شبكة تراثيات الثقافية

المساعد الشخصي الرقمي

Advertisements

مشاهدة النسخة كاملة : همسات للطالب من صيد الخاطر


جمانة كتبي
01-21-2011, 06:06 PM
http://www.mediafire.com/conv/efa81a036eb39fcdbc409ee0c9c0bbbd7cb573b866bab02ec0 63a401eefe6c076g.jpg" alt=""/>



الحمد لله حمداً يبلغ رضاه ، وصلى الله على أشرفِ مَن اجتباه ، وعلى مَن صاحبهُ ووالاه ،

وسلّم تسليماً لا يُدرَكُ منتهاه .





http://cdlarab.info//uploads/images/CDL-93adc793d7.png (http://cdlarab.info//uploads/images/CDL-93adc793d7.png)







وجدتُ رأي نفسي في العلم حسناً ، فهي تقدمه على كل شيء وتعتقد بالدليل ، وتفضل ساعة التشاغل به على ساعات النوافل ، وتقول : أقوى دليل لي على فضله على النوافل أني رأيتُ كثيراً ممَن شغلتهم نوافل الصلاة والصوم عن نوافل العلم ، قد عاد ذلك عليهم بالقدح في الأصول ، فرأيتها في هذا الاتجاه على الجادة السليمة والرأي الصحيح .





إلا أني رأيتها واقفة مع صورة التشاغل بالعلم ، فصِحتُ بهاق ما الذي أفادكِ العلم ؟ أين الخوف ؟ أين القلق ؟ أين الحذر ؟



أما سمعت بأخبار الأحبار في تعبدهم واجتهادهم ؟


أما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد الكل ، ثم إنه قام حتى ورمت قدماه ؟


أما كان أبو بكر – رضي الله عنه – شجيَّ النشيج (1) ، كثير البكاء ؟


أما كان في خد عمر – رضي الله عنه – خطان من آثار الدموع ؟


أما كان عثمان – رضي الله عنه – يختم القرآن في ركعة ؟


أما كان علي – رضي الله عنه – يبكي بالليل في محرابه ، حتى تخضل لحيته بالدموع ؟ ويقول : يا دنيا غُرِّي غيري ؟



أما كان الحسن البصري – رحمه الله – يحيا على قوة القلق ؟


أما كان سعيد بن المسيب رحمةُ الله عليه ملازماً للمسجد ، فلم تفته صلاة في جماعة أربعين سنة؟


أما صام الأسود بن يزيد – رحمه الله – حتى اخضر واصفر ؟


أما قالت بنت الربيع بن خيثم له : ما لي أرى الناس ينامون وأنت لا تنام ؟ فقال رحمه الله : إنّ أباكِ يخاف عذاب البيات (2) .


أما كان أبو مسلم الخولاني – رحمه الله تعالى - ُعلِّق سوطاً في المسجد يُؤدب به نفسه إذا فتِر ؟



أما صام يزيد الرقاشي – رحمه الله - أربعين سنة ؟ وكان يقول : والـهفـاهـ ! سبقني العابدون، وقطع بي .


أما صام سفيان الثوري رحمةُ الله عليه يبكي الدم من الخوف ؟


أما كان إبراهيم بن أدهم يبول الدم من الخوف ؟


أما تعلمين أخبار الأئمة الأربعة في زهدهم وتعبدهم ، أبو حنيفة ، ومالك ، والشافعي ، وأحمد ، عليهم رحمةُ الله .


احذري من الإخلاد إلى صورة العلم ، مع ترك العمل به ، فإنها حالة الكسالى الزَّمْنَى (3) .






http://cdlarab.info//uploads/images/CDL-63025fe0e9.png (http://cdlarab.info//uploads/images/CDL-63025fe0e9.png)







رأيتُ الشَّرِه في تحصيل الأشياء يُفوِّت الشَّرَهُ عليه مقصوده . وقد رأينا مَن كان شَرِهاً في جمع المال فحصل له الكثير منه وهو مع ذلك حريص على الازدياد ! ولو فهم ، علم أن المراد من المال إنفاقه في العمر ، فإذا أنفق العمر في تحصيله فات المقصودان جميعاً .



