دمشق وكأن وصوله إليها يوم الاثنين تاسع عشر صفر سنة خمس وثمانين ومائة وألف وكأن معه تسعة صناجق وخمسة من أولاد عمر الظاهر أمير بلدة عكا ومشايخ المناولة والصفديه أهل البدع والرفض ومعه نحو ثمانين مدفعاً وأربعين ألف مقاتل وكأن عثمان باشا لما سمع ما صدر من شكاية أهل غزة وتجهيز العساكر لقتاله من جهة الديار المصرية وكأن الأمير علي بيك أرسل لوالدنا مكتوباً يخبره بما صدر من عثمان باشا وأنكم أن لم تسلموه نلقاكم بالرجال والأبطال فأخبر والدنا وعثمان باشا الدولة العلية بهذا الأمر فعينت الدولة لقتال العساكر المصري ودفع غائلتهم عن البلاد الشامية والي حلب عبد الرحمن باشا ووالي كليس خليل باشا ووالي طرابلس محمد باشا المزبور وتوفي والدنا في أثناء ذلك قبل وصلو أبي الذهب إلى الشام فلما قدم أبو الذهب بعساكره المار ذكرها ونزل بقرب داريا الكبرى ووصل خبره إلى دمشق خرج للقائه الوزراء الأربع بالعساكر الشامية والأجناد وصارت المعركة في سهل داريا المزبورة وفي أقل من ساعة أنكسر العسكر الشامي وفر هارباً كل من خليل باشا وعبد الرحمن باشا وعساكرهما وقتل منهم شرذمة قليلة وثبت كافل دمشق عثمان باشا وولده محمد باشا والعساكر الشامية وحصل القتال معهم ثلاثة أيام ثم في ليلة الجمعة رابع عشر صفر المزبور ذهب عثمان باشا فاراً مع ولده محمد باشا وصبحة الجمعة ورد مكتوب من أبي الذهب لعلماء دمشق وأعيانها يطلبهم لمواجهته في ذلك اليوم كل من العلامة علي بن صادق الطستاني مدرس الحديث تحت القبة والمولى أسعد بن خليل الصديقي أحد الرؤساء بدمشق الشريف محمد بن أحمد العاني أحد المدرسين بالجامع الأموي وحين وصلوا عنده طلب منهم تسليم دمشق وأنه لا بد له من أخذها على أي حالة وتوعدهم أن خالفوه أنه يحرقها ويأسر جميع أهلها فأمهلوه بالجواب إلى يوم السبت حتى يجتمعوا ويشاوروا أهل دمشق من الأعيان والعلماء والأوجاقات ففي تلك الليلة ليلة السبت هربت الأعيان وعثمان باشا وولده ورئيس اليرلية يوسف أغا ابن جبري ولم يبق في دمشق مقاتل واستولى على الناس الخوف والفزع والقلق وغص الجامع الأموي بأهالي القرى فأنهم نزلوا جميعاً بأهلهم وأمتعتهم ومواشيهم إليه وكأن ذهاب الفارين إلى بلدة حماه ففي صبيحة يوم السبت هاجت الضعفاء بدمشق وذهبوا إلى العلماء حيث لم يجدوا من يدافع عنهم وتوسلوا بهم أن يواجهوا المترجم ويسلموه الشام ويدفعوا عنهم غائلته فخرج لملاقاته كل من العلامة علي الطاغستاني المار ذكره ومفتي الشافعية بدمشق السيد محمد شريف بن الشمس محمد الغزي العامري وخطيب الجامع الأموي المولى سليمان بن أحمد المحاسني والعلامة خليل بن عبد السلام الكاملي فلاقوا العساكر عند قرية القدم متوجهة لدمشق لأجل القتال فطلبوا منهم المهلة حتى يواجهوا أبا الذهب فلما دخلوا عليه قابلهم بغاية الإكرام فأخبروه بأنه لم يبق في الشام مقاتل وقالوا له أن البلد لمولانا السلطان مصطفى خان فتسلمها أنت واحقن دماء المسلمين وكف عن أموالهم وكأن رئيس جند القول مصطفى أغا المطرجي