شبكة تراثيات الثقافية

المساعد الشخصي الرقمي

Advertisements

مشاهدة النسخة كاملة : الأمير الزاهد


تسنيم كتبي
07-28-2011, 07:31 PM
الأمير الزاهد

أقام عمير بن سعد t حولاً فى حمص لم يكتب خلالها لأمير المؤمنين كتاباً ، ولم يبعث إلى بيت مال المسلمين من الفىء درهما ولا ديناراً ، داعب الشك عقل عمر t ، ودارت برأسه الوساوس ، فكتب إليه : إذا جاءك كتابى هذا فأقبل ، وأقبل بما جبيت من فىء المسلمين .
طوى عمير بن سعد t الرسالة بين يديه ، فأخذ جراباً وجعل فيه زاده وقصعته ووعاء وضوئه ، وأمسك بيده حربته ، وانطلق يحث الخطى ماشياً على قدميه حتى دخل المدينة ، ومثل بين يدى عمر t شاحب اللون ، هزيل الجسم أشعث الرأس عليه وعثاء السفر .
نظر عمر t مندهشاً للهيئة التى عليها عمير t فقال : ما شأنك ؟
قال عمير t : ما ترى من سأنى ؟ ألست ترانى صحيح البدن ، طاهر الدم ، معى الدنيا أجرها بقرنها .
قال : وما معك ؟ .. فظن عمر t أنه قد جاء بمال .
فقال : معى جراب أجعل فيه زادى ، وقصعتى آكل فيها ، وأغسل فيها رأسى وثيابى ، ومعى قربة لوضوئى وشرابى ، وهذه حربتى أتوكأ عليها ، وأجاهد بها عدواً إن عرض لى ، فوQ ما الدنيا إلا تبع لمتاعى .
قال عمر t : أجئت ماشياً ؟!
قال : نعم .
قال : أما كان لك أحد يتبرع لك بدابة تركبها ؟
قال : ما فعلوا وما سألتهم ذلك .
فقال عمر t : بئس المسلمون خرجت من عندهم .
قال عمير t : اتق Q يا عمر ، قد نهاك Q عن الغيبة .
قال : وأين ما أتيت به لبيت المال ؟
قال : لم آت بشىء .
قال : لم ؟
قال عمير t : لما بعثتنى حتى أتيت البلد ، جمعت صلحاء أهلها فوليتهم جمع فيئهم ، حتى إذا جمعوه ، وضعته مواضعه ، ولو نالك منه شىء لأتيتك به .
فقال عمر t لكاتبه : جدد لعمير عهداً .
قال عمير t : هيهات . فإن ذلك شىء لا أريده ، ولن أعمل لك ولا لأحد بعدك يا أمير المؤمنين .
ثم استأذن بالذهاب إلى بيته في ضواحى المدينة .
أراد عمر t أن يختبر عميراً t فأرسل إليه رجلاً يدعى الحارث ، وأمره أن ينزل على عمير t ضيفاً ، فإن رأى عليه أثر نعمة عاد إليه ، وإن وجد حالته شديدة أعطاه مائة دينار ، ودفع عمر t للحارث صرة بها مائة دينار .
أقام الحارث فى ضيافة عمير بن سعد t ثلاث ليالٍ ، فكان يخرج له فى كل ليلة قرصاً من الشعير .
فلما كان اليوم الثالث ، قال للحارث : إنك أجعتنا ، فإن رأيت أن تتحول عنا فافعل !
عند ذلك أخرج الحارث الدنانير ، ودفعها إليه .
فقال عمير t : ما هذه ؟
قال الحارث : بعث بها إليك أمير المؤمنين .
فقال : ردها إليه واقرأ عليه السلام ، وقل له : لا حاجة لعمير بها .
فصاحت امرأته ، وكانت تسمع ما يدور بين زوجها وضيفه : خذها يا عمير ، فإن احتجت إليها أنفقته ، وإلا وضعتها فى موضعها فالمحتاجون هنا كثير .
فلما سمع الحارث قولها ألقى الدنانير بين يدى عمير t وانصرف ، أخذ عمير الدنانير وجعلها فى صرر صغيرة ، ولم يبت ليلته تلك إلا بعد أن وزعها بين ذوى الحاجات ، وخص منهم أبناء الشهداء .
عاد الحارث إلى المدينة فقال له عمر t : ما رأيت يا حارث ؟
فقال : حالاً شديدة يا أمير المؤمنين .
قال : أدفعت إليه الدنانير ؟
قال : نعم ، يا أمير المؤمنين .
فقال : وما صنع بها ؟
قال : لا أدرى ، وما أظنه يبقى لنفسه منها درهماً واحداً .
فكتب عمر t إلى عمير بن سعد t : إذا جاءك كتابى هذا فلا تضعه من يدك حتى تقبل على .
رحل عمير بن سعد إلى المدينة ، ودخل على أمير المؤمنين ، فحياه عمر t ورحب به ، وأدناه من مجلسه .
ثم قال : ما صنعت بالدنانير يا عمير ؟
قال : صنعت ما صنعت وما سؤالك عنها ؟
قال : عزمت عليك أن تخبرنى بما صنعت بها .
قال : ادخرتها لنفسى لأنتفع بها فى يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون .
فدمعت عينا عمر t ، وقال : رحمك Q .
ثم أمر له بمقدار من طعام وثوبين ، فقال عمير t : أما الطعام فلا حاجة لنا به يا أمير المؤمنين ، فقد تركت عند أهلى صاعين من شعير ، وإلى أن نأكلها يكون Q قد جاءنا بالرزق ، وأما الثوبان فآخذهما لأم فلان ـ يعنى زوجته ـ فقد بلى ثوبها وكادت تعرى .
فلم يلبث عمير بن سعد t أن هلك ، وفارق الحياة ، فحزن عليه عمر t ، واعتصر الأسى فؤاده وقال :
وددت أن لى رجالاً مثل عمير بن سعد أستعين بهم فى أعمال المسلمين .

المرجع
100 قصة وقصة من حياة عمر بن الخطاب t ـ محمد صديق المنشاوي