وكم رأينا مَن جمع المال ولم يتمتع به فأبقاه لغيره وأفنى نفسه كما قال الشاعر :




كَدُودةِ القـزِّ ما تَبنِيـهِ يهدِمُها :: ~ :: وغيرُها بالذي تبنِيـهِ ينتـفِعُ








وكذلك رأينا خلقاً كثيراً يحرصون على جمع الكتب فينفقون أعمارهم في كتابتها ، وكدأبِ أهل الحديث ينفقون الأعمار في النسخ والسماع إلى آخر العمر ثم ينقسمون :




فمنهم مَن يتشاغل بالحديث وعلمه وتصحيحه ولعله لا يفهم جواب حادثة ، ولعل عنده للحديث مئة طريق . ومنهم مَن يجمع الكتب ويسمعها ولا يدري ما فيها لا من صحة حديثها ولا من فهم معناها ، فتراه يقول الكتاب الفلاني سماعي وعندي له نسخة ، والكتاب الفلاني والفلاني فلا يعرف علم ما عنده من حيث فِهمِ صحيحه من سقيمه . وقد صدّهُ اشتغاله بذلك عن المهم من العلم ..


ثم ترى منهم مَن يتصدر بإتقانه للرواية وحدها فيمد يده إلى ما ليس من شغله ، فإن أفتى أخطأ ، وإن تكلم في الأصول خلط .




فإن قال قائل : أليس في الحديث : « منهومان لا يشبعان ، طالب علم وطالب دنيا » (4) ؟


قلت : أما العالم فلا أقول له اشبع من العلم ، ولا اقتصر على بعضه . بل أقول له : قدم المهم فإن العاقل مَن قدر عمره وعمل بمقتضاه ، وإن كان لا سبيل إلى العلم بمقدار العمر ، غير أنه يبني على الأغلب . فإن وصل فقد أعد لكل مرحلة زاداً ، وإن مات قبل الوصول فنيته تسلك به .


فإذا علم العاقل أن العمر قصير ، وأن العلم كثير ، فقبيح بالعاقل الطالب لكمال الفضائل أن يتشاغل بسماع الحديث ونسخه ليحصِّل كل طريق ، وكل رواية ، وكل غريب ! وهذا لا يفرغ من مقصوده منه في خمسين سنة خصوصاً إن تشاغل بالنسخ . ثم لا يحفظ القرآن . أو يتشاغل بعلوم القرآن ولا يعرف الحديث . أو بالخلاف في الفقه ولا يعرف النقل الذي عليه مدار المسألة !



فإن قال قائل : فدبر لي ما تختار لنفسك . فأقول : ذو الهمة لا يخفى من زمان الصبا .كما قال سفينا بن عيينه رحمةُ الله عليه : قال لي أبي – وقد بلغت خمس عشرة سنة – إنه قد انقضت عنك شرائع الصبا ، فاتبع الخير تكن من أهله ، فجعلت وصية أبي ، قبلة أميل إليها ولا أميل عنها . ثم قبل شروعي في الجواب أقول : ينبغي لـمَن له أنفة أن يأنف من التقصير الممكن دفعه عن النفس .


فلو كانت النبوة مثلاً تأتي بكسب لم يقنع الولاية . أو تصور أن يكون مثلاً خليفة لم يُحسن به أن يقتنع بإمارة . ولو صح له أن يكون ملكاً لم يرضَ أن يكون بشراً . والمقصود أن ينتهي بالنفس إلى كمالها الممكن لها في العلم والعمل . وقد علم قصر العمر وكثرة العلم فيبتدئ بالقرآن وحفظه ، وينظر في تفسيره نظراً متوسطاً لا يخفى عليه بذلك منه شيء .