لما فراعيان دمشق وكافلها وصار ما تقدم أغلق باب القلعة الدمشقية وحاصر فسألهم أبو الذهب المترجم عن القلعة فأخبروه بما وقع وطلبوا منه أن يخرج لهم من ينادي في شوارع دمشق بالأمان ورفع القتال ففعل ذلك ثم رفع القتال عن أهل دمشق وصار عسكره ينزل إليها ولا يتعرضون لأحد من أهلها بأذى ثم بعد أيام حاصر القلعة الدمشقية ونصل لها الأطواب من المرج الأخضر وضربها بالقنابر فصارت تنزل القنابر على أهل البلد ولا تصيب القلعة حتى وقع على سقف الجامع الأموي منها واحدة فخرقته وأزعج الناس لذلك انزعاجاً كلياً فخرج إليه بعض العلماء وأخبروه بما صار وأن هذا الأمر ليس بأمان لأهل دمشق وأخبروه بما فعلت القنابر في البلد واستمر الحال على ذلك إلى يوم الاثنين رابع ربيع الأول هذا لسنة فورد من أورديه كتاب مضمونه
أنه كان سبب مجيئنا إلى هذه البلاد الشامية لأجل مقاتلة عثمان باشا فلو خرج لنا لخارج البلدة ما قارشناكم وسبب تعرضنا للقلعة أن بها عثمان باشا وأمواله فلما تحققنا ذهابه وأنه ليس بها رفعنا القتال عنها وما مرادنا بلدتكم ولا أضراركم وأذيتكم وهذه بلدة مولانا السلطان الأعظم مصطفى خان والقلعة أبد الله خلافته إلى يوم الدين ولم يقع من عسكرنا أذية لأحد من أهل الشام فنرجوا أن تبتهلوا بالدعاء لحضرة مولانا السلطان ولنا بالتبعية واذكرونا بالخير والجميل والسلام وطلب الجواب من أعيان دمشق وعلمائها عن ذلك فأجابوه أنه وصل كتابكم وعرفتمونا أن سبب مجيئكم عثمان باشا وقد ذهب وأن البلدة بلدة مولانا السلطان وما مرادنا البلدة والآن أنكم عزمتم على العود إلى مصر فتوجهوا إلى حيث شئتم والسلام وثاني يوم وهو يوم الثلاثاء خاسم ربيع الأول رحل عن دمشق متوجهاً إلى مصر فعند ذلك اجتمع علماء البلدة في دار السعادة وكتبوا لكافل دمشق الوزير عثمان باشا جميع ما صدر وأن أبا الذهب رحل عن دمشق متوجهاً إلى مصر في يوم الخميس سادس عشر ربيع الأول ورد إلى دمشق كافلها عثمان باشا وولده محمد باشا والقاضي العام بها محمد مكي أفندي بن إبراهيم أفندي والأعيان والأفندية والعساكر التي كانت فرت وقدم رئيس اليرلية يوسف أغا ابن جبري من جبل الدروز ومعه خمس آلاف درزي وأنزلهم في البلدة بأمر من عثمان باشا ثم بعد مدة أيام رفع عثمان باشا يوسف أغا المزبور إلى سجن القلعة وأمر بخنقه فخنق لأنه كأن السبب في تقوية الدولة المصرية على العساكر الشامية طمعاً منه في قتل عثمان باشا وصيرورته مكانه كافلاً بدمشق فما قدر الله ذلك وأرجع كيده في نحره فلا قوة إلا بالله ثم لما رجع المترجم ووصل إلى القاهرة وأخبر مولاه علي بيك بما فعل لم يرض بذلك ولامه على تركه الشام بعد الاستيلاء عليها وطرده فصار أبو الذهب من أعدائه فخرج من مصر إلى بلاد الصعيد وجهز عساكر عظيمة ورجع إلى مصر فطرد منها مولاه المزبور واستولى مكانه فخرج هارباً علي بيك بعساكره وجاء إلى عكا ووقع عند عمر الظاهر وطلب منه أن يعينه على قتل أبي الذهب فجهز له عساكر جمة وأرسلها معه وأصحبه زمرة من أولاده وأجناده فخرج وقصد مصر فلما بلغ خبره أبا الذهب خرج من مصر لملاقاته فتلاقى الجمعان وتقاتلا وكأن الغالب أبا الذهب فقتل علي بيك المزبور وأكثر في عسكره السفك وإراقة الدماء ومن جملة المقتولين صليبي بن عمر الظاهر وتفرقت عساكر علي بيك والظاهر ايدي سبا ثم رجع أبو الذهب إلى مصر واستقل برياستها ثم في سنة تسع وثمانين ومائة وألف توجه من مصر بالعساكر العظيمة والعدد والعدد قاصداً أجلاء الظاهر ودولته وقتله وقتل أولاده فلما بلغ الظاهر هذا الخبر استعد لمحاصرته ومضاربته وأرسل إلى بلدة يافا أعيان شجعانه الذين كأن يسميهم بالفداوية وأمرهم أن يكونوا بقلعة يافا يحصونها بالأطواب وبقي هو في بلدته عكا قلائل ورأى أنه يطول المر به في المحاصرة لها فأمر باصطناع مدفع عظيم مساحة كلته ذراع وثلث ثم أنه أمر بوضعها في المدفع مع قنطارين من البارود وأبعد معسكره عنه أربعة أميال ثم أمر برمي المدفع المذكور على القلعة فلما قوص هدمها على أهلها فخرج بعض أهاليها وقتل البعض فأمر بالقبض على من خرج سالماً وربطهم بحبل على بعضهم بعضاً ثم جلس على كرسي وأمر بضرب أعناقهم فضربت أعناقهم عن آخرهم وهو جالس ينظر إليهم ثم في ثاني يوم من قتلهم وهدم تلك البلد عجل الله له الموت فمات ثاني اليوم مسموماً بسم أرسله له عمر الظاهر وجعل لمن أدخله عليه خمسة آلاف دينار ثم أن أعيان دوله جوفوه وحملوه ميتاً إلى القاهرة فدفن بالجامع الذي أنشأه تجاه جامع الأزهر وقد أرخ وفاته أديب مصر وشاعرها الشيخ قاسم الملقب بالأديب الشافعي بقوله أنه كان سبب مجيئنا إلى هذه البلاد الشامية لأجل مقاتلة عثمان باشا فلو خرج لنا لخارج البلدة ما قارشناكم وسبب تعرضنا للقلعة أن بها عثمان باشا وأمواله فلما تحققنا ذهابه وأنه ليس بها رفعنا القتال عنها وما مرادنا بلدتكم ولا أضراركم وأذيتكم وهذه بلدة مولانا السلطان الأعظم مصطفى خان والقلعة أبد الله خلافته إلى يوم الدين ولم يقع من عسكرنا أذية لأحد من أهل الشام فنرجوا أن تبتهلوا بالدعاء لحضرة مولانا السلطان ولنا بالتبعية واذكرونا بالخير والجميل والسلام وطلب الجواب من أعيان دمشق وعلمائها عن ذلك فأجابوه أنه وصل كتابكم وعرفتمونا أن سبب مجيئكم عثمان باشا وقد ذهب وأن البلدة بلدة مولانا السلطان وما مرادنا البلدة والآن أنكم عزمتم على العود إلى مصر فتوجهوا إلى حيث شئتم والسلام وثاني يوم وهو يوم الثلاثاء خاسم ربيع الأول رحل عن دمشق متوجهاً إلى مصر فعند ذلك اجتمع علماء البلدة في دار السعادة وكتبوا لكافل دمشق الوزير عثمان باشا جميع ما صدر وأن أبا الذهب رحل عن دمشق متوجهاً إلى مصر في يوم الخميس سادس عشر ربيع الأول ورد إلى دمشق كافلها عثمان باشا وولده محمد باشا والقاضي العام بها محمد مكي أفندي بن إبراهيم أفندي والأعيان والأفندية والعساكر التي كانت فرت وقدم رئيس اليرلية يوسف أغا ابن جبري من جبل الدروز ومعه خمس آلاف درزي وأنزلهم في البلدة بأمر من عثمان باشا ثم بعد مدة أيام رفع عثمان باشا يوسف أغا المزبور إلى سجن