وإن صح له قراءة القراءات السبعة وأشياء من النحو وكتب اللغة وابتدأ بأصول الحديث من حيث النقل كالصحاح والمسانيد والسنن ، ومن حيث علم الحديث كمعرفة الضعفاء والأسماء ، فلينظر في أصول ذلك .


وقد رتبت العلماء من ذلك ما يستغنى به الطالب عن التعب ، ولينظر في التواريخ ليعرف ما لا يُستغنى عنه كنسب الرسول صلى الله عليه وسلم وأقاربه وأزواجه وما جرى له . ثم ليقبل على الفقه فلينظر في المذاهب والخلاف ، وليكن اعتماده على مسائل الخلاف فلينظر في المسألة وما تحتوي عليه فيطلبه من مظانه ، كتفسير آية أو حديث وكلمة لغة . ويتشاغل بأصول الفقه وبالفرائض وليعلم أن الفقه عليه مدار العلوم . ويكفيه من النظر في الأصول – الأصول يقصد بها العقيدة والتوحيد - ما يستدل به على وجود الصانع ، فإذا أثبته الدليل وعرف ما يجوز عليه مما لا يجوز ، وأثبت إرسال الرسل وعلم وجوب القبول منه ، فقد احتوى على المقصود من علم الأصول .



فإن اتسع الزمان للتزيد من العلم فليكن من الفقه فإنه الأنفع . ومهما فسح له في الـمُهل فأمكنه تصنيف في علم ، فإنه يخلف بذلك خلفاً صالحاً . مع اجتهاده في التسبب إلى اتخاذ الولد . ثم يعلم أن الدنيا معبرة فيلتفت إلى فهم معاملة الله عز وجل ، فإن مجموع ما حصّله من العلم يدله عليه .




.... وإن لله عز وجل أقواماً يتولى تربيتهم ويبعث إليهم في زمن الطفولة مؤدباً ، ويسمى العقل . ومُقوِّماً ، ويقال له الفهم ، ويتولى تأديبهم وتثقيفهم ، ويهيئ لهم أسباب القرب منه . فإن لاح قاطع قطعهم عنه حماهم منه ، وإن تعرضت بهم فتنة دفعها عنهم . فنسأل الله عز وجل أن يجعلنا منهم ، ونعوذ بالله من خذلانٍ لا ينفع معه اجتهاد .








http://cdlarab.info//uploads/images/CDL-3de7f4a67d.png (http://cdlarab.info//uploads/images/CDL-3de7f4a67d.png)



قد ثبت بالدليل شرفالعلم وفضله ، إلا أن طلاب العلم افترقوا فكلٌ تدعوه نفسه إلى شيء. فمنهم منأذهب عمره في القراءات ، وذلك تفريط في العمر ؛ لأنه إنما ينبغي أن يعتمد على المشهور منها لا على الشاذ . وما أقبح القارئ يسأل عن مسألة في الفقه وهو لايدري . وليس ما شغله عن ذلك إلا كثرة الطرق في روايات القراءات .




ومنهم من يتشاغل بالنحو وعلله فحسب ، ومنهم من يتشاغل باللغة فحسب . ومنهم من يكتب الحديث، ويكثر ولا ينظر في فهم ما كتب .وقد رأينا في مشايخنا المحدثين من كان يسأل عن مسألة في الصلاة فلا يدري ما يقول!


وكذلك القراء ، وكذلك أهل اللغة والنحو . وحدثني عبد الرحمن بن عيسى الفقيه ، قال : حدثني ابن المنصوري ، قال : حضرنا مع أبي محمد بن الخشاب ، وكان إمام الناس في النحو واللغة ، فتذاكروا الفقه فقال : ( سلوني عما شئتم ) ، فقال له رجل : إن قيل لنا رفع اليدين في الصلاة ما هوفماذا نقول ؟ فقال : ( هو ركن ) ! فدُهشت الجماعة من قلة فقهه .