القلعة وأمر بخنقه فخنق لأنه كأن السبب في تقوية الدولة المصرية على العساكر الشامية طمعاً منه في قتل عثمان باشا وصيرورته مكانه كافلاً بدمشق فما قدر الله ذلك وأرجع كيده في نحره فلا قوة إلا بالله ثم لما رجع المترجم ووصل إلى القاهرة وأخبر مولاه علي بيك بما فعل لم يرض بذلك ولامه على تركه الشام بعد الاستيلاء عليها وطرده فصار أبو الذهب من أعدائه فخرج من مصر إلى بلاد الصعيد وجهز عساكر عظيمة ورجع إلى مصر فطرد منها مولاه المزبور واستولى مكانه فخرج هارباً علي بيك بعساكره وجاء إلى عكا ووقع عند عمر الظاهر وطلب منه أن يعينه على قتل أبي الذهب فجهز له عساكر جمة وأرسلها معه واصحبه زمرة من أولاده وأجناده فخرج وقصد مصر فلما بلغ خبره أبا الذهب خرج من مصر لملاقاته فتلاقى الجمعان وتقاتلا وكأن الغالب أبا الذهب فقتل علي بيك المزبور وأكثر في عسكره السفك وإراقة الدماء ومن جملة المقتولين صليبي بن عمر الظاهر وتفرقت عساكر علي بيك والظاهر ايدي سبا ثم رجع أبو الذهب إلى مصر واستقل برياستها ثم في سنة تسع وثمانين ومائة وألف توجه من مصر بالعساكر العظيمة والعدد والعدد قاصداً أجلاء الظاهر ودولته وقتله وقتل أولاده فلما بلغ الظاهر هذا الخبر استعد لمحاصرته ومضاربته وأرسل إلى بلدة يافا أعيان شجعانه الذين كأن يسميهم بالفدأوية وأمرهم أن يكونوا بقلعة يافا يحصونها بالأطواب وبقي هو في بلدته عكا قلائل ورأى أنه يطول المر به في المحاصرة لها فأمر باصطناع مدفع عظيم مساحة كلته ذراع وثلث ثم أنه أمر بوضعها في المدفع مع قنطارين من البارود وأبعد معسكره عنه أربعة أميال ثم أمر برمي المدفع المذكور على القلعة فلما قوص هدمها على أهلها فخرج بعض أهاليها وقتل البعض فأمر بالقبض على من خرج سالماً وربطهم بحبل على بعضهم بعضاً ثم جلس على كرسي وأمر بضرب أعناقهم فضربت أعناقهم عن آخرهم وهو جالس ينظر إليهم ثم في ثاني يوم من قتلهم وهدم تلك البلد عجل الله له الموت فمات ثاني اليوم مسموماً بسم أرسله له عمر الظاهر وجعل لمن أدخله عليه خمسة آلاف دينار ثم أن أعيان دوله جوفوه وحملوه ميتاً إلى القاهرة فدفن بالجامع الذي أنشأه تجاه جامع الأزهر وقد أرخ وفاته أديب مصر وشاعرها الشيخ قاسم الملقب بالأديب الشافعي بقوله
ألا فأنظروا في الدهر ولا تأمنوا له = يسالم في بعض ومن شأنه الغدر
وأن هو يصفو بعض يوم يرى به = تباريح أكدار يقل بها الصبر
فكم خان من مولى بكت بفراقه = عيون سماء المجد والغيث والقطر
ولا سيما مير اللواء محمد = وكأن له الاسعاد والفتح والنصر
فمات على عز ونودي شأنه = لموتته أرخ به قضى الأمر
وجامعه المزبور من أحسن جوامع القاهرة صار للمجاورين بالأزهر به أنتفاع عظيم رحمه الله تعالى
المرجع
الكتاب : سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر
المؤلف : المرادي
أبو الذهب محمد بيك بن عبد الله رئيس الأمراء الكبار بالديار المصرية كأن مولى من موالي الأمير علي بيك ثم لما صدر من والي دمشق الوزير عثمان باشا بعض الأمور مع أهل غزة والجاهم في الشكاية عليهم إلى الأمير علي بيك المزبور فعين الأمير علي بيك للركوب على الوزير عثمان باشا والانتقام منه صاحب الترجمة وجهز معه العساكر الكثيرة والذخائر فتوجه جهة دمشق وكأن وصوله إليها يوم الاثنين تاسع عشر صفر سنة خمس وثمانين ومائة وألف وكأن معه تسعة صناجق وخمسة من أولاد عمر الظاهر أمير بلدة عكا ومشايخ المناولة والصفديه أهل البدع والرفض ومعه نحو ثمانين مدفعاً وأربعين ألف مقاتل وكأن عثمان باشا لما سمع ما صدر من شكاية أهل غزة وتجهيز العساكر لقتاله من جهة الديار المصرية وكأن الأمير علي بيك أرسل لوالدنا مكتوباً يخبره بما صدر من عثمان باشا وأنكم أن لم تسلموه نلقاكم بالرجال والأبطال فأخبر والدنا وعثمان باشا الدولة العلية بهذا الأمر فعينت الدولة لقتال العساكر المصري ودفع غائلتهم عن البلاد الشامية والي حلب عبد الرحمن باشا ووالي كليس خليل باشا ووالي طرابلس محمد باشا المزبور وتوفي والدنا في أثناء ذلك قبل وصلو أبي الذهب إلى الشام فلما قدم أبو الذهب بعساكره المار ذكرها ونزل بقرب داريا الكبرى ووصل خبره إلى دمشق خرج للقائه الوزراء الأربع بالعساكر الشامية والأجناد وصارت المعركة في سهل داريا المزبورة وفي أقل من ساعة أنكسر العسكر الشامي وفر هارباً كل من خليل باشا وعبد الرحمن باشا وعساكرهما وقتل منهم شرذمة قليلة وثبت كافل دمشق عثمان باشا وولده محمد باشا والعساكر الشامية وحصل القتال معهم ثلاثة أيام ثم في ليلة الجمعة رابع عشر صفر المزبور ذهب عثمان باشا فاراً مع ولده محمد باشا وصبحة الجمعة ورد مكتوب من أبي الذهب لعلماء دمشق وأعيانها يطلبهم لمواجهته في ذلك اليوم كل من العلامة علي بن صادق الطستاني مدرس الحديث تحت القبة والمولى أسعد بن خليل الصديقي أحد الرؤساء بدمشق الشريف محمد بن أحمد العاني أحد المدرسين بالجامع الأموي وحين وصلوا عنده طلب منهم تسليم دمشق وأنه لا بد له من أخذها على أي حالة وتوعدهم أن خالفوه أنه يحرقها ويأسر جميع أهلها فأمهلوه بالجواب إلى يوم السبت حتى يجتمعوا ويشاوروا أهل دمشق من الأعيان والعلماء والأوجاقات ففي تلك الليلة ليلة السبت هربت الأعيان وعثمان باشا وولده ورئيس اليرلية يوسف أغا ابن جبري ولم يبق في دمشق مقاتل واستولى على الناس الخوف والفزع والقلق وغص الجامع الأموي بأهالي القرى فأنهم نزلوا جميعاً بأهلهم وأمتعتهم ومواشيهم إليه وكأن ذهاب الفارين إلى بلدة حماه ففي صبيحة يوم السبت هاجت الضعفاء بدمشق وذهبوا إلى العلماء حيث لم يجدوا من يدافع عنهم وتوسلوا بهم أن يواجهوا المترجم ويسلموه الشام ويدفعوا عنهم غائلته فخرج لملاقاته كل من العلامة علي الطاغستاني المار ذكره ومفتي الشافعية بدمشق السيد محمد شريف بن الشمس محمد الغزي العامري وخطيب الجامع الأموي المولى سليمان بن أحمد المحاسني والعلامة خليل بن عبد السلام الكاملي فلاقوا العساكر عند قرية القدم متوجهة لدمشق لأجل القتال فطلبوا منهم المهلة حتى يواجهوا أبا الذهب فلما دخلوا عليه قابلهم