وإنما ينبغي للعاقل أن يأخذ من كل علم طرفاً ثم يهتم بالفقه ثم ينظر في مقصود العلوم ، هو المعاملة لله سبحانه ، والمعرفة به والحب له .


وينبغي لـمَن أراد المعرفة بعلم النجوم أن يعرف من ذلك اليسير والمنازل لعلم الأوقات ، فأمّا النظر فيما يدعى أنه القضاء والحكم فجهل محض لأنه لا سبيل إلى علم ذلك حقيقةوقد جرب فبان جهل مدعيه. وقد تقع الإصابة في وقت . وعلى تقدير الإصابة لافائدة فيه إلا تعجيل الغم.فإن قال قائل : يمكن دفع ذلك فقد سلم أنه لا حقيقة له .


وينبغي لطالب العلم أن يصحح قصده ، إذ فقدان الإخلاص يمنع قبول الأعمال.



وليجتهد في مجالسة العلماء ،و النظر في الأقوال المختلفة ، وتحصيل الكتب ، فلا يخلو كتاب منفائدة ! و ليجعل همته للحفظ ، و لا ينظر و لا يكتب إلا وقت التعب من الحفظ .



و ليحذر صحبة السلطان ، و لينظر في منهاج الرسول صلى الله عليه و سلم الصحابة و التابعين ، و ليجتهد في رياضة نفسه والعمل بعلمه ، ومن تولاه الحق وفقه .







(1) النشيج : أشد البكاء ، ونشج الباكي إذا غض البكاء في حلقه من غير انتحاب ، انظر لسان العرب مادة (نشج) .


(2) البيات : هو العذاب المفاجئ الذي يأتي بغتة بالليل ، انظر لسان العرب مادة (بيت) .


(3) الزمنى : المرضى وأصحاب العاهات ، انظر لسان العرب مادة (زمن) .


(4) صحيح ; أخرجه ابن عدي عن أنس ، والبزار عن ابن عباس – رضي الله عنهم أجمعين - ، وانظر صحيح الجامع (ح6624) .







http://cdlarab.info//uploads/images/CDL-41ab48ddcf.png (http://cdlarab.info//uploads/images/CDL-41ab48ddcf.png)




وبعد أيها الإخوة والأخوات .. فإن خلاصة القول ، أن على طالب العلم أن يَعلم ترتيب الأفضلية في طلب العلم ، وذلك كما رتبها الإمام الفقيه الحنبلي الحافظ المفسر الواعظ والمؤرخ الأديب المعروف بابن الجوزي – رحمه الله - .
وإنه من المعلوم أن شخصية المسلم شخصية متميزة لها من كل بستان قطفة ! فلا يقتصر على علم معين ، إنما ينهل المفيد منها جميعها . وإن للإمام ابن الجوزي مصنفات قد أربت على المائتين ، شملت علوم القرآن والتفسير وأصول الدين وعلم الحديث ولاسيما علوم الزهد والرقائق فله فيه باع عظيم . وكذا ما يتعلق بالتاريخ والسير والتراجم والفقه ومختلف الفنون ، فهو عالم موسوعي ، يكاد لا يترك فناً إلا وقد كتب فيه .
فلله در الإمام الجوزي فيما كتب وصنف وجزاه الله خير الجزاء عما قدمه للإسلام والمسلمين ..
ولتكن أيها القارئ الكريم ممَن اتخذ سلفه الصالح خيرُ قدوة له . فتتبع طرقهم في طلب العلوم وانهل نهلهم ومنهجهم .. ولا تترك علماً جديداً ولا قديماً إلا ولك منه نصيب .. والله الله في الإخلاص ، والعمل بالعلم من بعده .. والله ولي التوفيق .









~ * ~








كنتم مع قراءة مختصرة ومتصرف فيها من كتاب



[ صيد الخاطر ]