بغاية الإكرام فأخبروه بأنه لم يبق في الشام مقاتل وقالوا له أن البلد لمولانا السلطان مصطفى خان فتسلمها أنت واحقن دماء المسلمين وكف عن أموالهم وكأن رئيس جند القول مصطفى أغا المطرجي لما فراعيان دمشق وكافلها وصار ما تقدم أغلق باب القلعة الدمشقية وحاصر فسألهم أبو الذهب المترجم عن القلعة فأخبروه بما وقع وطلبوا منه أن يخرج لهم من ينادي في شوارع دمشق بالأمان ورفع القتال ففعل ذلك ثم رفع القتال عن أهل دمشق وصار عسكره ينزل إليها ولا يتعرضون لأحد من أهلها بأذى ثم بعد أيام حاصر القلعة الدمشقية ونصل لها الأطواب من المرج الأخضر وضربها بالقنابر فصارت تنزل القنابر على أهل البلد ولا تصيب القلعة حتى وقع على سقف الجامع الأموي منها واحدة فخرقته وأزعج الناس لذلك انزعاجاً كلياً فخرج إليه بعض العلماء وأخبروه بما صار وأن هذا الأمر ليس بأمان لأهل دمشق وأخبروه بما فعلت القنابر في البلد واستمر الحال على ذلك إلى يوم الاثنين رابع ربيع الأول هذا لسنة فورد من أورديه كتاب مضمونه
أنه كان سبب مجيئنا إلى هذه البلاد الشامية لأجل مقاتلة عثمان باشا فلو خرج لنا لخارج البلدة ما قارشناكم وسبب تعرضنا للقلعة أن بها عثمان باشا وأمواله فلما تحققنا ذهابه وأنه ليس بها رفعنا القتال عنها وما مرادنا بلدتكم ولا أضراركم وأذيتكم وهذه بلدة مولانا السلطان الأعظم مصطفى خان والقلعة أبد الله خلافته إلى يوم الدين ولم يقع من عسكرنا أذية لأحد من أهل الشام فنرجوا أن تبتهلوا بالدعاء لحضرة مولانا السلطان ولنا بالتبعية واذكرونا بالخير والجميل والسلام وطلب الجواب من أعيان دمشق وعلمائها عن ذلك فأجابوه أنه وصل كتابكم وعرفتمونا أن سبب مجيئكم عثمان باشا وقد ذهب وأن البلدة بلدة مولانا السلطان وما مرادنا البلدة والآن أنكم عزمتم على العود إلى مصر فتوجهوا إلى حيث شئتم والسلام وثاني يوم وهو يوم الثلاثاء خاسم ربيع الأول رحل عن دمشق متوجهاً إلى مصر فعند ذلك اجتمع علماء البلدة في دار السعادة وكتبوا لكافل دمشق الوزير عثمان باشا جميع ما صدر وأن أبا الذهب رحل عن دمشق متوجهاً إلى مصر في يوم الخميس سادس عشر ربيع الأول ورد إلى دمشق كافلها عثمان باشا وولده محمد باشا والقاضي العام بها محمد مكي أفندي بن إبراهيم أفندي والأعيان والأفندية والعساكر التي كانت فرت وقدم رئيس اليرلية يوسف أغا ابن جبري من جبل الدروز ومعه خمس آلاف درزي وأنزلهم في البلدة بأمر من عثمان باشا ثم بعد مدة أيام رفع عثمان باشا يوسف أغا المزبور إلى سجن القلعة وأمر بخنقه فخنق لأنه كأن السبب في تقوية الدولة المصرية على العساكر الشامية طمعاً منه في قتل عثمان باشا وصيرورته مكانه كافلاً بدمشق فما قدر الله ذلك وأرجع كيده في نحره فلا قوة إلا بالله ثم لما رجع المترجم ووصل إلى القاهرة وأخبر مولاه علي بيك بما فعل لم يرض بذلك ولامه على تركه الشام بعد الاستيلاء عليها وطرده فصار أبو الذهب من أعدائه فخرج من مصر إلى بلاد الصعيد وجهز عساكر عظيمة ورجع إلى مصر فطرد منها مولاه المزبور واستولى مكانه فخرج هارباً علي بيك بعساكره وجاء إلى عكا ووقع عند عمر الظاهر وطلب منه أن يعينه على قتل أبي الذهب فجهز له عساكر جمة وأرسلها معه وأصحبه زمرة من أولاده وأجناده فخرج وقصد مصر فلما بلغ خبره أبا الذهب خرج من مصر لملاقاته فتلاقى الجمعان وتقاتلا وكأن الغالب أبا الذهب فقتل علي بيك المزبور وأكثر في عسكره السفك وإراقة الدماء ومن جملة المقتولين صليبي بن عمر الظاهر وتفرقت عساكر علي بيك والظاهر ايدي سبا ثم رجع أبو الذهب إلى مصر واستقل برياستها ثم في سنة تسع وثمانين ومائة وألف توجه من مصر بالعساكر العظيمة والعدد والعدد قاصداً أجلاء الظاهر ودولته وقتله وقتل أولاده فلما بلغ الظاهر هذا الخبر استعد لمحاصرته ومضاربته وأرسل إلى بلدة يافا أعيان شجعانه الذين كأن يسميهم بالفداوية وأمرهم أن يكونوا بقلعة يافا يحصونها بالأطواب وبقي هو في بلدته عكا قلائل ورأى أنه يطول المر به في المحاصرة لها فأمر باصطناع مدفع عظيم مساحة كلته ذراع وثلث ثم أنه أمر بوضعها في المدفع مع قنطارين من البارود وأبعد معسكره عنه أربعة أميال ثم أمر برمي المدفع المذكور على القلعة فلما قوص هدمها على أهلها فخرج بعض أهاليها وقتل البعض فأمر بالقبض على من خرج سالماً وربطهم بحبل على بعضهم بعضاً ثم جلس على كرسي وأمر بضرب أعناقهم فضربت أعناقهم عن آخرهم وهو جالس ينظر إليهم ثم في ثاني يوم من قتلهم وهدم تلك البلد عجل الله له الموت فمات ثاني اليوم مسموماً بسم أرسله له عمر الظاهر وجعل لمن أدخله عليه خمسة آلاف دينار ثم أن أعيان دوله جوفوه وحملوه ميتاً إلى القاهرة فدفن بالجامع الذي أنشأه تجاه جامع الأزهر وقد أرخ وفاته أديب مصر وشاعرها الشيخ قاسم الملقب بالأديب الشافعي بقوله أنه كان سبب مجيئنا إلى هذه البلاد الشامية لأجل مقاتلة عثمان باشا فلو خرج لنا لخارج البلدة ما قارشناكم وسبب تعرضنا للقلعة أن بها عثمان باشا وأمواله فلما تحققنا ذهابه وأنه ليس بها رفعنا القتال عنها وما مرادنا بلدتكم ولا أضراركم وأذيتكم وهذه بلدة مولانا السلطان الأعظم مصطفى خان والقلعة أبد الله خلافته إلى يوم الدين ولم يقع من عسكرنا أذية لأحد من أهل الشام فنرجوا أن تبتهلوا بالدعاء لحضرة مولانا السلطان ولنا بالتبعية واذكرونا بالخير والجميل والسلام وطلب الجواب من أعيان دمشق وعلمائها عن ذلك فأجابوه أنه وصل كتابكم وعرفتمونا أن سبب مجيئكم عثمان باشا وقد ذهب وأن البلدة بلدة مولانا السلطان وما مرادنا البلدة والآن أنكم عزمتم على العود إلى مصر فتوجهوا إلى حيث شئتم والسلام وثاني يوم وهو يوم الثلاثاء خاسم ربيع الأول رحل عن دمشق متوجهاً إلى مصر فعند ذلك اجتمع علماء البلدة في دار السعادة وكتبوا لكافل دمشق الوزير عثمان باشا جميع ما صدر وأن أبا الذهب رحل عن دمشق متوجهاً إلى مصر في يوم الخميس سادس عشر ربيع الأول ورد إلى دمشق كافلها عثمان باشا وولده محمد باشا والقاضي العام بها محمد مكي أفندي بن إبراهيم أفندي والأعيان والأفندية والعساكر التي كانت فرت وقدم رئيس اليرلية يوسف أغا ابن جبري من جبل الدروز ومعه خمس آلاف درزي وأنزلهم في البلدة بأمر من عثمان باشا ثم بعد مدة أيام رفع عثمان باشا يوسف أغا المزبور إلى سجن القلعة وأمر بخنقه فخنق لأنه كأن السبب في تقوية الدولة المصرية على العساكر الشامية طمعاً منه في قتل عثمان باشا وصيرورته مكانه كافلاً بدمشق فما قدر الله ذلك وأرجع كيده في نحره فلا قوة إلا بالله ثم لما رجع المترجم ووصل إلى القاهرة وأخبر مولاه علي بيك بما فعل لم يرض بذلك ولامه على تركه الشام بعد الاستيلاء عليها وطرده فصار أبو الذهب من أعدائه فخرج من مصر إلى بلاد الصعيد وجهز عساكر عظيمة ورجع إلى مصر فطرد منها مولاه المزبور واستولى مكانه فخرج هارباً علي بيك بعساكره وجاء إلى عكا ووقع عند عمر الظاهر وطلب منه أن يعينه على قتل أبي الذهب فجهز له عساكر جمة وأرسلها معه واصحبه زمرة من أولاده وأجناده فخرج وقصد مصر فلما بلغ خبره أبا الذهب خرج من مصر لملاقاته فتلاقى الجمعان وتقاتلا وكأن الغالب أبا الذهب فقتل علي بيك المزبور وأكثر في عسكره السفك وإراقة الدماء ومن جملة المقتولين صليبي بن عمر الظاهر وتفرقت عساكر علي بيك والظاهر ايدي سبا ثم رجع أبو الذهب إلى مصر واستقل برياستها ثم في سنة تسع وثمانين ومائة وألف توجه من مصر بالعساكر العظيمة والعدد والعدد قاصداً أجلاء الظاهر ودولته وقتله وقتل أولاده فلما بلغ الظاهر هذا الخبر استعد لمحاصرته ومضاربته وأرسل إلى بلدة يافا أعيان شجعانه الذين كأن يسميهم بالفدأوية وأمرهم أن يكونوا بقلعة يافا يحصونها بالأطواب وبقي هو في بلدته عكا قلائل ورأى أنه يطول المر به في المحاصرة لها فأمر باصطناع مدفع عظيم مساحة كلته ذراع وثلث ثم أنه أمر بوضعها في المدفع مع قنطارين من البارود وأبعد معسكره عنه أربعة أميال ثم أمر برمي المدفع المذكور على القلعة فلما قوص هدمها على أهلها فخرج بعض أهاليها وقتل البعض فأمر بالقبض على من خرج سالماً وربطهم بحبل على بعضهم بعضاً ثم جلس على كرسي وأمر بضرب أعناقهم فضربت أعناقهم عن آخرهم وهو جالس ينظر إليهم ثم في ثاني يوم من قتلهم وهدم تلك البلد عجل الله له الموت فمات ثاني اليوم مسموماً بسم أرسله له عمر الظاهر وجعل لمن أدخله عليه خمسة آلاف دينار ثم أن أعيان دوله جوفوه وحملوه ميتاً إلى القاهرة فدفن بالجامع الذي أنشأه تجاه جامع الأزهر وقد أرخ وفاته أديب مصر وشاعرها الشيخ قاسم الملقب بالأديب الشافعي بقوله
ألا فأنظروا في الدهر ولا تأمنوا له = يسالم في بعض ومن شأنه الغدر
وأن هو يصفو بعض يوم يرى به = تباريح أكدار يقل بها الصبر
فكم خان من مولى بكت بفراقه = عيون سماء المجد والغيث والقطر
ولا سيما مير اللواء محمد = وكأن له الاسعاد والفتح والنصر
فمات على عز ونودي شأنه = لموتته أرخ به قضى الأمر
وجامعه المزبور من أحسن جوامع القاهرة صار للمجاورين بالأزهر به أنتفاع عظيم رحمه الله تعالى
المرجع
الكتاب : سلك الدرر في أعيان القرن الثاني عشر
المؤلف : المرادي